تشير التوقعات إلى أنه ثمة إمكانية جدّ حقيقية لحدوث فجوة بين الطلب والعرض المتاح من الطاقة الكهربائية في المملكة العربية السعودية.

فقد أدى التطور الاقتصادي السريع والنمو السكاني في المملكة العربية السعودية إلى ارتفاع كبير في الطلب على الكهرباء، يُتوقع أن يتجاوز 120 جيجا واط بحلول عام 2032. وبالقياس إلى معدل التطور الحالي، قد يؤدي هذا إلى خلق فجوة بين قدرة الطاقة المتوقعة وذروة الطلب المتوقعة، تصل هذه الفجوة إلى 60 جيجا واط عام 2032.

ثمة خيارات عديدة يمكن أن تسدّ هذه الفجوة؛ إذ يمكن للبلاد أن تزيد إنتاج مولدات الطاقة التقليدية باستخدام النفط، مستنفدة الاحتياطي الوطني المحدود الذي يمكن تخصيصه لتطبيقات ذات قيمة مضافة أعلى، والذي يسبب استعماله تفاقم تغيُّر المناخ على المدى الطويل.

وبدلاً من ذلك، يمكن للبلاد أن تتحول إلى الطاقة النووية، التي يمكنها توفير تغطية ثابتة للحمل الأساسي، ولكنها ستثير قضايا السلامة، وهذا ما تبتعد معظم البلدان عنه بعد كارثة فوكوشيما. يعتمد الأثر البيئي لهذا الاختيار على إدارة المخاطر المرتبطة بدورات حياة المعدات، والوقود النووي، والنفايات النووية.

أما الخيار الثالث، فهو تحسين المنشآت القائمة حاليًّا، مع تعديل مواصفات المنشآت المستقبلية من حيث الكفاءة وإدارة الطاقة.

ويعتمد السيناريو الرابع على تطوير مصادر الطاقة المتجددة، وبالنسبة للسعودية التي تتمتع بشمس دائمة الإشراق، قد تكون الطاقة الشمسية هي الخيار الأكثر جدوى.

وهذا لا يعني أنه لا حاجة إلى “مزيج الطاقة”؛ إذ إن جميع مصادر الطاقة، في الواقع، يجب أن تكون مجتمعة ومحسّنة. ولكن إلى أن تصبح حلول التخزين واسعة النطاق –المركزية أو الموزعة- متوفرة وقيد التشغيل، سيتطلب استقرار الطاقة قدرًا كبيرًا من توليد الكهرباء بالطرق التقليدية الهيدروكربونية.

وبناءً على هذا، فإن برنامج مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة (KACARE) يوصي بأن تتم تغطية توليد ما يصل إلى 50% من الكهرباء بالمصادر غير التقليدية، كالطاقة الشمسية، بحلول عام 12032. وسيتشكل مزيج الطاقة المقابل من الهيدروكربونات (60 جيجا واط) والطاقة النووية (17.6 جيجا واط)، والطاقة الشمسية (41 جيجا واط: منها 16 جيجا واط من الفولتية الضوئية (PV) و25 جيجا واط من تركيز الطاقة الشمسية (CSP))، وطاقة الرياح (9 جيجا واط)، وتحويل النفايات إلى طاقة (3 جيجا واط) والطاقة الحرارية الأرضية (1جيجا واط).

استغلال الشمس

ربما كانت الطاقة الشمسية هي أكثر مصادر الطاقة الأولية أمانًا واستدامة –اعتمادًا على مفاعل اندماج نووي ثابت- معطية ما يقارب 1,500 ضعف احتياجات جميع البشر من الطاقة. في المملكة العربية السعودية واحد من أعلى مستويات الإشعاع على الأرض، وهو يفوق 2000 كيلو واط ساعي/م2/سنة. وقد يكون هذا إيذانًا بميلاد واحدة من أقل طرق إنتاج الكهرباء تكلفة (LCOE) في العالم من مصادر الطاقة المتجددة، بما يقارب 70– 90 دولارًا أمريكيًّا/ ميجاوات ساعي، وهو ما يقترب من تكلفة إنتاج الكهرباء بواسطة توربينات الغاز ذات الدورة المركّبة (CCGT) التي تعمل على الغاز الطبيعي والكهرباء المولدة من الفحم، شريطة إجراء الاختيار المناسب لتقنيات تحويل الطاقة ومنشآته.

وفيما يتعلق بالتأثيرات البيئية والتخفيف من حدة مخاطر تغير المناخ، فإن تحليل دورة الحياة (LCA) يُظهِر أن الوقت اللازم لاسترداد الطاقة من الخلايا الكهروضوئية الشمسية يتراوح بين سنة وثلاث سنوات، وأن توازن ثاني أكسيد الكربون CO2 هو أكثر ملاءمة بكثير.

للمملكة العربية السعودية برنامج طموح لإنتاج نحو نصف احتياجاتها من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2032، وهو الهدف الذي يمثل نسبة كبيرة من إجمالي الطاقة المنتجة عالميًّا بحلول ذلك الوقت من مصادر متجددة.

وثمة تحديات عدة أمام هذا الهدف الطموح. فالإعانات، وزيادة استغلال المصادر النفطية الجديدة، تضعف القدرة التنافسية للطاقة المتجددة وتنقص من جاذبيتها.

وهذا يطرح أسئلة جوهرية حول طموح المملكة:

1- قدرة شبكة البنية التحتية الحالية على استيعاب هذا الإسهام الجديد المتذبذب لتوليد الكهرباء، وإدارته بطريقة ثابتة. إننا نعتقد أن البنية التحتية الحالية ضعيفة التكيّف لإدارة المصادر المتجددة. ومن الناحية الأخرى، يمكن تحويل هذا الضعف ليمثل فرصة متميزة للمملكة لبناء شبكة حديثة تناسب مجموعة من مصادر الطاقة.

2- توافر الموارد في المملكة لدعم تطور كهذا وتكامل مجموعة من مصادر الطاقة. هذه المجموعة ابتداءً من الموارد البشرية التي تغطي سلسلة القيمة من حيث كفاءاتها ومهاراتها ودرايتها بتصنيع هذه المنشآت وتركيبها وتشغيلها وصيانتها، وصولاً إلى المواد الأولية التي ستتحول إلى شبه منتجات ومنتجات ومعدات.

3- الظروف التي ستتعرض لها المعدات المستخدمة في توليد الكهرباء. فثمة مخاوف مشروعة تتعلق بمدى ملاءمتها لدرجات حرارة التشغيل المرتفعة، والمستويات العالية للرطوبة والغبار في المملكة. فظروف الاختبار القياسية لإجازة استخدام المعدات لا تشمل بشكل منهجي ظروف الشرق الأوسط البيئية شديدة الخصوصية. ولذا يجب انتقاء التقنيات والمعدات بعناية شديدة.

يمثل هدف المملكة في الطاقة المتجددة تحديًا، ويحتاج إلى عمل على عدة محاور استراتيجية للتنمية.

ستكون وتيرة التنمية المرجوّة بحاجة إلى شراكات مناسبة لتأسيسها مع اللاعبين حاليًّا في مجال الصناعة من أجل جلب التقنيات اللازمة إلى المملكة. وسيحتاج هذا لتغطية سلسلة القيمة بأكملها -من المواد الخام إلى دمج النظام، مع ضمان خلق فرص العمل.

هناك نسبة كبيرة من المواد الخام، وأشباه المنتجات والمعدات التي يتوجب استيرادها إلى البلاد.

إذا كانت هذه الشراكات ستجلب أي تطورات تقنية مميزة للبلاد، فسيتوجب مناقشة مسألة حقوق الملكية الفكرية، بدءًا من حماية الاختراع ووصولاً إلى منح الترخيص.

سيكون البحث والتطوير هما القوة الدافعة لهذه النقلة للطاقة المتجددة. وستحتاج البلاد -على المديين القصير والمتوسط- إلى الخبرة التقنية والعلمية؛ لتتمكن من إجراء تقييم أفضل لمجموعة كبرى ومتنوعة من التقنيات، ولتتمكن من تغطية اختيار المعدات وتقييمها واختبارها.

في المستقبل، سيمكّن العمل التقني والبحوث الأساسية أصحاب المصلحة في البلاد من إنشاء “لبنات البناء” الملائمة لابتكار التكنولوجيا الحالية والمستقبلية.

وأخيرًا، سيكون المواطنون هم اللاعبون الرئيسيون في هذا التطور. وسيكون من الضروري تنسيق مهارات الناس ودرايتهم مع المتطلبات التي ستجلبها هذه التقنيات، وضمان الاستدامة والموثوقية.

رؤيتنا

يجري تنسيق بين مهمة مركز أبحاث هندسة الطاقة الشمسية والخلايا الضوئية (SPERC) في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) والعوامل الرئيسية للتطور المشار إليها أعلاه؛ نظرًا لكونها كلها موجهات مهمة لأنشطتنا في البحث والتعليم. فللمركز التفات قوي إلى البحث والتطوير، ونقل التكنولوجيا، بالإضافة إلى تعليم الجيل القادم من القوى العاملة. فهو يجمع بين الخبرة العلمية والتقنية، مدعومًا بشبكة قوية من الشركاء الأكاديميين والصناعيين.

ويجلب السوق عوامل أخرى مهمة، فضلاً عن نضوج الشبكة الصناعية التي تتعامل معه. وباعتباره مركزًا للبحوث والهندسة، فإن الخط الأساسي لأدائنا تحدده المنافسة الخاصة بالمختبرات الصناعية والأكاديمية. لذا تُحَدَّد أهدافنا بكونها تنفيذ هذا الأساس.

فمثلاً، يقع سوق الفولتية الضوئية تحت سيطرة السيليكون البلوري، بما يقرب من 90%، ويتم تحقيق أقل طرق إنتاج الكهرباء تكلفة (LCOE) باستخدام التقنيات عالية الكفاءة التي تتطلب رقائق السيليكون عالية الجودة، وخلية متقدمة هندسيًّا، وعددًا قليلاً نسبيًّا من خطوات المعالجة. وهذه المواصفات ستقود استراتيجيتنا البحثية كرافعة لدعم طموحات المملكة.

كما ذُكر أعلاه، فإن تكامل سلسلة القيمة -صعودًا نحو المواد الأولية لإنقاص مساهمتها في تكلفة الملكية (COO)، وهبوطًا نحو تكامل النظام- يُعد خطوة حاسمة لضمان أن تقنيات الفولتية الضوئية يمكنها أن تعطي بكفاءة الطاقة المتوقع إنتاجها.

في الوقت نفسه، فإن التقنيات الناشئة التي يمكن أن تشكّل المستقبل -والتي يمكن أيضًا أن تكون مستمدة من مختلف المجالات، كأشباه الموصلات والإلكترونيات الدقيقة وتقنيات السيراميك المتقدمة، أو حتى علم الأحياء– يجب إدماجها ضمن خارطة طريق بحوثنا؛ لكي نتوقع -وربما نحفّز- اكتشافات محتملة يمكنها إحداث تغيير هائل في لعبة مجالات الطاقة. ومن الأمثلة على ذلك الخلايا العضوية وتلك المعتمدة على البيروفسكايت، بالإضافة إلى الجمع بينهما في بنى متقدمة هندسيًّا مع الخلايا الموجودة.

في ضوء هذا المجال سريع التطور –والذي أسهمت فيه عدة جوانب من المجالات العلمية متعددة التخصصات، التي تجمع بين الخبرات التقنية والاقتصادية والجيوسياسية– فإن هدفنا كمركز هو مزاوجة جهود بحوث المواد في التقنيات الناشئة للطاقة الشمسية وهندسة نظم التقنيات الراسخة؛ من أجل الإسهام في التطوير المستدام لمزيج الطاقة المستقبلي الذي تحتاجه المملكة.
جان لوك بريدَس ومارك فيرميرش
مجلة نيتشر الشرق الأوسط
جان لوك بريدس هو رئيس مركز أبحاث هندسة الطاقة الشمسية والخلايا الضوئية (SPERC) في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST)، ومارك فيرمرش هو مديره الإداري.

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا