لبنان يا قطعة سما..لبنان الأخضر..كلمات أصبحت من الماضي، وهل سيعود الماضي ويتجدد من جديد؟!

وقد خص الله لبنان بمناظر ومواقع طبيعية رائعة كانت مصدر وحي الشعراء والأدباء وأهل الفن. من هنا، فان الاهتمام بالبيئة والنظافة ليس ترفاً بل ضرورة اقتصادية اجتماعية انسانية ووطنية ماسة، وهي قضية قديمة العهد متشعبة الفروع. فخلال العهد العثماني، أصدرت سلطة الاحتلال في 21/2/1884 قانوناً ألغت بموجبه الأحكام الشرعية المتعلقة بالآثار القديمة، ووضعت لها أحكاماً جديدة جعلت الآثار تخرج عن الملكية الفردية وتتبع الأملاك العامة.

وقد نظمت مجلة الأحكام العدلية حق الملكية وحماية مياه الشرب، وتنظيف المدن والشوارع، وحدد قانون الجزاء العقوبات في الاعتداء على الغابات. وبقيت حالة التشريع مرعية الاجراء في المقاطعات التي خضعت لها وصولاً إلى عهد الانتداب الفرنسي حيث صدرت قرارات تشريعية مختلفة تتناول مواضيعها حماية البيئة منها: وقاية الصحة العامة والمعاينة الطبية الجسدية لأصحاب المهن، ونظام محلات بيع المحروقات السائلة، تنظيم المسالخ وتنظيف المساكن، المحلات الخطرة والمضرة بالصحة والمزعجة والمرسوم التطبيقي له والجدول الملحق بتصنيف الصناعات، نظام المحافظة على الآثار القديمة وحماية المناظر والمواقع الطبيعية، نظام المناجم والمقالع، المنتجات الغذائية وسلامتها، تحديد العقوبات على مخالفات الصيد البحرية وحماية الثروات البحرية ونظام الصيد النهري…

وخلال السنوات 1920 و1925 و1926 و1927 و1931 و1932 أصدرت سلطة الانتداب تباعاً عدّة قرارات في هذا الشأن حتى عام 1933 حيث صدر القرار التشريعي رقم 166RL/ تاريخ 7/11/1933 والذي نظّم أحكام ملكية الآثار القديمة والبيئة، وسائر الأحكام العائدة لها والقرار رقم 75/RL تاريخ 13/4/1940 المتعلق بمحلات بيع المحروقات السائلة. وحرصاً على حماية المناظر والمواقع الطبيعية كونها تشكل ثروة سياحية واقتصادية كبيرة، صدر قانوناً بهذا الخصوص في 8/7/1939 تعدّل بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 22E.T/ تاريخ 14/4/1943 ومن أحكامه منع المالك من قطع أية شجرة أو تشذيبها قبل إبلاغ وزير الداخلية برغبته بالاعمال والتغييرات المنوي اجراؤها والحصول على ترخيص بذلك تحت طائلة المسؤولية الجزائية. كما أوجب تصنيف المناظر والمواقع الطبيعية بموجب مرسوم جمهوري بعد استطلاع رأي لجنة المناظر والمواقع الطبيعية، وقد صدرت عدّة مراسيم بهذا الخصوص. ومنذ الاستقلال، أصدرت الدولة عدّة قوانين (نذكر منها: المرسوم التنظيمي رقم 11882/48 ومرسوم رقم 1576/50 ومرسوم رقم 836/50 ومرسوم رقم 16766/57 ومرسوم رقم 116/59 ومرسوم رقم 10121/62 ومرسوم رقم 17614/64 ومرسوم رقم 4810/66 ومرسوم رقم 8735/74 ومرسوم رقم 9132/74 ومرسوم رقم 2289/79 ومرسوم رقم 43/83 ومرسوم رقم 34/85 وقانون رقم 64/88 وقانون رقم 85/91 ومرسوم رقم 4917/94 وقانون رقم 558/96 وتعميم رقم 73/م/98 ومرسوم رقم 4519/2000 وقانون رقم 341/2001 وقانون رقم 380/2001 ومرسوم رقم 8006/2002 ومرسوم رقم 8803/2002 ومرسوم رقم 9222/2002 ومرسوم رقم 10609/2003) تتعلق بحماية البيئة والغابات والاحراج والثروة الحرجية والحيوانات ومكافحة التلوث والمواد السامة إلاّ أنها بقية حبراً على ورق حيث انعدمت الرقابة المنظمة والعقوبات الحاسمة. فالمصانع والدباغات المنتشرة على الشاطئ تطرح نفاياتها في البحر من دون أية محاولة لتكريرها. كما أن الزيوت التي تخلفها المصافي تلوث مياه البحر، وناقلات النفط تساهم أيضاً في زيادة التلوث بسبب الشحم والزيوت التي تقذفها من الخزانات وغرف المحركات والآلات. أما في المناطق الداخلية والجبلية، فيحصل التخلص من النفايات الصناعية والمياه المبتذلة بواسطة الحفر عادة دون اللجوء إلى وسائل التطهير، مما يعرّض المياه الجوفية للتلوث والمخاطر المتعددة. هذا دون أن ننسى السماد الكيمائي والعلف المركب والمبيدات والمواد الزراعية المضرّة وغيرها التي تصنّع وتوزع من دون رقابة وبشكل فوضوي. فتحولت هذه المواد إلى سلاح مضر بالانسان نفسه. فضلاً عن الهجوم المنظّم الذي يتعرض له اللون الأخضر في مختلف المناطق، فتحرق الاحراج والغابات وتقطع الأشجار وتبرز الكسارات هنا وهناك، فتنخفض معها الثروة الغابية وتزداد مساحات الباطون والألواح البلاستيكية المعدنية. وهل يمكننا نسيان احتراق البنزين والمازوت من السيارات والمركبات والشاحنات والآليات العاملة في لبنان من دون رقابة جديّة.

علماً بأن وزارة البيئة، التي أنشئت بموجب القانون رقم 216 تاريخ 2/4/1993 (عدّل بموجب القانون رقم 667 تاريخ 29/12/1993. وفي 15/9/1994 نُشر في الجريدة الرسمية المرسوم رقم 5591 المتعلق بتنظيم وزارة البيئة وتحديد ملاكها)، لم تأخذ دورها الفعلي ولم تبادر إلاّ في بعض المواسيم إلى اتخاذ بعض الإجراءات التنظيمية الشكلية نظراً للتدخلات السياسية والمالية المحلية والدولية. وفي 29/7/2002 صدر القانون رقم 444 المتعلق بحماية البيئة (قانون نظري من دون تطبيق فعلي).

وقد أكد مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية عام 1992 على أهمية تطوير التشريعات البيئية توصلاً إلى التنمية المتواصلة. ولقد صادق لبنان على العديد من المعاهدات والاتفاقات والبروتوكولات البيئية إلاّ أن تطبيقها بقي محصوراً ومحدوداً.

تجدر الإشارة هنا، إلى تدخل وزارة المالية في معظم أعمال الكسارات والحفريات، وكانت قد حددت الرسم السنوي لاستثمار المتر المربع الواحد من مساحة أرض المقلع أو الكسارة التي تبينها الخريطة المعتمدة في طلب الترخيص وفقاً لما يلي:

–    مقالع الصخور للكسارات والردميات: 15.000 ل.ل.
–    المقالع المخصصة لصناعة الترابة: 30.000 ل.ل.
–    محافر الرمل والبحص المفتت طبيعياً: 20.000 ل.ل. (قرار صادر عن وزير المالية رقم 1109 تاريخ 16/7/2003).

المسؤوليات والعقوبات

نص قانون حماية البيئة الصادر بتاريخ 29/7/2008 على أن كل انتهاك للبيئة يلحق يلحق ضرراً بالأشخاص أو بالبيئة يسأل فاعله بالتعويض المتوجب. وللدولة، ممثلة بوزارة البيئة، المطالبة بالتعويضات الخاصة الناتجة عن الأضرار اللاحقة بالبيئة، وذلك مع مراعاة احكام قانون الموجبات والعقود وقانون العقوبات. ونصّت المادة 52 في فقرتها الأولى على أن المسؤولين عن أي ضرر يطال البيئة بسبب أعمال منجزة من دون تصريح أو بصورة مخالفة للأحكام القانونية والنظامية النافذة، لا سيما تلك المتعلقة بدراسات الفحص البيئي المبدئي أو تقييم الأثر البيئي، ملزمون باتخاذ كل التدابير التي تؤدي إلى إزالة الضرر، على نفقتهم الخاصة. أما الفقرة الثانية فقد نصّت على أن النفقات الناتجة عن التدابير التي تتخذها السلطات المختصة لمنع كل ضرر يطال البيئة، تكون على عاتق المسؤول عن هذا الضرر. واستناداً إلى نص المادة 58، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من خمسة عشر مليون إلى مئتي مليون ليرة لبنانية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من: – ينفذ مشروعاً يستوجب دراسة فحص بيئي مبدئي أو تقييم الأثر البيئي من دون إجراء هذه الدراسة مسبقاً أو إخضاعها لرقابة وزارة البيئة والوزارات والإدارات المختصة. – ينفذ مشروعاً يستوجب دراسة فحص بيئي مبدئي أو تقييم الأثر البيئي خلافاً لمضمون الدراسة المقدمة منه والتي تكون قد حازت على موافقة وزارة البيئة والوزارات والإدارات المختصة. – ينفذ مشروعاً لا يستوجب دراسة فحص بيئي مبدئي أو تقييم الأثر البيئي وغير متطابق والمعايير الوطنية. – يعارض أو يعرقل إجراءات المراقبة والتفتيش والتحاليل المنصوص عليها في هذا القانون و/أو نصوصه التطبيقية. وفي حال تكرار المخالفة تضاعف العقوبة. ومع مراعاة أحكام القانون رقم 64/88 تاريخ 12/8/1988، يعاقب وفقاً لنص المادة 59 بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من مليوني إلى عشرة ملايين ليرة لبنانية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يخالف أحكام هذا القانون ونصوصه التطبيقية المتعلقة بحماية البيئة الهوائية أو البحرية أو المائية أو الأرضية وجوف الأرض. وفي حال التكرار تضاعف العقوبة. كما يعاقب وفقاً لنص المادة 60، بالسجن من شهر إلى سنة وبالغرامة من مليوني إلى عشرة ملايين ليرة لبنانية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يخالف أحكام هذا القانون ونصوصه التطبيقية المتعلقة بالمؤسسات المصنفة. في حال التكرار تضاعف العقوبة. ومع مراعاة أحكام القانون رقم 64/88 تاريخ 12/8/1988 المتعلق بالمحافظة على البيئة ضد التلوث من النفايات الضارة والمواد الخطرة، ترفع الغرامات المنصوص عليها في القانون المذكور من عشرة ملايين إلى مئة مليون ليرة لبنانية (المادة 61). وكل مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون ولنصوصه التطبيقية، يعاقب عليها بالغرامة من خمسمائة ألف إلى خمسة ملايين ليرة لبنانية. وفي حال تكرار المخالفة تضاعف العقوبة.علماً بأن العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون لا تحول دون تطبيق العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات وسائر التشريعات الجزائية، والتدابير والعقوبات الإدارية أو موجب التعويض بحكم المسؤولية المدنية (المادة 64). وخلافاً لأحكام قانون الغابات الصادر بتاريخ 7 كانون الثاني 1949، لا سيما المادة 98، يعود مجموع الغرامات والتعويضات المقضي بها عملاً بأحكام قانون حماية البيئة ونصوصه التطبيقية، إلى الصندوق الوطني للبيئة (المادة 65).

الحلول

إن المحافظة على البيئة مسؤولية كافة الأطراف وهي تبدأ بالتركيز على هيبة الدولة وملاحقة الفاسدين والمفسدين مهما علا شأنهم ونفوذهم ودعم السلطات المحليّة والبلديات ورفع موازناتها ودعم الأبحاث العلمية ووضع تشريعات عصرية وتشديد العقوبات وانشاء المحاكم البيئية ونشر الثقافة البيئية وتعميمها في المدارس والجامعات وعبر وسائل الإعلام لايقاظ الوعي البيئي ووضع حد نهائي لانتشار المبيدات الزراعية المحظّر استعمالها عالمياً وتشديد المراقبة دورياً وبصورة منظمة (تنظيم أجهزة الرقابة البيئية). كما يجب وقف تدمير الطبيعة وحماية البيئات المختلفة من غابات وسهول وشواطئ ومستنقعات وأنهار وبحيرات وينابيع وآثار وموارد طبيعية وحيوانية واصلاح شبكة توزيع المياه وتحريج الجرود والمناطق المحروقة ووضع حد للمولدات الكهربائية وإزالة النفايات وغيرها. ويجب أن ترفض رخصة البناء إذا كانت الأبنية أو المصانع والمعامل بالنظر لمواقعها وأحجامها ومظاهرها ومنشآتها من شأنها أن تضر بالصحة والسلامة وبالمنظورات الطبيعية والبيئية والصحية والمعمارية.

عسى أن يظل لدينا شيئا من هذا الإخضرار وجزء من الأشجار والأحراج والغابات والينابيع والحيوانات التي لم تصل إليها بعد الأيادي الحارقة والمدمرة.

شادي خليل أبو عيسى
محامٍ وكاتب

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا