في شمال هذه الصحراء، بين رأس تيميريس وخليج الكلب، يقع حوض آركين تلك السبخة الموحلة التي يجلها الباحثون والعلماء وتم إعلانها حظيرة وطنية محمية أساسا نظرا لأهمية تنوع تجمعات الطيور التي تأوي إليها.

ففي هذا الحوض تجد أسراب البجع الأبيض والخطاف الملكي والبقويق الأشقر والنحام الوردي محطة ممتازة للاستحمام على طريق هجرتها السنوية، غير بعيد من الأحواض الضحلة التي تبدي في مشهد بديع مختلف تدرجات الأخضر والأزرق، والأحمر ويمثل البحر الموريتاني، المعروف بأنه من أكثر بحار العالم أسماكا، ثروة أخرى أكثر مردودية من الناحية الاقتصادية.

وترتبط هذه الثروة بظاهرة طبيعية فريدة تتمثل في صعود المياه الباردة من أعماق المحيط، مشبعة بالأملاح المغذية الضرورية لنمو العوالق البحرية التي تعتاش عليها الأسماك.

وهكذا فإن هذه الظروف الممتازة لتكاثر ونمو الأسماك والقشريات تجعل من حوض آركين رأس مال هاما من الثروات البحرية يجني عوائدها الصيد الصناعي، والمركز في أنواذيبو، والصيد التقليدي الممارس على امتداد الساحل.

وجنوبي حوض آركين، ابتداء من بلدة أنوامغار تعيش منذ عصور سحيقة مجموعات صيادي أيمراكن محصورة بين محيطين أحدهما ماؤه ملح أجاج والآخر رمل وصخر لا ينتهيان، ولا مورد لهؤلاء الصيادين إلا ما يحويه البحر من سمك، ويخلد صيادو أيمراكن حركات عمرها عدة قرون إذ يمارسون الصيد مستخدمين الشبكة المحمولة على الكتف.

فعندما يجد الراصدون موقع سرب من أسماك البوري الأصفر، يهرع الصيادون إلى البحر لمحاصرة ذلك السرب بشباكهم وسط جيشان سيل من الزبد المحمر بدماء الأسماك المصروعة، ومن حين لآخر يتقاسمون صيدهم مع دلافين حوائش يستنفرونها عن طريق ضرب الماء ضربا قويا بالعصي.

وليس ثمة سوى قليل من الأمثلة على بقاء مجتمع بشري معلق مصيره على هذا النحو بنوع حيواني مخصص هو سمك البوري في بيئة معادية إلى حد أنها لا تقدم حتى الماء العذب الذي يتعين جلبه من بعيد بثمن الذهب.

أما النساء فينتظرن الأسماك على الشاطئ للاضطلاع بحصتين من العمل، حيث يشققن البوري ويجففنه حتى يصبح قديدا تيشطارا، كما يعالجن بيض البوري الذي يصنع منه البطارخ أو الكافيار الموريتاني.

وقد أكد الباحثون أن ما يفد إلى هذه المحمية ، يصل إلى الملايين من الطيور النادرة في رحلاتها الموسمية من مختلف أرجاء العالم.

والطريف ما ذكره أحد الباحثين من أ ن إحصائيات قامت بها هيئات مهتمة بحماية البيئة البحرية، توصلت إلى أن عدد الطيور في تلك المحمية يناهز عدد سكان موريتانيا البالغين حوالي ثلاثة ملايين نسمة.

وما يميز “حوض آركين” هو مناخه المعتدل على مدار السنة ، ومياهه الدافئة التي تتخذها حيوانات البحر وأسماكه وكرا للتكاثر، وتتجاور فيه أنواع الطيور القادمة من القارات الخمس، والمناطق القطبية شمالا وجنوبا مع آلاف أصناف الأسماك.

وكما تتآلف الطيور بينها هناك فإن السكان التقليديين للمنطقة أيضا يتعايشون مع هذه الطيور بالسلم والوئام ، بل ويعتزون بما يعتبرونه أكبر مؤتمر عالمي للطيور في منطقتهم.

يذكر أن موريتانيا أعلنت حوض “آرغين” محمية طبيعية سنة 1976، قبل أن تصنفها اليونسكو ضمن التراث العالمي سنة 1989، من القرن الماضي.

بوابة افريقيا الاخبارية

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا