قال الأمين العام للأمم المتحدة إن عصر الاحتباس الحراري انتهى وبدأ عهد “الغليان الحراري العالمي”.

جاءت تصريحات أنطونيو غوتيريش في مؤتمر صحفي عقده في نيويورك للتعليق على تسجيل ارتفاع قياسي في درجات الحرارة العالمية هذا الشهر وفقا لتقرير صدر اليوم عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بالاشتراك مع خدمة كوبرنيكوس لمراقبة تغير المناخ.

وأوضح الأمين العام أن عواقب هذا الارتفاع القياسي في درجات الحرارة “واضحة ومأساوية” حيث تجرف الأمطار الموسمية الأطفال وتهرب العائلات من لهيب النيران وينهار العمال بسبب الحر الشديد.

وأضاف أن هذا الصيف “قاس” بالنسبة لأجزاء شاسعة من أميركا الشمالية وأفريقيا وأوروبا، مؤكدا أنها “كارثة” للكوكب بأسره.

وأكد الأمين العام أن هذا الأمر يتسق مع التوقعات والتحذيرات المتكررة، لكن المفاجأة الوحيدة هي “سرعة التغير”، مشيرا إلى أن “تغير المناخ صار هنا”.

“لا مزيد من الأعذار”

وقال غوتيريش إنه “لا مزيد من التردد. لا مزيد من الأعذار. لا مزيد من انتظار الآخرين للتحرك أولا”.

وأضاف أن بعض التقدم تحقق، لكن هذا الأمر لم يذهب بعيدا بما فيه الكفاية أو بالسرعة المطلوبة، مؤكدا أن هناك العديد من الفرص الحاسمة لتحقيق هذا الأمر بما فيها قمة المناخ في أفريقيا وقمة مجموعة العشرين وقمة الأمم المتحدة للمناخ (COP28).

ودعا قادة العالم لاسيما دول مجموعة العشرين لتسريع وتيرة العمل والعدالة المناخيين في مجالات ثلاثة.

أول هذه المجالات الانبعاثات، حيث شدد الأمين العام على ضرورة وضع أهداف وطنية جديدة طموحة للحد من الانبعاثات من قبل أعضاء مجموعة العشرين قائلا: “نريد أن تتخذ جميع البلدان إجراءات تتماشى مع ميثاق التضامن المناخي وخطة تسريع العمل المناخي”.

وشدد غوتيريش أيضا على أهمية دور الجهات غير الحكومية، حيث دعا الشركات والمدن والأقاليم والمنظمات المالية للمشاركة في قمة الطموح المناخي بخطط انتقال موثوقة تتماشى مع معيار الانبعاثات الصفري للأمم المتحدة.

التكيف والتمويل
أما الأمر الثاني الذي دعا الأمين العام للتركيز عليه فهو التكيف حيث حث الدول كافة على الاستجابة وحماية شعوبها من الحرارة الشديدة والفيضانات المميتة والعواصف والجفاف والحرائق المستعرة التي تنجم عن ذلك.

وقال إن “تلك البلدان على الخطوط الأمامية- التي لم تفعل سوى القليل للتسبب في الأزمة ولديها أقل الموارد للتعامل معها- يجب أن تحصل على الدعم الذي تحتاجه للقيام بذلك”.

وأضاف أنه حان الوقت لحدوث طفرة عالمية في استثمارات التكيف لإنقاذ ملايين الأرواح من “المذبحة المناخية”.

وأفاد الأمين العام للأمم المتحدة بأن المجال الثالث اللازم لتسريع وتيرة مواجهة التغير المناخي هو التمويل.

وقال إن الدول المتقدمة ينبغي لها أن تفي بالتزاماتها بتقديم 100 مليار دولار سنويا للدول النامية من أجل الدعم المناخي وتجديد موارد الصندوق الأخضر للمناخ بالكامل.

وأعرب عن قلقه من أن دولتين فقط حتى الآن من دول مجموعة السبع وهما كندا وألمانيا، قدمتا تعهدات بتجديد موارد الصندوق. كما حث الدول على تفعيل صندوق الخسائر والأضرار أثناء قمة المناخ (COP28) المقررة هذا العام في الإمارات العربية المتحدة قائلا: “لا مزيد من التأخير أو الأعذار”.

وشدد غوتيريش على أهمية تصحيح مسار النظام المالي العالمي كي يدعم العمل المناخي المتسارع.

وأنهى الأمين العام كلمته بالتأكيد على ضرورة “أن نحول سنة حرارة محرقة إلى عام طموح متقد”.

ارتفاع غير مسبوق
وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بالاشتراك مع خدمة كوبرنيكوس لمراقبة تغير المناخ أصدرت تقريرا اليوم الخميس عن درجات الحرارة المسجلة في شهر تموز/يوليو.

وأظهرت بيانات سجلتها خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ الممولة من الاتحاد الأوروبي أن الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر تموز/يوليو كانت الأسابيع الثلاثة الأكثر دفئا التي تم تسجيلها على الإطلاق، كما أن هذا الشهر في طريقه ليكون الأكثر سخونة على الإطلاق.

C3S/ECMWF متوسط درجة حرارة سطح البحر العالمية اليومية (درجة مئوية) على مدى 60 درجة جنوبا -60 درجة شمالا مخططا كسلسلة زمنية لكل عام من 1 كانون الثاني/يناير 1979 إلى 23 تموز/يوليو 2023. يظهر العامان 2023 و 2016 بخطوط سميكة مظللة باللون الأحمر الفاتح والأحمر الداكن على التوالي. تظهر السنوات الأخرى بخطوط رفيعة ومظللة وفقا للعقد، من الأزرق (السبعينيات) إلى الأحمر القرميدى (2020). البيانات: ERA5.

وأوضحت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن درجات الحرارة هذه مرتبطة بموجات الحر في أجزاء كبيرة من أمريكا الشمالية وآسيا وأوروبا، والتي كان لها تأثير بالغ على صحة الناس والبيئة والاقتصادات فضلا عن التسبب في حرائق كبيرة للغابات في بلدان مثل كندا واليونان.

وفي السادس تموز/يوليو، تجاوز المتوسط العالمي اليومي لدرجة حرارة الهواء السطحي الرقم القياسي المسجل في آب/أغسطس 2016، ما جعله اليوم الأكثر سخونة على الإطلاق يليه يومي 5 و7 تموز/يوليو من نفس الشهر.

وأشار التقرير إلى أن متوسط درجة الحرارة العالمية تجاوز لفترة مؤقتة عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الحقبة الصناعية خلال الأسبوعين الأول والثالث من تموز/يوليو.

ومنذ أيار/مايو، كان المتوسط العالمي لدرجة حرارة سطح البحر أعلى بكثير من القيم التي سُجلت سابقًا في نفس الوقت من العام، الأمر الذي ساهم في ارتفاع الحرارة بصورة استثنائية في تموز/يوليو.

توقعات بمزيد من الارتفاع
وقال مدير خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ، كارلو بونتمبو إن درجات الحرارة القياسية هي جزء من اتجاه عام لزيادة كبيرة في درجات الحرارة العالمية، مؤكدا أن الانبعاثات البشرية المنشأ هي “المحرك الرئيسي لارتفاع درجات الحرارة هذه”.

وأضاف أن توقعات خدمة كوبرنيكوس تشير إلى أن درجات الحرارة على اليابسة ستكون أعلى بصورة لافتة من المتوسط.

وبدوره أكد الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، البروفيسور بيتيري تالاس أن الطقس القاسي الذي أثر على ملايين الأشخاص في تموز/يوليو “هو للأسف الواقع القاسي لتغير المناخ ونذير للمستقبل”.

وأضاف أن الحاجة إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى قائلا إن “العمل المناخي ليس ترفا، بل ضرورة”.

وتتوقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن هناك احتمالية بنسبة 98 في المائة أن تكون واحدة على الأقل من السنوات الخمس المقبلة هي الأكثر دفئا على الإطلاق، وأن هناك فرصة بنسبة 66 في المائة لأن تتجاوز الزيادة في درجات الحرارة مقدار 1.5 درجة مئوية مؤقتا فوق متوسط الفترة ما بين عامي 1850-1900 لعام واحد على الأقل من السنوات الخمس القادمة.

لكن المنظمة تؤكد أنه لن يتم تخطي مستوى 1.5 درجة مئوية بشكل دائم، والذي حددته اتفاقية باريس ويؤشر إلى احترار طويل الأمد على مدى سنوات عديدة.

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا