منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا أدى استغلال بعض المواد والعناصر لأغراض نووية، سواء في المجالات السلمية أو العسكرية، إلى تراكم كميات كبيرة من النفايات النووية الخطرة التي تشكل تهديدا لحياة الإنسان واستقراره ولكل عناصر البيئة.

ويعد استغلال المواد المشعة في المفاعلات النووية من الاستخدامات الهامة لها، حيث يعتمد عليها كثير من دول العالم لإنتاج الطاقة الكهربائية، كما تستغل تلك المفاعلات لإنتاج عناصر ومواد ذات نشاط إشعاعي لاستخدامها في عدد من المجالات البحثية والصناعية والطبية وغيرها.

إلا أن استغلال المواد النووية في المجالات السابقة تنجم عنه مخلفات تعرف بالعوادم النووية أو النفايات النووية، والتي تعرف بأنها كل مادة نووية مشعة تبقى بعد أداء الغرض الذي وجدت من أجله، أو تلك المواد التي انتهت صلاحيتها المحددة لاستعمالها.

ويلجأ المتخصصون في هذا النوع من النفايات إلى إضافة المواد والأدوات التي استعملت للأغراض النووية مباشرة.

وتعرف المواد المشعة بأنها كل مادة كيميائية موجودة في الطبيعة أو تم اصطناعها ينبعث منها إشعاع يختلف مقداره من مادة لأخرى، وهذه العناصر المشعة تفقد مقدرتها على الإشعاع مع الزمن حيث تتحول إلى عناصر أخرى غير مشعة.

نصف العمر
والفترة الزمنية التي يفقد فيها عنصر مشع نصف نشاطه الإشعاعي يطلق عليها “نصف العمر”، وهذه الفترة تتراوح بين أجزاء من الثانية وملايين السنوات، حسب نوع العنصر المشع.

فعنصر البلوتونيوم يبلغ عمر النصف له 24 ألف سنة، وعنصر الراديوم 1600 سنة، وعنصر السيزيوم 30 سنة، وعنصر السترونيوم 28 سنة، وعنصر البزموث 20 دقيقة، ويقاس النشاط الإشعاعي للعناصر بوحدة كوري أو بكريل.

وتقسم المواد المشعة حسب نشاطها الإشعاعي إلى مواد ذات نشاط إشعاعي منخفض طويلة العمر كالبلوتونيوم – 239، ولا يؤدي تعرض الإنسان وبقية الكائنات الحية الأخرى لها إلى أضرار فورية، إلا أن تأثيرها الإشعاعي يظهر على المدى الزمني البعيد نسبيا، ومواد أخرى ذات نشاط إشعاعي مرتفع قصيرة العمر كالسترونيوم – 90، ويؤدي التعرض لها إلى إلحاق أضرار بليغة بالخلايا الحية.

إن النفايات المشعة التي تنجم عن النشاطات النووية تكون في العادة خطرة، سواء كان مصدرها عسكريا أو مدنيا، كالنفايات الناجمة عن استعمال المواد المشعة لأغراض طبية تشخيصية أو علاجية، أو النفايات المشعة الناجمة عن مراكز الأبحاث، أو عن المفاعلات النووية بعد استنفاد الوقود النووي، وغيرها من المصادر، مما يحتم على الدول والمؤسسات المعنية، اتخاذ تدابير وقائية صارمة.

ويؤدي التعرض للإشعاع الصادر من العناصر المشعة ونفاياتها إلى إلحاق أضرار بليغة بالإنسان والكائنات الحية الأخرى.

ومن بين تلك الأضرار الإصابة بفقر الدم وتثبيط عمل الجهاز المناعي في الجسم والإصابة بمرض السرطان والعقم وحدوث تحورات في الجينات الوراثية وتشوهات خلقية للأجنة.

ويعتمد التخلص من النفايات النووية على نوع تلك النفايات والإشعاع الصادر عنها، فالنفايات النووية خفيفة الإشعاع كتلك المستخدمة في المراكز الطبية والمختبرات العلمية تكون قليلة الضرر بسبب انتهاء نشاطها الإشعاعي، ويتم التخلص منها بدفنها في مواقع خاصة.

أما النفايات النووية متوسطة النشاط الإشعاعي وقطع المفاعلات النووية كأنابيب تبريد تلك المفاعلات والتي تعرضت لإشعاعات عالية، فيتطلب التعامل معها اتخاذ تدابير وقائية خاصة لحماية المتعاملين معها، كارتداء ملابس خاصة وأقنعة واقية، وتدفن في العادة تلك النفايات بعد تغطيتها بطبقة سميكة من الإسمنت المسلح لمنع تسرب الأشعة منها.

وقد اعتمدت عدة طرق للتخلص من النفايات النووية ذات المستوى الإشعاعي المنخفض والمتوسط، ومنها خلط تلك النفايات مع الإسمنت وتحويلها إلى كتلة صلبة، ثم توضع في أسطوانات حديدية مقاومة للصدأ والتآكل وتتحمل الضغط والحرارة ومطلية بالخزف المانع لتسرب الماء.

وتخزن تلك الأسطوانات في المحيطات على عمق يتجاوز أربعة كيلومترات بعيدة عن الشواطئ مسافة لا تقل عن مائة كيلومتر، وقد اتبعت هذه الطريقة منذ العام 1949، حيث ألقي أكثر من 6000 أسطوانة حديدية تحتوي على نفايات نووية في عدة محيطات من العالم.

البيئة
ويبين المتخصصون في هذا المجال أن تحلل مثل تلك الأسطوانات يتطلب فترة زمنية طويلة، وفي حال تحررت المواد المشعة، فإنها سوف تختلط مع مياه المحيطات ويختفي تأثيرها إلى حدود مستوى الإشعاع الطبيعي.

إلا أن هذه الطرق المتبعة انتقدها بعض العلماء والباحثين والمدافعين عن البيئة، خصوصا أن كائنات حية بحرية يمكن أن تكون قريبة من تلك النفايات، فتعالت الأصوات المحذرة من خطورة الاستمرار في إلقاء مثل تلك النفايات في المياه خصوصا تبعات ذلك على الأجيال القادمة.

أما النفايات النووية ذات المستوى الإشعاعي المرتفع فيتطلب التخلص منها اتخاذ إجراءات صارمة وعمليات معالجة دقيقة، تهدف إلى استخلاص ما يمكن من الوقود النووي وتخصيبه لإعادة استخدامه، والباقي يخلط مع الإسمنت ويوضع في أسطوانات حديدية ويدفن في باطن الأرض على أعماق سحيقة أو في مناجم مهجورة وبعيدة عن المياه الجوفية بعد إحاطتها بطبقة من أكسيد المغنيسيوم الذي يعمل على منع تآكل أسطوانات الحديد الحاوية على المخلفات النووية.

ويلجأ الخبراء أيضا أحيانا إلى استبدال طبقة أكسيد المغنيسيوم بخليط من البازلت والجرانيت والطمي، ورغم فعالية هذه الطريقة في التخلص من النفايات النووية،  يخشى من تعرض منطقة الدفن النووية إلى الزلازل والبراكين التي قد تؤدي إلى دفع تلك النفايات الخطرة إلى سطح الأرض وحدوث تلوث إشعاعي في تلك المناطق.

يذكر أن فرنسا، الرائدة في مجال استغلال الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء، طورت طريقة مبتكرة للتخلص من النفايات النووية عالية الإشعاع، حيث تخلط تلك النفايات مع الزجاج ومعالجة الخليط للحصول على كتلة صلبة زجاجية لا تسرب الإشعاعات الضارة، وتعرف هذه الطريقة بتزجيج المخلفات النووية، والهدف منها الحصول على كتل صلبة بوزن 20 كيلوغراما لا تسرب الإشعاعات الضارة ومقاومة لعوامل التعرية، وتوضع تلك الكتل في حاويات معدنية لتدفن في قاع المحيط.

كذلك يمكن التخلص من النفايات النووية عالية الإشعاع، بتعريضها لضغط مرتفع جدا، لتحويلها إلى كتلة عالية الصلابة تحاط بأسطوانات من الإسمنت ثم توضع في أسطوانات حديدية لتدفن في حفر عميقة في مناطق خاصة مستقرة جيولوجيا.

 

أمجد قاسم
الجزيرة

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا