توفر لنا النباتات الزهرية في حدائقنا وفي الريف المناظر الطبيعية الغنية بالألوان، وغالبًا ما يتم النظر إليها باعتبارها مجرد خلفية ساكنة في حياتنا، غير أنها تخفي تحت أجزائها الخارجية الجذابة قدرتها على التصرف بشكل معقد، مثل قياسها للزمن. كشف إندو زملاؤه1 عن الساعات البيولوجية في تَعَرُّق الورقة التي ترسل إشارات إلى الخلايا المجاورة. وهذا مؤشر إلى أن تنظيم الساعات البيولوجية في النبات قد يكون هرميًّا.

إنّ أوراق النبات بمثابة أعضاء متطورة تتكون من عدة أنواع من الخلايا، لكل منها وظيفة مختلفة. فخلايا البشرة تصطف على سطح الورقة مع الجزء الأكبر من الأوراق، التي تتألف من خلايا النسيج الوسطي، وتُعتبر مسؤولة عن عملية البناء الضوئي. وإضافة إلى ذلك.. يتم اختراق الأوراق والساق بواسطة تَعَرُّق الحزمة الوعائية للنبات، التي تنقل الماء والجزيئات مثل السكر إلى جميع أنحاء النبات. طوَّر إندو وزملاؤه طريقة لعزل البشرة والنسيج الوسطي وخلايا الحزمة الوعائية بكفاءة من نباتات الرشاد Arabidopsis thaliana؛ مما سمح لهم بدراسة التعبير الجيني الزماني المكاني، وتنظيم الساعة البيولوجية بدقة عالية.

تؤكد الكائنات متعددة الخلايا أن الخلايا تقوم بتنفيذ العمليات الصحيحة في الوقت المناسب من اليوم من خلال ساعاتها البيولوجية، وهي ساعات مدتها تقريبًا 24 ساعة؛ مما يسمح بانتظار الفجر وغروب الشمس. يتم تعديل توقيت حوالي %30 من النشاط الجيني بواسطة الساعة البيولوجية، ويتكون لُب الساعة من حوالي 20 جينًا تنقسم إلى مسارين متشابكين: جينات حلقة الصباح، وتنشط خلال ساعات النهار، في حين تنشط حلقة المساء بدايةً من غروب الشمس.

لاحظ الباحثون أن جينات حلقة الصباح، مثل CCA1، كانت أكثر نشاطًا في النسيج الوسطي عن الحزمة الوعائية، بينما كان العكس صحيح في جينات حلقة المساء، مثل TOC1. وبالإضافة إلى ذلك.. عندما يقاس النشاط الجيني على مستوى المجموعة الجينية، وجد المؤلفون تعبيرًا جينيًّا متفاوتًا في كل نسيج. جينات الإخراج (التي تُنَظمها الساعات البيولوجية) التي كانت أكثر نشاطًا في النسيج الوسطي عن الحزمة الوعائية، تميل للتعبير عنها في الصباح، في حين يرجح التعبير عن جينات الإخراج الأكثر نشاطًا في الحزمة الوعائية في المساء. يشير هذا إلى أن الاختلافات في الساعة البيولوجية في كل نسيج تسبب اختلافات في التعبير الجيني (شكل 1).

الشكل 1 | حان وقت السمر.

 أ، تتكون الأوراق من خلايا البشرة وخلايا النسيج الوسطي والخلايا التي تكون الحزمة الوعائية. ب، أثبت إندو وزملاؤه1 اختلافات في الساعات البيولوجية التي تُنظم الحزمة الوعائية والنسيج الوسطي، إذ تنشط في الحزمة الوعائية جينات الحلقة المسائية، مثل TOC1 أكثر من جينات الحلقة الصباحية، مثل CCA1 (يشار إلى الحلقات بالأسهم البيضاء). لذلك.. يوجد قدر أكبر من النشاط الجيني الكلي في الحزمة الوعائية في المساء عنها في الصباح (تم تمثيلها بالأسهم الصفراء). والعكس صحيح في النسيج الوسطي. أوضح المؤلفان أن ساعة الحزمة الوعائية تتصل وتنتظم مع ساعة النسيج الوسطي، لكنهما لم يجدا دليلًا على أن النسيج الوسطي يمكن أن ينظم الحزمة الوعائية، مما يوحي بسيطرة هرمية.
أ، تتكون الأوراق من خلايا البشرة وخلايا النسيج الوسطي والخلايا التي تكون الحزمة الوعائية. ب، أثبت إندو وزملاؤه1 اختلافات في الساعات البيولوجية التي تُنظم الحزمة الوعائية والنسيج الوسطي، إذ تنشط في الحزمة الوعائية جينات الحلقة المسائية، مثل TOC1 أكثر من جينات الحلقة الصباحية، مثل CCA1 (يشار إلى الحلقات بالأسهم البيضاء). لذلك.. يوجد قدر أكبر من النشاط الجيني الكلي في الحزمة الوعائية في المساء عنها في الصباح (تم تمثيلها بالأسهم الصفراء). والعكس صحيح في النسيج الوسطي. أوضح المؤلفان أن ساعة الحزمة الوعائية تتصل وتنتظم مع ساعة النسيج الوسطي، لكنهما لم يجدا دليلًا على أن النسيج الوسطي يمكن أن ينظم الحزمة الوعائية، مما يوحي بسيطرة هرمية.

يبين الدليل على اختلاف الساعات البيولوجية بين الأوراق والجذور2 أن هناك ساعات محددة لنوع خلية معين، تنظم وظائف الخلية النباتية المتخصصة. فقد يعكس تنشيط الجينات الخاصة بالنسيج الوسطي في الصباح الحاجة إلى بدء عملية البناء الضوئي أثناء الفجر3. وقد تكون هناك حاجة إلى تعزيز نشاط الحلقة المسائية في الحزمة الوعائية؛ لضمان القياس الدقيق لتوقيت غروب الشمس، وبالتالي طول النهار، وهو قياس يتحكم في إنتاج الأزهار في عديد من الأنواع4. بالفعل أثبت إندو وزملاؤه أن لاختلال الساعة البيولوجية في الحزمة الوعائية ـ وليس في النسيج الوسطي أو البشرة أو الساق أو الجذر ـ أثرًا على توقيت إنتاج الأزهار في نبات الرشاد. قد تُنظم الساعة الوعائية أيضًا أنشطة الأوعية الخاصة بفترة الليل، مثل إعادة ملء الأوعية؛ لإزالة فقاعات الهواء.

من السمات المشتركة بين الكائنات متعددة الخلايا هي أن الساعات البيولوجية للخلايا المجاورة يمكنها الاتصال ببعضها البعض، وتشكيل مجموعات متزامنة من الخلايا، التي إمّا أن تنشئ نظامًا متذبذبًا قويًّا، أو تنقل المعلومات الخاصة بالوقت للأعضاء البعيدة. في الثدييات ـ على سبيل المثال ـ تنظم ساعة مقترنة في منطقة تحت مهاد المخ الساعات في الأنسجة الأخرى. ولُوحظ في النباتات ضعف الاتصال بين الساعات البيولوجية الفردية5، وثمة رأيٌ بأن الساعات البيولوجية في الأوراق تسود عن تلك الموجودة في الجذور2. قدم إندو وزملاؤه أدلة تجريبية للاقتران المحلي لنظم الساعة البيولوجية في النباتات، حيث أوقفوا ساعة الأوعية عن طريق زيادة التعبير الجيني للجين CCA1 في خلايا الحزمة الوعائية، وأثبتوا أنها تُثبط أيضًا الساعات لخلايا النسيج الوسطي المجاور. قد يتم ذلك عن طريق إشارات كيميائية، ربما تشتمل على سكريات، لأن ساعات خلايا الورقة حساسة لتغيير مستويات السكر6.

قد يكون الاتصال بين الساعات البيولوجية في الأوعية والنسيج الوسطي هرميًّا. فزيادة التعبير الجيني لجين CCA1 في النسيج الوسطي لها تأثير صغير على الساعة البيولوجية في الأوعية. ولأن الساعات لنوعي الخلايا لها إثراء متفاوت لمكونات الصباح والمساء، سيكون من المثير للاهتمام تحديد ما إذا كانت الإشارات تحدث من الحزمة الوعائية إذا حدثت زيادة في التعبير الجيني لجين TOC1 في خلية من نوع محدد، أم لا.

هل للنباتات الوعائية نظام مترابط يولد ذبذبات قوية تنظم الخلايا الأخرى على غرار منظم ضربات القلب في أدمغة الثدييات؟ أم أنها تعمل بمثابة خط أنابيب ينشر إشارات التوقيت، مثل الساعات البيولوجية لخلايا الدم الحمراء7؟ الحزمة الوعائية بالتأكيد أكثر من مجرد نظام أنابيب متطور؛ حيث إنها تعمل كقناة للإشارات الكهربية السريعة8، وإشارات الأكسدة9، والإشارات الأيوينة10، فهي تذكِّرنا بالنظام العصبي. ومع ذلك.. فإن المقارنات بأنظمة الثدييات تفشل حين نختبرها. فالنباتات لا تتطلب الاستجابات السريعة التي يوفرها الجهاز العصبي، لأن تحركاتها ـ وتحدث عادةً عن طريق النمو ـ أبطأ من نظيرتها في الحيوانات.

سيسهل بحث إندو وزملائه من دراسة أنواع الخلايا النباتية الفردية، فعن طريق الاستفادة المثلى من بروتوكولات التشريح والتذبذب الصوتي وعلاجات الإنزيم التي تحلل جدار الخلية، اختصر الباحثون كثيرًا من الوقت اللازم لعزل الخلايا لقياس الحمض الريبي. وبالإضافة إلى ذلك.. طوَّر الباحثون تقنيات تصوير لدراسة التنظيم الزماني والمكاني للجينات في النباتات، وقاموا بهندسة نصفين من بروتين لوسفريز الوضّاء، ليكون هناك نصف يتم إنتاجه في نوع معين فقط من الخلايا، ونصف آخر يتم إنتاجه فقط عندما ينشط المحفز الموجِّه للتعبير الجيني لـCCA1 أو TOC1. ولأنه يجب إنتاج كلا النصفين في خلية لحدوث الاستضاءة، يمكن استخدام انبعاث الضوء كمقياس لنشاط الساعة البيولوجية للجين في نوع خلية معينة. ويمكن توسيع هذا النهج لأنواع خلايا واستجابات أخرى، مثل الإجهاد والإشارات النمائية، وذلك ببساطة عن طريق استخدام محفِّزات مختلفة لتكوين نصفي لوسفريز.

ستؤدي القدرة على دراسة تفصيلية لأنواع خلايا الورقة الفردية بالتأكيد إلى فهم أعمق لتنظيم الساعة البيولوجية لنشاط الجين والنمو والبناء الضوئي، وستكون الخطوات الأولى هي تحديد أسباب اتصال الساعات البيولوجية بالورقة، وأية مسارات إشارية تنقل المعلومات عن الوقت. وهناك حاجة ماسة إلى مثل هذه المعارف التي يجب توافرها، إذا أردنا الانتصار في تحدي تحسين المحاصيل؛ لإطعام السكان الذين يتزايد عددهم بشكل مستمر.

 

ref

 

 

  • ماريا مارتي
  • & أليكس ويب

 

المصدر: مجلة نيتشر العربية 

عدد يناير 2015

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا