تبدو الأشجار التي تنمو في قلب الصحراء وكأنها لوحة خضراء رسمتها الطبيعة بريشتها وسط رمال صفراء، وإذا كانت الإبل توصف بسفن الصحراء، فتلك الأشجار بمثابة موانئ ترسو بها تلك السفن هرباً من حرارة الشمس ونيل قسط من الراحة .
ولا تقتصر قيمة تلك الأشجار على ما سبق، فغالباً ما يكون لها فوائد جمة لمداواة بعض المرضى الذين يعانون أمراضاً مزمنة أو مستعصية، اكتشفها القدماء وتوارثوا استخدامها، قبل أن تستخدم حالياً في الطب البديل القائم على الأعشاب والذين تمتلئ بها محال العطارة في أغلب الدول العربية . ورغم جفاف المناخ فإنه يوجد في مصر 2075 نوعاً من النباتات التي تندرج تحت 758 جنساً، وأكثر هذه النباتات متأقلمة بطريقة فريدة مع الظروف المناخية، بينما البعض الآخر ينمو في المناطق الأوفر حظاً مثل وادي النيل .

ومن أشهر أشجار الصحراء “العشار الشيطاني” وتنتشر في الجزء الجنوبي القاحل من صحراء مصر الغربية، ويعتبر العشار من النباتات الطبية التي تحمل داء ودواء في الوقت نفسه، وتنمو في الصحراء القاحلة وخصوصاً بجوار فصيلتها من الشجيرات البرية الأخرى كأشجار الدوم وبلح اللجليج والعاقول، وغيرها من الأشجار التي تنمو في المناطق الجافة ومناطق الرعي القديمة.

وتلعب الرياح والأمطار دوراً مهماً في انتشار شجيرات العشار ونموها، لذلك يطلق عليها السكان المحليون “العشار شيطاني” وذلك لتواجدها وسط الصحراء من دون أن يتدخل إنسان في زراعتها .

و”العشار” عبارة عن شجرة متوسطة الارتفاع تنمو ما بين مترين إلى 6 أمتار، أوراقها عريضة خضراء اللون ولها ثمرة كبيرة الحجم خضراء تشبه إلى حد كبير ثمرة “المانجو” وتتكون من الألياف والبذور كما أنها تحتوي على عصارة بيضاء اللون سامة للغاية .

وتعتبر الواحات البيئة الملائمة لذلك النبات الذي لم يعرف قيمته سوى الإنسان القديم واستخدمه في المجالات المختلفة كافة، كانت أغلبها في الطب والحرب، حيث لها أثر سريع في قتل الحيوانات والدواب التي تأكلها لما تحتويها من مادة سامة .

وهناك أيضاً أشجار الطلح وهي من الأنواع واسعة الانتشار في صحراء مصر، ويمكن التعرف إليها من خلال براعمها الملتفة وأزهارها البيضاء الغضة البيضاوية الرؤوس، وهي مصدر لطعام البدو، فهم يهزونها حتى تتساقط أوراقها وبراعمها، وقد قلّت كثافتها عن السابق نظرا لكثرة قطعها للاستخدام كحطب لإشعال النار . أما شجرة “السنط” فهي معمرة وتنمو بجوار العيون والآبار بالواحات في الوادي الجديد، وتتميز بقوة خشبها وصلابته وتشعب جذورها وقوتها، اعتبرها المصري القديم “شجرة الحياة”، فمنها يصنع أبناء الواحات “المقاسم” التي تروي الأراضي الزراعية، وهي تصنع بمقاسات وأحجام تسمح بنقل مياه الري، كما أن شجرة السنط، الموجودة منذ آلاف السنين، مفيدة للفلاح حيث يستخرج منها “القرض” المستخدم في دباغة الجلود، كما تستخدم في نزع شعر الجلود التي يصنع منها الفلاح القربة المستخدمة في خض اللبن ونقل المياه، خاصة للبدو المسافرين عبر الصحراء .

الدوم في مقابر الفراعنة

ومن أشهر أشجار الصحراء كذلك “الدوم”، وهي نخلة متعددة الأجزع على شكل مروحة يمكن أن تصل في الطول إلى20 متراً، زهرتها صفراء صغيرة، أما ثمرتها فهي بنية لامعة يصل طولها من 7 إلى 8 سم، صالحة للأكل، تستخدم في علاج الروماتيزم وارتفاع ضغط الدم وأيضاً كمضاد للحمى، وقد عثر على هذه الثمرة في مقابر الفراعنة .

وهي من الأشجار المعمرة بطيئة النمو ويصل ارتفاعها في بعض الأحيان حوالي 30 متراً ولها أوراق مروحية الشكل ملأة بالأشواك وثمار في حجم البرتقال، ولكنها صلبة وذات لون محمر إلى بني، وللثمرة بذرة كبيرة صلبة بنية اللون ملساء ويغلفها نسيج فلليني حلوة المذاق وتؤكل وله استخدامات عديدة سواء في المجالات الطبية أو الاقتصادية والفنية .

وإلى جانب نموها في صحراء مصر الغربية توجد أشجار الدوم على شاطئ النيل في بلاد النوبة، كما توجد في دندرة أمام قنا وأسوان وفي السودان وهي جميعها مناطق تمتاز بالمناخ الحار الجاف .

وللشجرة فوائد طبية، حيث تستخدم العصارة اللبنية الناتجة من هذه الشجرة لعلاج النواصير والبواسير وكذلك التقرحات التي تصيب الفم، وتستخدم لوقف نزيف الدم وعلاج بعض الأمراض الجلدية، وتسكين آلام القدم والأرجل .

ومن بين أشجار الصحراء التي تنتج ثماراً صالحة للأكل أيضاً الهِجليج وهي تنمو في شكل شجيرة، ولها أوراق منتظمة على مستويات مختلفة حول المحور، وهي مكونة من ورقتين وأشواك سميكة حادة، وتتكون أزهارها الصغيرة المائلة إلى الخضرة من خمس بتلات، وتكون ثمرتها في حجم ثمرة البرقوق وهي صالحة للأكل، وهي أحادية النواة، ويستخرج من لب الثمرة زيت يمكن استخدامه بشكل استهلاكي أو لأغراض طبية كملين أو لمعالجة الأمراض الجلدية ومرض السكر .

وهناك أيضاً شجرة الأثل والتي تنمو هذه الأشجار والشجيرات دائماً في الأرض المالحة أو في حالات الجفاف الشديد، ويمكنها أن تعيش في أماكن قليلة الرطوبة، وتتكون من أغصان أسطوانية لها أوراق دقيقة حرشوفية الشكل، أما أزهارها فلونها أبيض أو وردي فاتح في عناقيد طويلة، وغالباً ما تزرع حول المزارع كواق من الرياح .

أما شجرة “الأراك”، فتنمو في الكثبان الرملية كثيفة، وقد يصل ارتفاعها إلى ارتفاع شخص، تنمو أزهارها البيضاء في شكل عنقودي، ثمارها الصغيرة زهرية اللون صالحة للأكل، مذاقها يشبه الفجل الحار إلى حد كبير، ويستخدم هذا النبات في علاج حصوات الكلى، بينما تستخدم أعواده في صناعة فرش الأسنان .

 

صحيفة الخليج 

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا