كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن مصطلحات متعددة في مجال مصادر الطاقة. هناك حديثا عن الطاقة المتجددة و الطاقة البديلة وأحياناً أخرى عن الطاقة الخضراء والطاقة الجديدة والطاقة المستدامة.

فما حقيقة هذه التعريفات ؟ وما هي هذه المصادر؟ وما هو سر الاهتمام المتزايد في الحديث عن هذه المصادر في السنوات الأخيرة.

للإجابة على هذه التساؤلات لنبدأ بتعريف الطاقة التقليدية وهي الطاقة المأخوذة من الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط أو الغاز. أما الطاقة المتجددة فتعرف على أنها الطاقة المستمدة من المصادر المتجددة التي لا تنضب وتتجدد يوما بعد يوم وبالتالي يجب أن تكون هذه المصادر مستمدة من الموارد الطبيعية ومن هذا المنطلق فهي طاقة مستدامة. تشمل هذه المصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة المحيط وطاقة المد والجزر وطاقة باطن الأرض والطاقة المأخوذة من المخلفات النباتية والغاز الحيوي وطاقة المياه.

أما الطاقة الجديدة )أو البديلة( فتشمل جميع المصادر التي تستعمل بدلاً من مصادر الطاقة الأحفورية أو تنتج وقودا شبيها بالوقود الناتج عن الطاقة الأحفورية، إذا فان مصادر الطاقة الجديدة تشمل مصادر الطاقة المتجددة بالإضافة للطاقة النووية وبالتالي لا يمكن اعتبار الطاقة النووية هي مصدراً للطاقة المتجددة.

أما الطاقة الخضراء فيقصد بها جميع مصادر الطاقة التي لا ينتج عنها مخلفات أو غازات تعمل على زيادة الانحباس الحراري مثل غاز ثاني أكسيد الكربون أو غازات ضارة مثل أكسيدات النيتروجين فهي بالتالي تشمل جزءاً من مصادر الطاقة المتجددة وليس كلها فمثلاً الغاز الحيوي أو الطاقة الناتجة عن طريق المخلفات الزراعية لا تندرج تحت هذه المصادر.

أما سبب الاهتمام العالمي بمصادر الطاقة البديلة يعود بالأساس إلى ازدياد قناعة اللاعبين الأساسين في هذا المجال من اقتصاديين وسياسيين بأن الحاجة إلى مصادر مختلفة عن المصادر التقليدية أصبحت أكثر وضوحاً من ذي قبل. بمعنى أن القناعة بالحاجة لمصادر جديدة للطاقة قد ازدادت ليس فقط من منطلق أن بدأت بالنضوب بل أيضاً لو بقيت مصادر الطاقة التقليدية على مستوياتها الحالية فهي لا تكفي لسد احتياجات البشرية خلال الخمسين أو المائة عاماً القادمة.

يعتبر الكثيرون أن عام 1987 ميلادي هو عام الدخول في حقبة زمنية جديدة حيث أصبح عدد سكان العالم حوالي 5 مليارات نسمة كما هو موضح في الرسم أدناه ) 1(. فالخمسة مليارات نسمة تمثل القدرة الاستيعابية للأرض من منظور الطاقة وبما أن عدد سكان العالم بازدياد مستمر ومطرد فان عدد سكان العالم سيفوق القدرة الاستيعابية للكرة الأرضية وبالتالي فإن عدد السنوات المتوقعة لقدرة لمصادر الطاقة التقليدية )الاحفورية( على سد احتياجات البشرية سوف يقل.

وبناءاً على ذلك يمكن وبعملية حسابية بسيطة آخذين بعين الاعتبار عام 1987 م كنقطة مرجعية وزيادة النمو السكاني للعالم والذي يقدر أن يصل إلى ) 9 مليار نسمة( بحلول عام 2054 م فإن الطاقة المتوفرة آنذاك تكفى فقط لثلاثة مليارات نسمة. وهذا يعني ببساطة أن حوالي ثلثي سكان العالم سيصبحون بدون مصدر للطاقة الذي هو أساس للحياة.

هذا التحليل البسيط والذي قد يحتمل في تقديراته إلى خطأ حسابياً قد لا تزيد )أو تنقص( المدة المقدرة لكفاية مصادر الطاقة النفطية عن خمسة أو عشرة سنوات لكن الثابت أن هذه المصادر لو لم تنضب فهي لن تكفي لسد احتياجات البشرية وبالتالي يجب البحث عن مصادر أخرى للطاقة.

وعلى ذلك يجب أن تأخذ الدول التي تحتوي على مصادر تقليدية للطاقة )الدول النفطية( خطوات جدية بهذا الشأن قبل تلك الدول التي لا تحتوي على هذه المصادر. فإن وصل العالم في سنة 2054 م إلى السيناريو الذي طرح أعلاه فسيكون هذا الوضع مصدراً رئيسا لعدم الاستقرار وسببا لاستقطاب الحروب للمنطقة. وفي تلك الحقبة سوف يسود منطق القوة لا قوة المنطق لأن القضية ستكون قضية حياة أو موت. لذلك لا يجب أن تنئ أية منطقة أو أية دولة بنفسها عن البدء بالتفاعل مع المشكلة العالمية للطاقة لأنها تمس أمن البشرية جمعاء.

السؤال التالي : ما هو الحل؟ الإجابة: يجب الوصول إلى نقطة التوازن بين عدد سكان العالم و الطاقة المتوفرة. ولكن كيف وما هي الطريق؟ الحسابات الرياضية تقول الحل يكون في إما البحث عن مصادر أخرى للطاقة أو تقليل سكان العالم ) ثلاثة مليارات في عام 2054  !! )

لا أريد هنا التحدث أو التفكير في السيناريو الثاني . أما السيناريو الأول يتطلب الإجابة على التساؤل التالي وهو كيف يمكن أن يوفر العالم مصدراً للطاقة يكفى لتسعة مليارات نسمة في عام 2054 م ؟”. هناك خطوتين متلازمتين يجب إتباعهما لحل هذه المشكلة:

الخطوة الأولى تتمثل في استغلال الطاقة المتوفرة حالياً بطريقة عقلانية وطريقة سليمة وعدم هدر أية جزء منها وذلك من خلال إتباع سياسات ترشيد الاستهلاك واستخدام الأجهزة التي تستهلك الطاقة بكفاءة عالية. إن هذه الخطوة سوف تزيد من عمر الطاقة التقليدية ولن تحل المشكلة بشكل كامل ولكنها بالتأكيد ستؤدي إلى تقليل كمية النقص في الطاقة )الطاقة الجديدة التي تحتاجها البشرية( وإطالة عمر الطاقة التقليدية المتوفرة.

أما الخطوة الثانية فهي البحث عن مصادر جديدة للطاقة واستغلال جميع مصادر الطاقة البديلة المتوفرة حالياً استغلالاً أمثلاً. ولكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن المصادر البديلة يجب أن تكون مستدامة وان لا تؤثر سلبيا على المناخ لأننا لا نريد أن نوفر طاقة للأجيال القادمة مع ” موروث بيئي قاتل”. بيئة مليئة بالغازات الضارة أو المخلفات النووية التي قد تؤثر على الإنسان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ) التنوع الحيوي( مثلاً.

ولكن كيف نبدأ؟ تعتبرا لشمس المصدر الرئيس لمعظم مصادر الطاقة المتجددة والمعروفة حاليا. فعلى سبيل المثال المحرك الرئيس للرياح هو اختلاف درجات حرارة الأرض الناتج عن حرارة الشمس وكذلك الحال بالنسبة للنباتات فإنتاج غذائها لا يتم إلا من خلال وجود أشعة الشمس. أما الطاقة الشمسية والتي يقصد بها هنا الطاقة التي تصل إلينا مباشرة من أشعة الشمس فتعتبر أهم مصادر الطاقة المتجددة ولكن هل يسقط على الأرض ما يكفى من الطاقة الشمسية لسد احتياجات العالم؟ تعتبر المنطقة العربية وخصوصاً الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أهم مناطق في العالم التي يتوفر فيها هذا المصدر. ويمكننا القول بأن كمية الشعاع 500 كم في الصحراء x الشمسي الساقط على مسافة 500 كم العربية تكفى لسد احتياجات العالم عام 2050 م. ولكن ما هي العوائق التي تمنع استغلال هذه الطاقة؟ هناك عوائق تكنولوجية و عوائق اقتصادية. أما العوائق التكنولوجية فتتمثل في نقطتين. الأولى: مازالت كفاءة تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية متدنية نسبيا فهي في أحسن أحوالها لا تتعدى % 30 . لذلك هناك أبحاث تقوم بالأساس على دراسة كيفية رفع هذه الكفاءة وهناك مؤشرات وتطورات تكنولوجية جيدة وعديدة في هذا المجال. منها أن كفاءة الخلايا الكهروضوئية وصلت حاليا إلى ما يقارب % 24 علما بأنها كانت في السبعينات من القرن الماضي لا تتعدى % 6. أما العائق الثاني فمرجعه إلى عدم توفر هذه الطاقة )منها الشمسية والرياح( على مدار اليوم أو على مدار العام علما بأننا نحتاج إلى استعمال الطاقة على مدار الساعة ولتحقيق ذلك لابد من تخزين الطاقة. ويتم حاليا تخزن الطاقة إما على شكل طاقة حرارية أو طاقة كهربائية أو مائية. وفي جميع الحالات مازال البحث جار على الطريقة المثلى والأقل تكلفة.

ما العائق الثاني أمام هذه التكنولوجيا هو ارتفاع كلفتها فعلى سبيل المثال تكلفة إنتاج ال كيلوواط – ساعة من الكهرباء من الطاقة الشمسية عن طريق المركزات الشمسية تصل إلى ) 25 سنتاً( أما تكلفة إنتاجه من المحطات التقليدية قد لا يتجاوز ) 6 سنتات( وهنا أقول يجب أن لا يكون هذا عائقاً أمام استغلال هذه المصادر، لأن البشرية قد تصل إلى نقطة يكون عندها ثمن عدم إنتاج الطاقة أهم بكثير من تكلفة إنتاجها. بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن تنخفض تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية تدريجياً كلما ازداد انتشار مثل هذه التكنولوجيا. هذا ويمكن القول بان احد أسباب ارتفاع التكلفة وخصوصا في الطاقة الشمسية يعود إلى ارتفاع ثمن الأرض التي يحتاجها المشروع. فعلى سبيل المثال لتوليد كهرباء من محطة خلايا شمسية بقدرة ) 100 ميغاواط( تحتاج إلى مساحة 1500 دونم من الأرض ) 1 دونم يساوي 1000 متر مربع ( علماً بأن المحطة التقليدية تحتاج مساحة أقل من عشر هذه المساحة. أما هذه المشكلة فالحمد لله لدينا في المنطقة العربية من المساحات في الصحراء ما يكفي لتزويد البشرية من الطاقة لآلاف السنوات القادمة.

انهي مقالي هذا بالقول بان الله سبحانه وتعالى وهب المنطقة العربية )الشرق الأوسط وشمال إفريقيا( هذا الدور في حياة البشرية من خلال النفط والطاقة الشمسية وعلى أبناء هذه المنطقة أن يقرروا بان يكونوا لاعبين أم متفرجين. أقول هذا لان عملية استغلال هذه المصادر قد بدأت لان امن البشرية يعتمد عليها والعالم لا ينتظر في هكذا قضايا. وحتى نكون لاعبين أساسيين يجب علينا دعم وإنشاء المؤسسات البحثية والصناعية المتخصصة في هذا المجال وكذلك تطوير وتشجيع القطاع الخاص وبناء القدرات في المنطقة العربية وهذا كله لا يتم إلا من خلال خطة إستراتيجية عربية موحدة واليات عمل محددة وواضحة المعالم وبرامج زمنية محددة.

 الأستاذ الدكتور سهيل كيوان
مدير مركز الطاقة
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
اربد _ الأردن
المصدر: مركز البيئة للمدن العربية

تعليق واحد

  1. موضوع قيم , وفي رأيي انه يجب ان توجه انظار الشباب لهذا الموضوع بخاصة المهتمين منهم بالبيئة وتجميع قواهم في مراكز بحثية وتوفير سبل الدعم المادي والعلمي . ويوفق الله الجميع

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا