يتزايد النمو السكاني في الجزر الواقعة جنوب المحيط الهادئ بوتيرة متسارعة، ولسد الحاجة المتزايدة إلى الغذاء هناك، تحول الصيادون إلى صيد أسماك التونة.

يواجه الصيادون في مناطق الشعب المرجانية مشكلة كبيرة تتمثل في عودتهم بحصيلة هزيلة للغاية من الأسماك لأن الشعاب المرجانية في مناطق الصيد القريبة من الشاطئ تختفي، الأمر الذي يشكل تهديدا لسكان المنطقة الذين يعتمدون في معيشتهم على الصيد.

الوضع قبالة جزر المحيط الهادئ الأخرى لا يبدو مختلفا بشكل كبير.

فبالإضافة إلى تلوث البيئة، تتعرض الشعاب المرجانية إلى ارتفاع درجات حرارة المياه، وزيادة درجة حموضة المحيطات.

وهاتان الظاهرتان هما نتيجة للتغيرات المناخية، مع الوضع في الاعتبار أن التركيب الكيميائي للمحيطات على مدى 55 مليون عاما لم يتغير مثلما يحدث الآن، وهذا يشكل ضغطا هائلا على الشعاب المرجانية، فيتراجع تنوعها البيولوجي وتبدأ في الاختفاء تدريجيا.

أسماك أقل لعدد أكبر من الناس
يقدر يوهان بيلخبير مصايد الأسماك في جزر كاليدونيا الجديدة، الواقعة في المحيط الهادئ والتي تبعد 1500 كلم شرق استراليا، أن الصيد في مناطق الشعب المرجانية في المنطقة يمكن أن ينخفض ​​بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2050 .”

الخبير بيل ينحدر من المنطقة ويعمل لصالح مجموعة المحيط الهادئ SPC- وهو تحالف مكون من دول المحيط الهادئ – التي تتعامل على نطاق شامل مع التغييرات في المنطقة. يلاحظ الخبير أن “الفجوة تكبر باستمرار بين كمية الأسماك التي يمكن أن تكون متاحة في الشعاب المرجانية، وكمية الغذاء التي نحن بحاجة إليها لإطعام السكان.

وحاليا تصل هذه الفجوة إلى 4 آلاف طن سنويا.

وهكذا، فإن اختفاء الشعاب المرجانية بشكل متزايد، يضاعف من حدة المشكلة الموجودة أصلا منذ سنوات بسبب النمو السكاني السريع في جنوب غرب المحيط الهادي.

يمكن أن يرتفع تعداد سكان البلدان الجزرية بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2030، الأمر الذي يتطلب توفير 150 ألف طن إضافية من الأسماك سنويا.

لكن توسع الصيد في الشعاب المرجانية من شأنه أن يعجل من وتيرة اختفاء هذا النظام الإيكولوجي الذي “لم نتم إدارته بشكل مستدام، بل يتعرض للصيد الجائر ويتأثر بشكل كبير بتبعات التغير المناخي”، كما تحذر دوريس سوتو من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة FAO، وهي تهتم بدراسة آثار التغير المناخي على قطاع مصايد الأسماك المعنية.

وحتى لا تتعرض الأسماك في الشعاب المرجانية في جزر المحيط الهادئ للصيد الجائر، لا يجب السماح بصيد أكثر من 3 أطنان من الكيلومتر المربع من الماء سنويا، وذلك من مجمل الكمية التي تصل إلى حوالي 50 إلى 100 طن من الأسماك في الكيلومتر المربع.

ومن الواضح أن الصيد في الشعب المرجانية التي يتقلص حجمها، لن يكون كافيا لسد حاجة العدد المتزايد من السكان للغذاء.

لكن بما أن الأسماك هي المصدر الرئيسي للبروتين في منطقة الجزر، فإن تراجع حصيلة الصيد يهدد الأمن الغذائي لسكان المنطقة تهديدا مباشرا.

ولذلك، فعلى جزيرة فانواتو وكذلك معظم الدول الجزرية الأخرى، أن تبحث عن مصادر بديلة للبروتين.

لكن أين يمكن العثور عليها؟
على الأرض اليابسة على سبيل المثال، فالبلطي النيلي- وهو نوع من السمك الأحمر في المنطقة- هو أبرز مثال على تربية الأسماك بنجاح في البرك أو الأحواض.

وتوصي مجموعة دول المحيط الهادئ بتربية الأسماك بشكل مكثف في المياه العذبة،لأن معدل الأمطار في المنطقة سيرتفع كثيرا في المستقبل، وستصبح تربية البلطي النيلي ممكنة حتى في المناطق التي كانت تتوفر فيها سابقا كميات قليلة من المياه.

ووفقا لمجموعةSPC فإن الحل الأكثر أهمية فيما يتعلق بإيجاد مصادر غذائية بديلة، يوجد بعيدا بعض الشيء عن الساحل، أي في جنوب غرب المحيط الهادي حيث تعيش أسراب ضخمة من أسماك التونة، ويمكن للأعداد الكبيرة من هذه الأسماك أن تساعد على إغلاق الفجوة الغذائية المتنامية.

لكن مع ذلك، يجب أن يتكيف قطاع صيد الأسماك مع التحول إلى صيد سمك التونة، لكي يتسنى استكمال الحلقة المفقودة في النظام الغذائي على المدى الطويل.

طريقة جديدة لجذب أسماك التونة إلى الساحل
الآن يجب على صيادي الشعب المرجانية أن يبحروا بقواربهم الصغيرة أبعد لصيد الأسماك في عرض البحر.

وهذا يعني استهلاك المزيد من الوقود وبالتالي تصبح التكلفة عالية للغاية بالنسبة للصيادين.

توصي مجموعة المحيط الهادئ بتركيب ما يسمى بجامعات الأسماك (FADs)، وهي منصات عائمة أو طوافات بسيطة ترتكز في قاع البحر بحبال طويلة، وتجتذب أسماك التونة والكائنات البحرية الأخرى، التي تلتمس الحماية من الانجراف وتبحث عن ملجأ في المياه الساحلية.

وتم بالفعل تجريب جامعات الأسماك هذه في فانواتو، ومنذ منتصف العام الحالي تم تركيبها في المياه الواقعة بين جزرنغونهوبيليه و إيفات، مما سهل على المجتمعات المجاورة والتي يبلغ عددها حوالي 30، الوصول إلى مصادر غذاءقيمة.

وبحسب تقرير رفعه ماريفوتا رئيس المجتمع المحلي في قرية تالوا لمجموعة المحيط الهادئ والجمعية الألمانية للتعاون الدولي –وهما الجهتان اللتان تتوليان الإشراف على المشروع التجريبي: “يمكن الآن لصيادينا صيد الأسماك بالقرب من أماكن إقامتهم، وتسنى لهم بذلك ضمان حصيلة صيد جيدة وآمنة.”

حصيلة صيد جانبية في الأسواق المحلية
لكن الأساطيل الأجنبية تنشط على نطاق واسع في المنطقة في صيد أسماك التونة، الأمر الذي سيساعد في المستقبل على تحسين ورفع إمدادات الأسماك المتوفرة لسكان المنطقة.

إلا أنهبالإضافة إلى الأسماك التونة العملاقة، تمتلئ شبكات تلك الأساطيل بحصيلة صيد إضافية عبارة عن كائنات بحرية أخرى لكنها صغيرة جدا بحيث لا تصلح للمعالجة في مصانع التعليب.

في الماضي كان الأمر ينتهي بمعظمها مرة أخرى إلى البحر، وهذه الممارسة كانت محط انتقادات دعاة حماية البيئة لفترة طويلة.

الآن تقترح مجموعة المحيط الهادي أن يستفيد السكان المحليون مستقبلا من حصيلة الصيد الجانبية هذه، كما يوضح الخبير يوهان بيل:”نحن نطالب بإلزام المسؤولين في الأساطيل الأجنبية بجلب حصيلة الصيد الجانبية إلى الشاطئ، وبيعها لسكان المدن، قبل شحن حصيلة الصيد الأساسية –أي أسمالك التونة- إلى بلدانهم الأصلية.”

وبالإضافة إلى ذلك، يطالب الباحث أن تمنح الدول الجزرية تراخيص الصيد أقل لشركات الشحن الأجنبية، إذ “ينبغي على الدول أن تستخدم هذه الجزء الأكبر من التراخيص من أجل إطعام شعوبها.”

هذه النصيحة قد تكون مهمة بشكل خاص للبلدان الجزرية الغربية مثل بابوا غينيا الجديدة وبالاو نظراًإلى أن توزيع أسماك التونة بوصفها مصدرا بديلا رئيسيا للبروتين، لن يبقى بعيدا عن التأثر بالتغير المناخي.”

وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن التونة ستهاجر إلى الشرق وكذلك إلى المناطق شبه المدارية جراء التغير المناخي كما يقول بيل.

ونتيجة لذلك، يمكن أن يحدث تراجع لحجم حصيلة الصيد بنسبة تصل جزئيا إلى الثلث في الدول الجزرية الواقعة إلى الغرب، وذلك بحلول نهاية القرن الحالي، في حين أن الحصيلة ستستمر في الارتفاع كلما اتجهنا في شرقا.

لكن لحسن الحظ، نجحت بلدان جزر المحيط الهادئ في تطوير ما يسمى بآلية التوزيع التي تعرف اختصارا بـ ( VDS) ، والتي تساعد على المضي قدما في اتجاه إيجاد حل سلمي لتفاقم الصراعات بشأن توزيع الثروة السمكية نتيجة لتبعات التغير المناخي.

فالنظام يساهم في الوقت نفسه في تحديد وتقسيم حصص أسماك التونة بين الدول المعنية والتراخيص القابلة للتداول.

dw.de

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا