هناك تحليل للتكاليف والمنافع أطلقت على إثره شركة “هيرمان ميلر” آلاف من النحل في مكاتبها، فما هو السبب وراء ذلك؟

في سنة 1996، أكملت شركة “هيرمان ميلر إنك” لتصنيع الأثاث المكتبي إنشاء مصنعها الذي يحمل اسم “غرينهاوس”، والذي يتكون من مركز للتصنيع، ومكاتب، ومعارض مصممة لتكون من بين المباني الأكثر صداقةً للبيئة في العالم.

ربما تفضي الجهود المبذولة في مجال إعادة تدوير المخلفات إلى تقليل النفايات التي تُطمر في محطات جمع النفايات بشكل نهائي، وقد يغنينا حينئذ الضوء الطبيعي عن الحاجة لمصابيح الفلورسنت، وستعمل النباتات على تنقية الهواء تنقية طبيعية.

كان كل شيء يسير على ما يرام حتى ربيع سنة 2000، ويسترجع مايكل راميريز، النائب الأول للرئيس لشؤون الأفراد، والأماكن، والإدارة لدى هيرمان ميلر قائلا: “بطريقة ما، انتهى بنا المطاف إلى مشكلة انتشار حشرات الدبور انتشارًا كبيرًا”، وأضاف: “وجدنا ما يقرب من 80 ألف دبور”.

كانت شركة هيرمان ميلر تخطط لاستدعاء خبراء في القضاء على الحشرات، لحماية موظفيها من لدغ الدبابير أثناء توجههم إلى مكاتبهم، لولا أن عبّر أحد مديري الصيانة عن رأيه بجرأة. فقد كان يرى أن الخطة لا تتماشى مع مبادئ الشركة التي تدعو إلى الاستدامة البيئية. وقال راميريز: “لقد رفع (مدير الصيانة) يده وقال ‘لا، هذا يتنافى مع المبادئ التي نمثلها'”.

وبعد البحث، تبين لمدير الصيانة أن العدو الطبيعي لتلك الحشرات هو النحل. وعندئذ، استعانت شركة هيرمان ميلر بعدد من مربي النحل، وبدأت 600 ألف نحلة تزاول أعمالها.

وقال راميرز: “تنتشر لدينا في هيرمان ميلر ثقافة رواية القصص، وتعد قصة النحل التي بين أيدينا إحدى القصص التي نحكيها لموظفينا. فنحن نريد أن يتولى موظفونا زمام المسؤولية البيئية، وأن يحددوا طبيعة هذه المسؤولية”.

الأداء الجيد ليس كل شيء، فيستطيع المديرون أن يؤثروا في سياسة الشركة بأساليب تسهم في إنقاذ البيئة، وتحسّن صافي الأرباح، وتساعد في توعية الناس بما تبذله الشركة من جهود في هذه العملية.

ويقول سي بي باتاتشاريا، أستاذ ورئيس شؤون الاستدامة بالمدرسة الأوروبية للإدارة والتكنلوجيا في برلين: “على الرغم من أن هذه المسألة فردية، إلا أنها أيضًا تمثل إحدى المشكلات الكبيرة التي تواجهها الشركات”. ويضيف: “فربما يؤثر المديرون الذين يشغلون مناصب إدارية منخفضة نسبيًا تأثيرًا كبيرًا على البيئة”.

الأرباح في مقابل السياسات

ربما يكون الهاجس الأكبر الذي يعتري المدير التنفيذي عند اقتراح تغييرات ما، هو كيف سينظر إليه الناس. ففي بداية الأمر، قد يبدو كمدير يتخذ موقفًا سياسيًا مثيرًا للجدل، أو لا يحظى بشعبية، ولكن، حسبما يقول باتاتشاريا، فإن ثمة طريقة بسيطة للغاية للتخلص من هذا الهاجس.

وتابع: “يمكن للمديرين، دون أن يتخذوا موقفًا سياسيًا، أن يعدوا تحليل التكاليف والمنافع لتوضيح أن التغييرات التي تؤثر على البيئة تأثيرًا إيجابيًا ستتجاوز ما سنتكبده من تكاليف”.

وقال مات سيجنيري، مدير مبادرة المشاريع الاجتماعية بكلية هارفارد للأعمال، إن الخطوة الأولى التي يجب أن تخطوها عند إثارة فكرة ما في مجال النهوض بالبيئة هي أن تعرض على الرؤساء أحد الحلول بدلًا من عرض شكاوى من أساليب إدارة الأمور في الوقت الحالي.

يمكنك أن توضح مدى اتساق الأفكار الجديدة مع رسالة الشركة وأهدافها، فضلًا عن أنها ستدر أرباحًا. ويقول سجنيري: “مبدئيًا، يعد العامل الأساسي في هذا الأمر هو الابتكار، والتطلع إلى مجالات جديدة سيكون لها نتائج إيجابية على صافي الأرباح”.

أما بخصوص النحل، فقد كان تحليل التكلفة والمنفعة بسيطًا: فقد كانت الاستعانة بمربي النحل أقل كلفةً من استدعاء خبراء القضاء على الحشرات. وكان للنحل أثر غير متوقع، فقد لقّح الأزهار البرية في الحقول المحيطة بمبنى الشركة “غرينهاوس”.

ما هي المواضع التي يمكننا أن نخفض التكاليف فيها؟

يقول أندرية ماسيني، أستاذ مشارك في جامعة الدراسات العليا لإدارة الأعمال في باريس، إن أول مكان تبحث فيه عن مجالات للتغيير هو سلسلة الإمداد. فبإمكان المديرين تخفيض التكاليف من خلال خفض الحاجة إلى الوقود الأحفوري أو زيادة إعادة التدوير بغية الحدّ من المواد المستخدمة في التصنيع.

وقال ماسيني: “لا يمثل التخطيط تحسبًا للتغير المناخي أحد القيود التي يقتضيها القانون فحسب، بل أيضًا فرصة لجني المال. وإذا كنت مديرًا، عليك أن تعتزل العمل لبعض الوقت، وبدلًا من أن تنظر إلى وظيفتك كمجرد مهام تزاولها يوميًا، انظر كيف تؤثر شركتك على البيئة”.

مدى نجاح الوعي البيئي

هناك العديد من الأمثلة لشركات تمكنت من جني الأرباح من وراء تطبيق ممارسات صديقة للبيئة.
فعلى سبيل المثال، غيرت شركة باتغونيا الأمريكية المتخصصة في صناعة الملابس المناسبة لممارسة الأنشطة في الهواء الطلق عملية التصينع المعمول بها لديها لتكون أكثر موائمة للبيئة، ومنذ سنة 1985، تخصص عشرة في المئة من أرباحها قبل خصم الضريبة سنويًا لجماعات مناصرة للبيئة.

يقول ماسيني إن الأشخاص المغامرين الذي تجتذبهم نوعية الملابس التي تصنعها شركة بتاغونيا يهتمون على الأرجح بأمور البيئة، ولذا كان لهذا القرار الفضل في زيادة المبيعات. بل في الواقع، تضاعفت أرباح الشركة ثلاث مرات منذ عام 2008 إلى عام 2013.

وصممت شركة بوينغ، المتخصصة في صناعة الطائرات، طائرة أخف وزنا تستهلك وقودا بنسبة أقل. وعلى الرغم من أن هذا الابتكار كان مكلفًا في البداية، إلا أنه على المدى البعيد يوفر تكاليف الوقود، ويحدّ من الانبعاثات.

ومنذ عقد مضى في شركة “مارس إنك”، تفتق ذهن ثلاثة مديرين في المستويات الوسطى عن فكرة مفادها أن الشركة العالمية المتخصصة في صناعة الأغذية من الممكن أن تصبح شركة للتنمية للمستدامة في غضون واحد فقط.

ووضعت الشركة نصب عينيها “أهدافا بعيدة المنال”، والتي بدت وقتها مستحيلة التحقيق، على حدّ قول باري باركن، رئيس قسم المشتريات العالمية بالشركة.

وكان من بين التغيرات التي أحدثتها الشركة المُضي قدمًا في خفض انبعاثات غاز الدفيئة كل عام بنسبة ثلاثة في المئة، على الرغم من أن الشركة التي يبلغ عدد موظفيها 75 ألف موظف لم تتوقف عن النمو.

والآن، تهدف الشركة إلى خفض ما تنتجه من غازات الدفيئة بحلول العام 2040، ويرجع الفضل في ذلك، إلى حد ما، إلى مزرعة الرياح الجديدة التي أقامتها شركة مارس في ولاية تكساس، وهذه المزرعة في حجم ولاية باريس، وتولد ما يكفي من الكهرباء لتشغيل جميع منشآت الشركة في الولايات المتحدة البالغ عددها 70 منشآة.
يقول باركن، في تصريح من مكتبه بمدينة نيويورك: “إننا ندرك أن كل واحد منا يستطيع أن يفعل شيئا حيال البيئة، سواء كان يعمل في خط الإنتاج أو الامدادات اللوجستية”. وأضاف أن الاستدامة أضحت من أكثر المواضيع التي يتحدث عنها الناس في الشركة، لأنها، في نهاية الأمر، توفر للموظفين سببًا للشعور بالرضا عن النفس.

ما بعد النحل

وقال راميرز، لدينا في هيرمن ميلر، وضعت الشركة دليلًا بسيطًا لمساعدة المديرين في عرض أفكار جديدة صديقة للبيئة، على أن تتكفل جميع المشروعات البيئية بأعبائها، أو تُدرّ ربحًا في غضون ثلاث إلى خمس سنوات.

وأضاف راميرز أن هذا هو العامل الحاسم، لأنه من الصعب إقناع الإدارة العليا بأن تنفق الأموال على النهوض بالأمور البيئية، ما لم تثبت لهم أن الشركة ستدر أرباحًا من ورائها.

وقال راميرز: “من الضروري أن تدرك أن تحقيق الأرباح أمر مه. فعندما تُفكر كيف تُخلِّف وراءك عالمًا أفضل، عليك أن تفكر في كيفية حماية منتجك”.

ومن بين الجهود التي بذلتها الشركة التي يبلغ عمرها 110 أعوام أن كلفت مجموعة من موظفيها بإقامة برامج بيئية، وأطلقت عليهم اسم “الفريق 53″، للدلالة على السنة التي أعلن فيها مؤسس شركة هيرمان ميلر، دي جيه ديبري، أن شركته ستضطلع بمهام “الراعي الجيد لشؤون البيئة”.

وتتضافر جهود الفريق من أجل خفض النفايات التي تلقيها شركة هيرمان ميلر في محطات جمع النفايات، وحتى الآن، تمكنت سبع منشآت تابعة للشركة حول العالم من تحقيق ذلك الهدف. ويقول راميرز إن هذه الفكرة ليست فكرة جيدة في مجال البيئة فحسب، بل إن تكلفة إعادة التدوير أيضًا أقل مما تدفعه الشركة من فواتير مقابل التخلص من نفاياتها.

لن ينتهي الحال بكل مشاريع الوعي البيئي إلى إفراغ تلك المحطات من النفايات، ولا إقامة حقول مرزوعة بالورود مكانها، ولكن سيتفتق ذهن المديرين، من خلال الدراسة المتأنية، عن أفكار لإنقاذ البيئة يمكنها أن تُحدث أثرًا حقيقيًا.

 

 

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا