سعال مستمر مصحوب ببلغم دموي، ضيق نفس، أوجاع في الصدر، هي أعراض سرطان الرئة، الذي انتشر بكثرة في الآونة الأخيرة بين المصريين، ولا يستطيع الأطباء تشخيصه من أول وهلة، وحالات عديدة ميئوس من علاجها.

يتسبب السرطان في وفاة 8.2 مليون نسمة سنوياً، في العالم فيما عدد وفيات سرطان الرئة مليون و59 ألف حالة، حسبما ذكرت منظمة الصحة العالمية بنشرتها الشهرية رقم 297 بتاريخ فبراير 2015، ومصر والدول العربية لها الحظ الأوفر.

وتستقبل مصر سنويًا 150 حالة إصابة جديدة بمرض السرطان، لكل 100 ألف نسمة، وهذه البيانات مثبتة بالسجل القومي للأورام، والذي أنشئ في مصر عام 2008، وجدير بالذكر أن 6% من حالات سرطان الرئة، يصاب بها الرجال، والذي يعد القاتل الأول من ضمن سرطانات العالم، وهناك 200 ألف مريض يصاب بالسرطان في مصر سنويًا، ومعظم حالاتهم ميئوس منها.

تتضارب قرارات الوزارات فيما بينها، مما يسمح بدخول المخلفات إلي البلاد، حيث سبق وافقت وزارة التجارة على منع استيراد القمح المحتوي على فطر الأرجوت، لأسباب صحية، والذي يسبب بعض الاضطرابات العصبية لدى الرجال، والإجهاض المتكرر لدى النساء نتيجة الانقباضات المتتالية لدى الرحم، وأبلغت إدارة الجمارك بقرارها، ثم تتراجع عن القرار بعد يومين لأسباب سياسية، في الوقت الذي سمحت فيه وزارة التجارة باستيراد أجهزة الكمبيوتر التي تبقي 5 سنوات على انتهاء صلاحيتها، وبالتالي تتحول إلى نفايات إلكترونية، في القريب العاجل، وتصدر اشعاع يسبب أمراض جلدية وسرطانية.

وتنتج النفايات الإلكترونية بعض المواد المشعة والمسرطنة التي تتطاير في الجو، أو تصيب من يتعامل معها بشكل مباشر، إذا كانت جيناته تسمح بذلك، كما أنها غير قابلة للتحلل، مما يشكل خطرًا على صحة الإنسان والكائنات الحية.

وقعت مصر على اتفاقية بازل، بما يمنع استيراد المخلفات الخطرة، أو المرور من خلالها، ومع ذلك يُسمح بدخول بعض المخلفات إلى البلاد، لأنها غير مُدرج على قائمة وزارة التجارة، والتي تعطي تصريح بالمرور من الجمارك.

لا تحاول الوزارات أن تتواصل وتتفق فيما بينها، لوضع قائمة موحدة للنفايات الخطرة، وتحديد المخلفات الممنوع التعامل معها، بما يحافظ على حياة المواطن، حيث أجمع الخبراء أن الدولة لا تلتزم حرفيًا بالاتفاقيات الدولية التي سبق ووقعت عليها، في الوقت الذي لا يطبق فيه قانون البيئة رقم 9 لسنة 2009، بما يدمر البيئة ويقضي على حياة البشر، ويشوه الأجنة، وفقًا لما قاله عبد الحكيم علوي، مدير عام بمصلحة الجمارك المصرية.

المواد الكيميائية قد تسبب الانفجار أو الاشتعال، أما النفايات المشعة تتراكم داخل جسم الإنسان وتسبب أضرار بالغة، في الوقت الذي تتسبب فيه النفايات الطبية والنفايات الناتجة عن الأبحاث البيولوجية، أمراض كالإيدز، والسرطان وغيرها من الأوبئة، وتشمل اللفافات الطبية والسرنجات والأنسجة الآدمية، ووحدات الدم التالفة، وجثث الحيوانات النافقة، وكذلك العقاقير الطبية التي انتهت صلاحيتها، وبعضها قد يكون سام، وبعضها الآخر يشكل خطرًا على الصحة نتيجة التلوث الجرثومي.

وتمثل النفايات الالكترونية حالياً أكبر مشكلة تواجه العالم بسبب المخاطر البيئية والصحية الناجمة عن تكدسها وتراكمها وصعوبة التخلص منها أو إعادة تدويرها، مما يشكل تحدياً كبيرًا أمام الدول الكبرى والنامية، وهذه الأخيرة عانت الأمرين بسبب عدم وجود مرادم لحرق النفايات، كما لا توجد مصانع لتدويرها، وتبدأ مخاطر النفايات الإلكترونية في تصنيف المعدات الإلكترونية التي وصلت لنهاية العمر الافتراضي للاستخدام، فهي تشمل الحواسيب والشاشات والبطاريات والتليفونات، وهذه المكونات تحتوي على الرصاص والزئبق والزرنيخ والكادميوم والبرليوم، والكثير من المخلفات السامة التي تتسرب للإنسان والتربة والنبات والمياه والهواء، وتسبب السرطان بكل وضوح.

وعبر الدكتور هشام القصاص عميد معهد الدراسات والبحوث البيئية، عن استيائه من انتشار السرطان في الآونة الأخيرة، بسبب تداول المخلفات الخطرة وعلي رأسها المخلفات الإلكترونية، التي تعد عبئا من الأعباء الموجودة والملوثة للتربة، التي يأخذ منها الإنسان طعامه وشرابه.

وتعجب عميد معهد الدراسات والبحوث البيئية من مسئولي الدولة اللذين يبحثون عن العائد الاقتصادي والتوفير المالي، أثناء السماح وإعطاء التصريحات لمشروعات مُلوثة للبيئة، قائلًا؛ إن صحة الإنسان العليل ستُكبد الدولة خسائر مالية علي ألمدي القريب، وستحمل الدولة عبء اقتصادي لا يمكنها التعامل معه، في حين أنها قادرة علي منع التعامل مع المخلف بما يحافظ علي صحته.

وأضاف القصاص أن انتشار السرطانات كان سبب واضح وكفيل أن تتيقن الدولة من أن هناك أمر خاطئ يحدث، وهو أمر لا يمكننا التعامل معه إلا من خلال التشريعات والقوانين والبحث العلمي، فقانون البيئة رقم 9 لسنة 2009، لا يُطبق، لأنه مأخوذ من قانون إنجليزي، وهم أشخاص يعلمون أهمية البيئة ويطبقوا تعاليم الديانات الثلاثة بغض النظر عن إيمانهم من عدمه، ونحن لا نفعل المثل.

وأوضح أن السماح بمرور مخلف خطر من الحدود، يحدث وكثيرًا، وليس له علاقة بتضارب الاختصاصات في الوزارات، وعدم وجود قائمة موحدة للنفايات الخطرة فقط لا غير، وإنما لأن المستور له دائمًا وأبدًا ما يكون رجل أعمال صاحب نفوذ قوي، قادر علي الحصول علي الموافقات والتراخيص بمنتهي السهولة والسرعة.

فيما قال عبد الحكيم علوي، مدير عام بمصلحة الجمارك المصرية، ورئيس إدارة الجمارك الخضراء، إنه وفقًا لتوقيع مصر علي اتفاقية بازل الدولية التي تمنع التعامل مع النفايات الخطرة، صدر قانون مصري ينص على أنه “ممنوع دخول النفايات الخطرة حدود مصر أو المرور منها”، وللالتزام بتطبيقه سلمت الدولة إجراءات المراقبة والتنفيذ إلي إدارة الجمارك، فهي الجهة المنوط بها حماية الحدود ضمن أي انتهاكات للاتفاقية.

وأضاف علوي أن القانون المصري يمنع استيراد النفايات الخطرة، كما يمنع عبورها من البلاد، ولكن يسمح بتصديرها للخارج، مؤكدًا أن الجمارك لا تفتش أي شحنة جمركية بنسبه 100%، لكنها تقوم بالتفتيش العشوائي في حالة الاشتباه، لكن إذا كانت الوثائق سليمة، يتم السماح للشحنة بالمرور.

وأوضح علوي أن من أساليب التهريب الجديدة، وضع السلع المُهربة أو النفايات خلف بضائع سليمة، وفي حالة الاختيار العشوائي، قد تكون العينة التي تم اختيارها سليمة تمامًا، كما أن التراخيص الممنوحة للشحنة تكون سليمة، وهذا ما يمنع الجمارك من أن تنفيذ إجراءاتها، حتى وإن شكت بأن هناك سلع مهربة أو نفايات خطرة.

وقال علوي إن من الطبيعي أن يكون هناك تواصل بين وزارات الدولة المختلفة عن طريق التوثيق لكل نفاية خطرة ممنوع تداولها وإدراجها في قائمة موحدة، وإمداد الجمارك بصورة من القائمة، “وهو أمر لا يحدث”، فالوزارات المعنية بتطبيق الاتفاقيات الدولية كالزراعة والبيئة والصناعة والتجارة وغيرها، لا يوجد فيما بينهم تواصل وتوثيق معلومات.

وأوضح أن وزارات البيئة بالدول المختلفة، يصل إليها معلومات بشكل مستمر من سكرتارية بازل، التي تفيد بأن هناك دول بعينها تصدر نفايات خطرة إلي دول العالم الثالث، كنوع من التحذير، وتقوم هذه الوزارات بإمداد إدارة الجمارك بالمعلومات، ونحن نفتد لمثل هذا الجزء، ونعمل جاهدين لنرتقي بهذا التعاون ليصل إلي مرحلة مقبولة، ومازلنا نفشل.

قال الدكتور محمد الزرقا، الخبير البيئي الدولي، إن الكيماويات لها بُعد اقتصادي كبير، فالصناعات الكيماوية عام1967 وصلت نسبتها إلي 77 مليون طن، أما الأن فالنسبة قد ارتفعت بمعدل كبير لا يمكن تجاهله، مشيرًا إلي أن وزارة البيئة المصرية لا تتواصل بشكل كافي مع الجهات التي تتعامل بشكل أو بأخر مع النفايات الخطرة بما يسمح باستمرار تواجدها في البلاد، وكل هذا يدمر صحة الإنسان، الذي لا يعلم ماهيتها وكيفية التعامل معها، ويصاب بأمراض خبيثة قد تقضي علي حياته.

وأكدت غادة عبد المنعم السيد، نقطة الاتصال الوطنية لاتفاقية بازل بوزارة البيئة المصرية، أنه لا يوجد قسم خاص بالمخلفات الخطرة في قانون البيئة، علي الرغم من وجود قسم مختص بتلوث الهواء، وتلوث الماء، والضوضاء، قائلة: وزارة البيئة سبق وأعدت قانون معٌني بهذا الشأن لكن لم يطبق بعد.

فيما أكد الدكتور مصطفي حسين، مدير مركز بازل الإقليمي للتدريب ونقل التكنولوجيا بالدول العربية، ووزير البيئة الأسبق، أن المركز يضع علي عاتقه مخاطر النفايات الخطرة، لأنها في صميم عمله، ولم يكل المركز من تنظيم ورش ولقاءات ودورات تدريبيه في نفس المجال، قائلًا: نحن بصدد إعداد قائمة موحدة للنفايات الخطرة بالدول العربية، بناءً علي توصيات الفريق العربي المعني بمتابعة الاتفاقيات الدولية.

قال الدكتور سعد حسن عميد كلية العلوم جامعة عين شمس الأسبق، إن هناك مليون مادة كيمائية متداولة علي مستوي العالم، مؤكدًا أن حجم التعامل في الكيماويات يصل إلي 1.4 تريليون دولار سنويًا، قد يؤثر علي صحة البشرية ويسبب العديد من المخاطر والأمراض.

وأضاف حسن أن هناك تضاربا في القوانين المصرية بما يمنع تطبيق الاتفاقيات الدولية التي سبق ووقعنا عليها، فانعدام وجود قائمة موحدة للنفايات الخطرة، يساعد في استمرار دخولها للبلاد والتعامل معها.

دينا المراغي
المصدر: بوابة الأهرام

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا