بنطلون من الجينز منتج من بيت G-STAR RAW مصنع من فضلات البلاستيك التي تمتلئ بها البحار والمحيطات. فضلات وأوساخ من هذه المادة التي يستعصى “تكسيرها” بشكل طبيعي، كما يحدث عادة مع معظم الفضلات والمخلفات العضوية، وقيل إنها تحتاج لما يفوق نصف قرن لتتحلل بشكل طبيعي.

لم تعد الجودة والقوة والجمال هي المواصفات الأساسية للبضائع والسلع الاستهلاكية. لا بد من ابتكار وإبداع وفكرة أصلية غير مسبوقة خلف المنتج (تماما مثل قصيدة أو قصة). الفكرة الأصلية هنا هي مواجهة عملية التلوث التي تتعرض لها مياه الأنهار والبحار والمحيطات بمخلفات البلاستيك من عبوات الطعام وقناني المياه والأكياس، والتي لا تشكل مشكلة في المياه فقط، ولكن على اليابسة أيضا.

من المتوقع جدا أن يقابل هذا البنطلون نجاحا ورواجا كبيرا (هذه ليست دعاية)، نتيجة للمزاج الصديق للبيئة الذي أصبح يشكل ذائقة وسلوك الكثيرين هنا في أوروبا والغرب عموما، خاصة الطبقات الثرية. فبعد السيارة الكهربائية والحرص على استهلاك الخضر والفاكهة واللحوم المنتجة بشكل بيولوجي جاء الدور على ابتدار سلوك “أخضر” في عملية اختيار اللبس.

وبما أن علمية الإنتاج تحتاج كما هائلا من هذه المخلفات، فمن المتوقع أن دراسة الجدوى قد أخذت في حسبانها ضمان استمرارية تدفق أوساخ البلاستيك بصورة تضمن الربح. بعبارة أخرى أن كامل عملية الإنتاج تتم ضمن “تمنيات” الجهة المصنعة بدوام مشكل التلوث.

ليس من المستغرب ملاحظة تناقضات من هذا القبيل. مستهلك يتحلى بوعي بيئي قد يغالي في التباهي به واستعراضه بغرض (التميز) الذي أصبح من الرياضات المفضلة لشعوب الغرب، بالمقابل شركات كبرى ممتدة لا يطرف لها جفن حين تلوث التربة ومصادر المياه في خضم سباقها من أجل خفض كلفة الإنتاج واستهداف الربح السريع. لهذا الغرض أيضا تنقل هذه الشركات أنشطتها الإنتاجية لدول العالم الثالث، حيث العمالة الرخيصة وإمكانية استخدام أطفال دون السن القانونية.

هذه الازدواجية أصبحت مكونا لسلوك الأفراد والمنظومة الأخلاقية السائدة. استهلاك هذه الملابس باهظة الثمن في سبيل حل مشكلة التلوث لدرجة تثير الوهم بأن هذا هو الحل الطبيعي والجذري. في سياق هذه الازدواجية، أضحكني خبر طريف في صحف الأسبوع الماضي يقول بأن الهولنديين يمارسون الغش على شركات التأمين أثناء عطلاتهم الصيفية فيلقون- مثلا- جهاز الآيفون القديم في البحر، ويدعون أنه قد سرق، ممارسة  تكلف شركات التأمين الملايين كل عام، ولكن الهولنديين رغم ذلك لا يقدمون على السرقة من السوبر ماركت بهذا الشكل الجماعي، محض ازدواجية.

 

صوت هولندا

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا