إننا نعيش على كوكب زاخر بالأوبئة والكوارث الخطيرة التي تقتل يوميا آلاف الناس في كل مناطق العالم. وفي الحقيقة إن هذه الأوبئة والكوارث لم تدفع بعدُ حكومات الدول والبلدان في العالم، سواء كانت هذه الدول من العالم المتقدم أو كانت من العالم المتخلف أو النامي إلى تبني استراتيجية تحد من خطورتها ومن نتائجها المدمرة للبشر والطبيعة. وقد أصبح لهذه الكوارث مؤخرا مناعة تقيها من ردود فعل البشر الذين عجزوا عن معالجة مسبباتها العديدة التي كانت من إبداعه والتي ساهم في ظهورها.

ولكي نمنع الكوارث من حصولها يجب التفكير في معالجة أسباب حدوثها. هذه الأسباب التي تكون غالبا بشرية تساهم بقوة في حدوث الكوارث والمصائب في عالم اليوم لتحصد معها البشر جملة وتفصيلا. وكل صيحات الاحتجاج العالمية التي يطلقها بعض الغيورين على البيئة العالمية وعلى كوكبنا العجيب لا يعيرها مسؤولو الحكومات في العالم الصناعي أي اهتمام، بل تزيدهم إصرارا على تجاهلها وعلى المساهمة في تدمير البشرية والإنسانية. إنه قانون الغاب بالفعل.

لم يحدث أن استولت الكوارث والأوبئة والأمراض الخطيرة الناتجة عن أفعال البشر كامل اهتمام منظمات الأمم المتحدة والمنظمات المستقلة بطريقة تفيد أنها قادرة على فرض تغيير واقعي على ما يقع في العديد من البلدان المساهمة في تدمير البيئة وخلق المزيد من الأوبئة فوق كوكبنا الأرضي. بل كانت هذه المنظمات قريبة إلى سلوك منطق المهادنة مع دول صناعية تساهم مساهمة مباشرة في انتشار لإشعاع الحراري وغيره من الإشعاعات الأخرى التي تؤثر على الغلاف الجوي للكرة الأرضية، ولا تستطيع في نفس الوقت أن تفرض عليها قرارات تمنعها من الاستمرار في هذه الأفعال التدميرية. وكل همِ هذه المنظمات الدولية هو التنديد وكتابة التقارير التي تبقى حبرا على الورق ولا يتم تفعيل أي قرار ملزم لدولة صناعية كبرى من الحد من سلوكاتها الصناعية المدمرة للبيئة والناس.

وإذا ما نظرنا إلى الواقع المؤلم الذي نعيشه اليوم نجد أن العولمة بكل تجلياتها التي ساهمت في خلق تنافسية صناعية لم تضع في نصب أعينها كل التحذيرات التي قادت إلى تدمير البيئة وخلق أوبئة وأمراض انتشرت بين البشر كانتشار النار في الهشيم، فأصبح للعولمة جانبها السلبي المدمر، وأصبحت قادرة على إنتاج أمام منظمات منتشرة في العالم تؤمن بالسلام وببيئة صحية وسليمة لمواجهة كل السلوكيات المدمرة التي تقدم عليها العديد من الحكومات في العالم الصناعي الذي لا يؤمن إلا بالإنتاج والمردودية بطريقة عمياء لا تعير اهتماما لتحذيرات العلماء والمهتمين.

إن النمو الهائل الذي أصبح باديا على العديد من الدول التي تصنف على أنها دول صناعية كبرى، بل وتضافر التصنيع فيها وثورة الإنتاج غير المبني على محاذير بيئة ساهم في تدمير المناخ العالمي وزاد من انتشار الإشعاعات الحرارية وبالتالي التأثير على الغلاف الجوي لكوكبنا الأرضي. ولعل البحث عن تحقيق الإنتاج بوفرة ومنافسة القوى الأخرى جعل البعض من الدول تتراجع عن التزاماتها وعن توقيعها للعديد من المواثيق والعهود التي تمنع تدمير البيئة، وتتنصل كذلك من كل التزاماتها المادية والمعنوية تجاه منظمات تناهض هذا التدمير الممنهج.

وتوضح الوقائع والأحداث الناتجة عن فعل الإنسان أن هناك احتمالا كبيرا لزيادة نسبة التدمير للبيئة والطبيعة والأرض، وبالتالي القضاء على الوجود البشري سواء عن طريق الكوارث أو عن طريق أمراض وأوبئة تؤدي إلى اختلال التوازن الطبيعي والبشري على كوكبنا المسكين الذي أصبح لا حول له ولا قوة أمام إصرار بشري على تدميره وإضعاف مناعته ضد الكوارث والأمراض والأوبئة المختلفة. بل سيكون من الصعب مستقبلا التحكم في نزيف التدمير والتخريب الذي تنتجه هذه الكوارث والأوبئة بحكم فشل الحكومات في العالم عن مواجهة هذه المخاطر التي أصبحت تتعدى قوة البشر وذكائهم في مواجهتها وتتحدى كل الاكتشافات العلمية للحد منها .

ومن المفترض على الإنسان اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يبحث عن مخرج للخروج من هذه الأزمة الكونية المتمثلة في تدمير الإنسان والطبيعة وإنتاج الأوبئة والكوارث المختلفة والمخربة للكوكب والكون كله. فالنموذج الأمثل الذي يجب على العالم التوحد حوله هو خلق تكتل عالمي للبحث عن طريقة مثلى لإيجاد الحلول ورفع مستوى النحدي ضد كوارث وأوبئة بدأت تحصد الملايين من الأرواح وتدمر الملايين من الهكتارات من الأراضي الزراعية التي تعتبر الموئل الكبير للناس فوق كوكبنا الأرضي. على أن كل الأبحاث لن تجد لها كبير أثر إذا لم تكن محط اهتمام كل العالم واهتمام كل الناس بكل توجهاتهم وعرقياتهم وجنسياتهم بحكم أنهم يشتركون نفس الكوكب .

إن أهمية الإنسان في تحقيق التوازن الطبيعي فوق كوكبنا الأرضي يقودنا سريعا إلى الوصول إلى نتائج مهمة وقادرة على الخروج بالبشرية من هذا النزيف الطبيعي والبشري. وبالتالي فالإنسان هو المخول أولا للبحث عن حلول ناجعة لإيقاف هذا التدمير الخطير، بل هو القادر على فك رموز أحداث كارثية ساهم بنفسه في خلقها وإنتاجها .

عزيز العرباوي

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا