تلوث الجزيئات المشعة الكثير من مناطق التجارب النووية السابقة، كما تشكل الحوادث النووية والتلوث الإشعاعي خطرا إضافيا على سلامة الإنسان، ما دعا المؤتمر العالمي للحماية من الطاقة النووية إلى توعية شاملة بهذه المخاطر.

يناقش المؤتمر العالمي للمنظمة الأطباء الدولية لمنع الحرب النووية المنعقد هذا العام في كازاخستان للفترة من 25 حتى 30 آب/ أغسطس الجاري عواقب التجارب النووية، وبالأخص الآثار الصحية المترتبة على التجارب النووية في سيميبالاتينسك.

في موقع الاختبار النووي السوفيتي السابق، الذي يمتد على مساحة أكثر من 18 ألف كلم مربع، فُجر ما مجموعه 472 قنبلة نووية بين عامي 1949-1989، منها 129 قنبلة تمت تجربتها فوق سطح الأرض.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي أمر الرئيس الكازاخستاني نزارباييف بغلق المنشأة، وتم تدمير قنوات التفجير الممتدة تحت الأرض. وبذلك أصبحت كازاخستان خالية من الأسلحة النووية.

تأثيرات على نطاق عالمي

منذ 1945 فُجرت أكثر من 2000 قنبلة النووية حول العالم، الاتحاد السوفيتي وحده اختبر 718 قنبلة، والولايات المتحدة 1039، أما فرنسا فاختبرت 198، وكل من الصين والمملكة المتحدة 45 قنبلة. وخلال هذه الاختبارات انطلقت جسيمات مشعة وانتشرت في الغلاف الجوي على نطاق واسع.

في هذا السياق يقول ألكس روزن، نائب رئيس القسم الألماني في منظمة الأطباء الدولية لمنع الحرب النووية: “بإمكانك أن تجد في عينات التربة والمواد الغذائية في أي مكان بالعالم كمية ولو ضئيلة من مادة السيزيوم 137 المشعة”.

وعلى الرغم من أن الكمية لا تزال في نطاق الضوابط المتفق عليها قانونياً إلا أن روزن، الذي يعمل في الأصل كطبيب أطفال، يقول: “لا بد من الاشارة إلى أن أي كمية من الإشعاع تؤدي إلى ازدياد خطر الاصابة بالسرطان، فهنالك مئات الآلاف من الأشخاص توفوا مبكراً بسبب إصابتهم بهذا المرض، كما توضح الإحصائيات”.

تعدين اليورانيوم يهدد الصحة

تدق منظمة الأطباء، التي نالت جائزة نوبل للسلام في عام 1985، ناقوس الخطر بسبب ارتفاع التلوث الإشعاعي في العالم بسبب التجارب النووية، إضافة إلى استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. على سبيل المثال يشكل استخراج اليورانيوم خطراً صحياً رئيسياً، إذ يتعرض سنوياً الكثير من العمال والساكنين قرب المناجم لخطر التلوث في مختلف أنحاء العالم.

في مناجم اليورانيوم بجمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة، والتي كانت للفترة من 1946 وحتى 1990 ثالث أكبر مناجم العالم، توفي واحد من كل ثماني عمال بسبب التلوث الإشعاعي، بحسب المكتب الاتحادي للحماية من الإشعاع، ويزيد العدد الإجمالي عن سبعة آلاف شخص.

وكان السبب الرئيس لموت أغلبهم هو سرطان الرئة. ولأسباب اقتصادية يتم استخراج اليورانيوم في المناطق التي تفتقر لمراقبة صحية.

“الملايين يموتون”

تمثل الحوادث النووية خطراً أخر على الصحة، فوفقاً لتقديرات المنظمة لقي عشرات الآلاف من الأشخاص حتفهم خلال كارثتي تشيرنوبيل 1986 وفوكوشيما 2011 وأصيب الكثير من الناجين من هذه الكوارث بالسرطان.

كما وقعت العديد من الحوادث في المنشآت النووية، والتي أثرت سلباً على مئات الآلاف من العمال وعائلاتهم بشكل كبير.

وفي المجمعين النوويين السوفيتيين الكبيرين تومسك 7 وماياك وقع حتى الآن 38 من الحوادث الكبرى، ما تسبب في بعض الأحيان بتلوث على نطاق واسع.

ولا توجد حتى اليوم أرقام عالمية دقيقة عن الأضرار الصحية المرتبطة بالاستخدامات النووية. في هذا السياق يقول روزن: “السرطان لا يحمل ختم المنشأ، ولذلك لا نستطيع الا أن نقدر أعداد الضحايا”.

ويشير الخبير الألماني إلى دراسة سابقة لمنظمة الأطباء الدولية لمنع الحرب النووية، والتي ينبغي تحديثها هذا العام، وتكشف هذه الدراسة أن عدد من قُتل بسبب الاستخدامات النووية للأغراض المدنية والعسكرية وصل “بوضوح إلى ملايين الأشخاص” في العقود الأخيرة.

سباق مع الزمن

يتزايد الوعي بالآثار الصحية المترتبة على النشاط الإشعاعي في جميع أنحاء العالم، وبدأت الدراسات التي أُجريت خلال العقد الماضي، تركز على المخاطر الصحية.

وحصلت دراسة عن سرطان الأطفال، أُجريت بتكليف من المكتب الاتحادي للحماية من الإشعاع، على اهتمام كبير، إذ بينت أنه في كثير من الأحيان يُصاب الأطفال الساكنين بالقرب من محطات الطاقة النووية بأنواع السرطان، وبسرطان الدم على وجه الخصوص، وذلك حتى من دون وقوع حوادث.

ويرى روزن أن إغلاق جميع محطات الطاقة النووية اليابانية، والتخلص التدريجي ووقف المشاريع النووية الالمانية تعد مؤشرات على نهاية الطاقة النووية في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، لا يريد روزن التقليل من المخاوف المرتبطة بالطاقة النووية.
ويقول في هذا السياق: “إنه سباق مع الزمن، لمنع المزيد من الحوادث. يمكن للقراصنة التلاعب بالمنشآت النووية أو يمكن لأي جنرال مجنون أو أي جماعة إرهابية الحصول على الأسلحة نووية بالقوة”.

وإضافة إلى ذلك تبقى مشكلة النفايات النووية التي يتوجب تخزينها بشكل آمن لملايين السنيين. ولذلك تدعو المنظمة إلى نزع فوري للسلاح النووي والتخلص منها تدريجياً على مستوى العالم.

أهمية التوعية

ويؤكد الأطباء على أهمية الحملات التوعوية وتوضيح المخاطر غير المعروفة في كثير من الأحيان ميدانياً عن طريق الكتيبات والمنشورات. ويقول روزن: “لا يمكن خفض النشاط الإشعاعي بين ليلة وضحاها”، مضيفاً: “لكن المواطن بحاجة لهذه المعلومات، لكي يعرف أنه حتى الأشعة السينية تشكل خطراً صحياً على طفله ولا يجب اللجوء إليها إلا في حالات الضرورة القصوى.
ويجب الابتعاد عن الأغذية المنتجة في مناطق ملوثة أو السكن بالقرب من محطات الطاقة النووية”.

 

 

DW.DE

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا