هناك 22,413 نوعًا من الكائنات المهدَّدة بالانقراض، حسب ما ذكره “الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة” IUCN. وإذا حاول أي إنسان طموح قراءة أسماء تلك الكائنات، دون أن يتمهل لتناول الطعام أو الشراب؛ لاستغرقه الأمر نصف يوم كامل. هذه مجرد بداية فحسب.. فقد قَدَّرَ “الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة” وضع 76,199 نوعًا من إجمالي أنواع الحيوانات والنباتات والفطريات ووحيدات الخلية البالغ 1.7 مليون نوع على الأرض، التي وصفها العلماء حتى الآن. ويشير البعض إلى أن خمسة أضعاف هذا العدد من الأنواع على الأقل لم يُكتشف بعد. وكثير منها أيضًا مهدَّد، وسوف يستغرق الأمر شهورًا لسرد أسمائها كلها. (والمشكلة أنه ليس لها أسماء بعد بطبيعة الحال.)

ما زالت هناك فجوات عظيمة في معرفتنا بالتنوع البيولوجي لكوكبنا، ووضع الحياة المتداعي عليها. ففي كل يوم تنقرض حيوانات ونباتات. وما من أحد يعرف تحديدًا عددها، لكن التقديرات تتراوح ما بين 500 و36 ألف نوعًا ينقرض سنويًا. وثمة خبر بصفحة 158 ـ من عدد 11 ديسمبر من الطبعة الدولية ـ يؤلف ما بين بعض أفضل الدراسات التي تتناول موضوع التنوع الحيوي، ويحاول أن يجعل مثل هذه الأرقام الضخمة مفهومة للعامة.

قبل أن تتضخم المجتمعات البشرية، لدرجة أنه صار بإمكاننا تعرية غابات بأكملها، ومحو مجتمعات كاملة من الحيوانات، كانت معدلات الانقراض أقل عشر مرات على الأقل. ولا يبدو المستقبل أكثر إشراقًا.. فالتغير المناخي، وتوسُّع الأنواع الدخيلة (بتيسير من البشر أنفسهم) سوف يزيدان من معدلات الانقراض.

إن معدل الانقراض سوف يفضي بنا إلى كارثة. فإذا انقرضت الأنواع المهدَّدة بالانقراض كلها في غضون قرون قليلة، وظل هذا المعدل على ما هو عليه؛ فسرعان ما ستصل الأنواع المنقرضة إلى مستوى من الانقراض الجماعي، وهي الكارثة البيولوجية التي قضت على سيطرة الديناصورات على الأرض، ووقعت خمس مرات فقط في تاريخ الأرض. ومن الممكن أن يحدث الانقراض الجماعي القادم في غضون قرنَيْن من الزمان، أو أَلْفِيّات قليلة، لكنه يلوح في فترة ما في الأفق لو أصرّت المجتمعات البشرية على سلوك المسار نفسه الذي تسلكه حاليًّا.

مع ذلك.. فهناك بعض المؤشرات المشجعة.. فثمة دول تعكف سريعًا على توسعة المناطق التي تحميها من الأنشطة البشرية التدميرية. وقد أعلن “برنامج الأمم المتحدة للبيئة” UNEP في نوفمبر من عام 2014 أن الدول خصصت 6.1 مليون كم2 من محميات المحيطات والمحميات البرية منذ عام 2010، مما زاد من إجمالي المناطق المحمية بنسبة %15.4 من البر، و%3.4 من البحر. وحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن الدول تسير في مسارها الصحيح، بحيث تفي في عام 2020 بالهدف الذي أقرّه مؤتمر التنوع البيولوجي ويقضي بحماية %17 من الأراضي، ولو أن الوصول إلى غاية حماية %10 من المناطق الساحلية والبحرية سيتطلب المزيد من الجهود. ويضارع إجمالي المناطق المحمية حاليًّا حجم قارة أفريقيا.

هذه الجهود ليست كافية.. فهناك محميات كثيرة ما هي إلا محميات على الورق فقط، حيث ما برح الصيد الجائر وتدمير الموائل مستمرّين على وتيرتهما السابقة، بسبب التهاون في تطبيق القانون. وغالبية المحميات التي أقيمت حتى الآن لا تكفل الحماية لأغلب المناطق الحيوية (وأعني المناطق الحافلة بالأنواع والموائل المهددة بالانقراض). إضافة إلى ذلك.. فالشعوب تستثمر أيضًا أقل بكثير مما استثمرت منذ 15 عامًا في جهود حماية الأنواع، بعد التعديلات التي أجريت للتعايش مع التضخم.

في ظل هذا المناخ المحفوف بالشكوك حول التنوع البيولوجي، ماذا ينبغي على العالَم أن يفعل؟ يُقَدِّر “برنامج الأمم المتحدة للبيئة” أن الأمر يقتضي إنفاق 76 مليار دولار سنويًّا لإقامة وإدارة مجموعة من المحميّات الموسعة لحماية الموائل الحيوية لجميع كائنات الحياة البرية. هذا الرقم غير مؤكَّد أيضًا، شأنه شأن عدد الأنواع الموجودة على كوكب الأرض، لكن اعتبِره رقمًا في لعبة من ألعاب الفيديو الناجحة التي يمكن أن تباع منها نُسَخ بقيمة 500 مليون دولار في يوم واحد. وحسب “برنامج الأمم المتحدة للبيئة”، فإن المنافع الاقتصادية للمناطق المحمية تفوق بمراحل نفقاتها التي يمكن تأمينها عبر مزيج من المصادر التقليدية وآليات التمويل المبتكرة، كالضرائب البيئية، ورسوم الخدمات التي تقدمها الأنظمة البيئية.

وكجزء من جهود الحماية، يجب على الشعوب أيضًا تخصيص المزيد من الموارد لدعم الحياة. وقد وضع “الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة” هدفًا لعام 2020، يقضي بتقييم 160 ألف نوع، أي تقريبًا ضعف الرقم الحالي، الأمر الذي قدّرت تكلفته بـ60 مليون دولار، وأقرّت بأنه يغطي تمثيلًا لا بأس به لأغلب الجماعات والأنظمة البيئية التصنيفية الأساسية. إن العَدّ والتقييم ليسا بالمهمة العلمية الأكثر إثارة، لكنهما من أكثر المهام التي يستطيع البشر القيام بها حيثيةً وأهمية، إذ إنها تُعْنَى بقياس الحياة، وحماية ما تبقى منها، قبل أن تختفي تمامًا.

 

افتتاحية مجلة نيتشر العربية 

عدد فبراير 2015

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا