تنتشر في هذا الموسم رحلات التخييم والبر بين العائلات والشباب، ليستفيدوا بكل ما أوتوا من قوة جمالية تلك المساحات، التي تداعب رمالها الناعمة نسمات الهواء الباردة، في هذه الأشهر من السنة وعلى وجه التحديد، وينتظر القاصي والداني على حد سواء هذه الفترة الممتدة من نوفمبر/ تشرين الثاني وحتى مارس/ آذار، ليشد رحاله إلى تلك المناطق البرية . ليتمتع البر بسعته وخلوه من ضغوطات وزحمة الحياة اليومية في المدن، إذ يعتبرها الزائر فرصة لا تٌعوَض، للجلوس مع نفسه بصفاء ذهن، ويعلن تصالحاً مع ذاته قبل كل شيء، فيعيد ترتيب أولوياته وأهدافه لطول العام، بصدر متسع متأثر باتساع المساحات الرملية من حوله وعلى مد طول نظره .
يُعد البر ورحلات “السفاري” من أهم المقاصد الطبيعية السياحية في هذه الشهور من العام، لكل مواطن ومقيم على أرض الإمارات، إلا أن بعض نفايات ومخلفات الشواء الملقاة من رواد هذه المناطق، بدأت تشوه المنظر العام وتحول دون تحقيق مقاصد الزائر الأساسية في التفريج والترويح عن نفسه، بمكان هادئ يبعد عن صخب المدينة وروتين أيامها الرتيب .

كشفت “الخليج” عن إهدار جماليّة هذه المناطق البرية والتهديدات التي تتعرض لها، والأسباب التي تدفع بمرتادي البر بإلقاء نفاياتهم في هذه المناطق، من دون أي استشعار للخسائر والآثار السلبية التي تعود على الفرد والصحة العامة والبيئة بشكل أوسع، كما برامج التوعية للهيئات والجهات المسؤولة، للحد من رمي النفايات والمخلفات في أرجاء هذه المناطق .

تُبدي نضال عرفات، مُراقبة كمبيوتر، استياءها وشعورها بالانزعاج ومغادرتها المكان، لما وجدته من نفايات تملأ متسعات البر في زيارتها الأخيرة له هذا العام، وما يترتب عليها من رائحة مزعجة وحشرات تؤثر في رواد البر طوال فسحتهم .

وتضيف أن الأمر لا يقتصر على النفايات فحسب، إذ يمتد ليشمل أموراً أخطر، كمُخلفات الشواء، من جمر لم يُطفأ بطريقة تامة وردمه تحت رمال البر المتحركة، وما يتسبب في لذع للأشخاص، أو حرق أغراضهم، وهذا ما حدث معها شخصياً .

يلفت محمود النجّار، قائد في “نادي أبوظبي 4*4 لهواة القيّادة في البر”، بدوره إلى ضرورة أن يكون الإنسان لابساً حذاءه في رجليه طوال فترة إقامته في البر، حتى يتجنب بقدر المستطاع الحروق الناتجة عن ردم النيران المشتعلة، التي تستغرق أياماً عدة حتى تتحول إلى رماد تام وتنطفئ بشكل كليّ وآمن .

من جهته، يرى أحمد جسري، زائر لبر الخوانيج في دبي، أن نظافة البقعة البرية تُحتم عليه المحافظة عليها خالية من الأوساخ، ويجب ألا يلقى المهملات فيها، حتى وإن غابت العين الرقابية .
ويؤكد جسري أن نظافة البيئة البرية هي مسؤولية الجميع وعلى رأسهم البلدية والأفراد، وكلاهما يُكمل الآخر للمساهمة في نظافة البيئة والرقي بها، للوصول إلى مستوى عالٍ من النظافة يشهد له المقيم والزائر، حيث تتولى البلدية مسؤولية تفحص الأماكن البرية من فترة لأخرى وتوفير عدد كافٍ من سلات المهملات، ويقع على عاتق الأشخاص تجميع النفايات بكيس، وتقريبه قدر المستطاع من سلة المهملات أو الشارع الرئيسي، حتى وإن لم تتوفر سلة مخصصة، لإلقاء النفايات داخل البر أو كانت بعيدة عنه .

تقول سماح عودة، مُدرسة، إن نظافة الشخص في البر ومحافظته على جماليات الطبيعة البرية ترجع إلى أمور عدة، أهمها: حب الوطن والمحافظة على ممتلكاته، فالبر جزء لا يتجزأ من أرض الوطن الواسعة، والمحافظة على نظافتها تضمن ديمومتها للأجيال القادمة . كما تلعب أيضاً ثقافة البلد التي يقدم منها الزائر دوراً كبيراً في نظافة الشخص في المناطق الرملية .

وتُحذر عودة من اتساع رقعة النفايات والمخلفات في مناطق التخييم البرية، لتشمل أكثر من نقطة وتنتشر الرائحة وما يتبعها من حشرات وأوبئة في المناطق الصحراوية، مُحولةً البر ورماله الناعمة النظيفة إلى نفايات وأوساخ، وما يترتب عليه من خسارة كبيرة لمعلم مهم من معالم الطبيعة والسياحة في الدولة .

إلى جانب بواقي الشواء ومهملات الأشخاص، يضيف محمد علي دلبح، ممرض في هيئة الصحة في دبي، أنه وجد في أحدى رحلاته أمتعة شخصيّة وأكياساً للفحم جديدة أو مستخدماً نصفها، وذلك أثناء اختياره بقعة للجلوس فيها، مُشيراً إلى أن الوضع المادي، وأنانية الإنسان لعيش اللحظة من دون التفكير بتبعياتها، وما يترتب عليها من مسائل إيجابية كانت أم سلبية، هي من أبرز الأسباب التي تدفع بهؤلاء الأشخاص لترك ما تم إيجاده، في مناطق صحراوية نائية، يُصعَب الرجوع إليها والبحث عن ما تم فقدانه أو إضاعته فيها .

ويتابع أن المتوجه للبر، يتخذه في أغلب الأحيان كوجهة أولى لقضاء جزء من يومه مع من يحب، خصوصاً في موسم الشتاء، ليستمتع أولاً بجمال الطبيعة ويستشعر بعظمة الخالق عز وجل، وسعة خلقه، حيث يرى نفسه نقطة صغيرة في بحر من مخلوقات الله عز وجل، وثانياً ليرفه عن نفسيته وينقيها من رواسب حياته العملية وضغوطاتها، لهذا يعمل وجود المخلفات على إزعاج النفس البشرية، التي تبحث عن التهوية والترويح، ويؤدي انتشارها ربما إلى التحدث بشكل سلبي على المقيمين، وإطلاق أحكام من شأنها أن تظلم الثقافة والبلد التي قدم منها هؤلاء الأفراد .

يرى رمزي حبيب، أحد زوار بر البداير في الشارقة، أن هناك جهات عدة يجب أن تشترك للحد من انتشار النفايات والمخلفات في المناطق البرية، مثل، وسائل الإعلام بكافة أنواعها، التي ينبغي أن تعمل في المقام الأول على توعية الناس بأهمية المناطق الصحراوية، كجزء من الثروة الطبيعية في البلاد، وضرورة المحافظة عليها بشكل لائق لا يؤذي العين والنفس البشرية، ومن ثم يأتي دور البلديات في الإمارات كافة، توزيع منشورات وكتيبات على الأهالي المرتادين للبر، لتوعيتهم إزاء هذا الموضوع بالكلمة الطيبة، وفي حال لم يلتزموا بتلك الوسائل التثقيفية، تعمل حينها على سن مخالفات وقوانين صارمة .

تُشير رولا رياض، إحدى زوار بر بدع بنت سعود في العين، إلى أن انتشار الحشرات على النفايات الملقاة في البر، هي من أبرز الأمور التي تضايق الزائر لتلك المناطق وتشكل ضرراً على حياته، حيث تختلف أشكالها، نظراً لوجودها في مناخ صحراوي وارتفاع درجات الحرارة على مدار العام، وتعمل على نقل أمراض خطيرة في حال وقفت على الأطعمة التي تطبخ وتشوى في البر، ما يشكل خطراً أكبر على حياة الأفراد والأطفال، بصورة خاصة .

وتضيف أن بيئة البر تنتشر فيها وبصورة طبيعية الحشرات والهوام والعناكب والعقارب والنمل الأسود القارص، وتزداد الحشرات بالتحديد حول الشجيرات الصغيرة، باعتبارها مرتعاً للفئران والثعابين التي تلجأ لها للبحث عن فرائس، وبانتشار النفايات والمخلفات يزداد معدل هذه الحشرات، ليتحول البر إلى مكان ينفر منه الزائر ولا يحبذ النزول فيه، درءاً للأمراض والآثار التي لم تكن في الحسبان، والتي تلحق به بعد انتهاء رحلته .

من جهتها، تؤكد أسماء السويدي، مدير الاتصال المؤسسي وخدمة المجتمع في هيئة البيئة والمحميات الطبيعية بالشارقة، الاهتمام الكبير الذي توليه الهيئة، بخصوص اعتماد برامج توعوية موجهة، للمحافظة على المساحات البرية المخصصة للتخييم والتنزه، حيث انطلقت في الفترة الأخيرة حملة توعوية ضخمة، خلال الموسم الشتوي من كل عام، للتوعية البيئية لمرتادي المناطق البرية، لتثقيف الأفراد والأسر والسائحين بأهمية المحافظة على جمالية واستدامة المناطق البرية، من خلال إظهار ضرورة الالتزام بالقرارات المحلية المنظمة لعملية ارتياد البر، وتوزيع لوحات ارشادية، تنص على عدة محظورات يجب الابتعاد عن ممارستها لتجنب دفع الغرامات المالية، كما تعمل الحملة على إشراك مرتادي المناطق البرية في حملات التشجير والتنظيف والجولات التوعوية لأصحاب العزب البرية وتوزيع المطويات التوعوية عليهم .

وتقول السويدي إن الهيئة تخصص برنامجاً توعوياً طلابياً، ضمن خطة الحملة ككل وأهدافها التوجيهية بأهمية المحافظة على المناطق البرية، من خلال تنظيم المحاضرات التوعوية والمعارض التثقيفية وورش العمل والكثير من البرامج التوعوية المكثفة، ما يعزز من حس المسؤولية المجتمعية العامة تجاه البيئة البرية لدى كل طالب وطالبة ويترجم ذلك تبنيهم لسلوكيات صديقة للبيئة أثناء ارتيادهم للبر مع أسرهم ويرسخ أيضاّ دعائم ثقافة الترفيه الاجتماعي جيلاً بعد جيل .

مخاطر إضافيّة

توضّح نضال عرفات، مُراقبة كمبيوتر، أن استمتاع الأشخاص بالبر في هذه المواسم لا يمنعهم البتّة من توخي الحيطة والحذر بالنسبة إلى أمور أخرى، كقيادة الدرجات بسرعات عالية جداً، في مناطق تغيب فيها الإرشادات المرورية التنبيهية، وتُعتبر معزولة عن العالم، حيث تؤدي هذه الدراجات إلى كدمات وضربات لقائديها، من شأنها أن تعرضهم لكسور وعمليات جراحيّة غير متوقعة، بسبب وجود مفاجآت غالباً لا يتوقعها سائقو هذه الدراجات، ومنحدرات على ارتفاعات عالية جداً . وعلى هامش المخاطر التي تحفل بها الرحلات البرية، تضيف عرفات أن أغلبية سائقي السيارات، التي يفرط بها أصحابها على سرعات جنونية في مناطق البر، بما يسمونه “سفاري”، لا يكونون محترفين ومؤهلين للقيادة بين هذه التلال والكثبان الرملية المتحركة رمالها بشكل آمن، وتلفت إلى أن استهتار الشباب في هذه المسائل وتهورهم من شأنه أن يودي بحياتهم وحياة الآخرين، ممن اتخذوا من البر نزهة لهم، للخطر .

 

تحقيق: غدير المزيني – المصدر: صحيفة الخليج

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا