تستعدّ الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتحقيق مكاسب كبيرة من خلال التحول إلى الطاقة المتجددة، حسب تقرير نشره مؤخراً مرصد الطاقة العالمي (GEM) في سبتمبر/أيلول الماضي.

ويرصد التقرير بعض الدلائل التي تشير إلى أنّ هذا التحول قد يكون قريباً، إذ أضافت هذه البلدان 6.9 غيغاواط إلى قدرتها التشغيلية في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح منذ مايو/أيار 2022، لتصل إلى 19 غيغاواط، أي بزيادة تقدّر بنسبة 57%.

وأشار التقرير أيضاً إلى وجود مشاريع منشآت ستوفر 9 غيغاواط من الطاقة المتجددة لا تزال قيد الإنشاء، ومن المقرر الانتهاء منها بحلول عام 2024.

ويُنتظر أن يستمرّ الارتفاع في معدل النمو في استثمارات الطاقة المتجددة إذا ما نُفّذَت هذه المشاريع في الوقت المناسب، كما تتمتع هذه الدول بنمو سنوي بنسبة 400% في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

دول عربية رائدة

تقود كل من دول الإمارات وسلطنة عُمان والمغرب عجلة الانتقال إلى الطاقة النظيفة والمتجددة في المنطقة العربية.

وأطلقت الإمارات عام 2017 أول استراتيجية موحَّدة للطاقة في البلاد، وهي خطة تهدف إلى زيادة حصة الطاقة النظيفة ضمن مزيج الطاقة من 2.5% إلى 50%، والحدّ من البصمة الكربونية لتوليد الطاقة بنسبة 70%.

وتتوقع أبوظبي أن توفر هذه الخطة 700 مليار درهم (190.5 مليار دولار) مع حلول عام 2050، وأن تدفع نحو استعمال مزيج من الطاقة يجمع بين مصادر الطاقة المتجددة المتعددة، إذ تستهدف الاستراتيجية مزج الطاقة النووية والنظيفة لتلبية المتطلبات الاقتصادية في دولة الإمارات، ويتضمن المشروع نسبة 44% مخصصة للطاقة النظيفة، و38 % للغاز، و12% للفحم النظيف، و6% للطاقة النووية.

وأنجزت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر)، التي تأسست في عام 2006، عديداً من المشاريع في مجال الطاقة المتجددة، مثل محطة شمس في أبوظبي، وهي أكبر محطة طاقة شمسية مركزة في العالم.

كما يُعَدّ مجمّع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية من أهم وأكبر المشاريع عالمياً في مجال الطاقة المتجددة، إذ ستبلغ قدرته الإنتاجية 5000 ميغاواط بحلول عام 2030، وسيسهم عند اكتمال إنشائه في خفض أكثر من 6.5 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً.

وأطلقت سلطنة عُمان بدورها مشاريع واعدة عدّة في مجال الطاقة الشمسية، مثل مشروع ظفار لطاقة الرياح، بسعة إنتاجية تقدر بـ50 ميغاواط تكفي لتغطية أكثر من 16 ألف منزل بالكهرباء.

كما أطلقت محطة مرآة، وهي إحدى أكبر محطات توليد البخار بالطاقة الشمسية في العالم، ومحطة أمين للطاقة الشمسية الكهروضوئية التي توفر طاقة نظيفة بقدرة 100 ميغاواط تكفي لتزويد 15 ألف منزل بالطاقة.

وتهتمّ السلطنة بإنتاج الهيدروجين الأخضر وتسعى عبر استثمارات بقيمة 140 مليار دولار إلى إنتاج مليون طن سنوياً من الوقود الهيدروجيني مع حلول عام 2030، والوصول إلى 3.75 مليون طن بحلول عام 2040، وما يصل إلى 8.5 مليون طن بحلول عام 2050.

أمّا في المغرب فتشكل كفاءة الطاقة بالموازاة مع تطوير الطاقات المتجددة إحدى أولويات الاستراتيجية الطاقية الوطنية للمملكة، وتهدف الرباط إلى توفير 15% من استهلاك الطاقة عام 2030.

وفي هذا الصّدد أعدّت المملكة مخططات عمل لكفاءة الطاقة في كل المجالات الرئيسية، لا سيّما النقل والصناعة والبناء.

وتوفر المملكة لهذا الغرض قدرات هائلة في مجال الطاقات المتجددة الشمسية وطاقة الرياح، تساعدها على تنويع مصادر الطاقة، وتعطى الأولوية للمتجدّدة منها، لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء والحفاظ على البيئة وتقليص الاعتماد الطاقي على الخارج.

وحسب تقرير نشرته إدارة التجارة الدولية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، يبلغ متوسط إمكانات الطاقة الشمسية في المغرب 5 كيلوواط في الساعة لكل متر مربع يومياً، ويبلغ إجمالي القدرة المنجزة (Installed Capacity) من الطاقة الشمسية حالياً 831 ميغاواط.

أما من حيث طاقة الرياح فيمكن للمغرب توليد 25 ألف ميغاواط من طاقة الرياح، ويمتلك قدرة منجزة من طاقة الرياح تبلغ 1466 ميغاواط، وهي ثاني أكبر قدرة منجزة في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا.

وتستهدف المملكة قدرة منجزة على مستوى الاستخدام تبلغ 10 غيغاواط من الطاقة المتجددة مع حلول عام 2030، منها 4.5 من الطاقة الشمسية، و4.1 من طاقة الرياح، و1.3 من الطاقة الكهرومائية.

تحديات التحول إلى الطاقة المتجددة

حسب تقرير مرصد الطاقة العالمي فإنّ محطات توليد الطاقة انطلاقاً من النفط والغاز لا تزال توفر أكثر من 90% من الكهرباء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وقدّر التقرير أنّ هناك حاجة إلى نحو 500 غيغاواط إضافية من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتتناسب مع كمية الطاقة المولدة من النفط والغاز.

كما سيتعيّن على بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إضافة 19 غيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية سنويّاً لإزالة الكربون بالكامل من قطاع الكهرباء بحلول عام 2050.

ورغم النمو الكبير في استثمارات الطاقة المتجددة في المنطقة العربية وقدرات الطاقة النظيفة التي أضيفت في العام الماضي، فإنّها -حسب التقرير- لا تزال ضعيفة نسبياً مقارنةً بمناطق أخرى، فقد فعّلت دول من أمريكا اللاتينية شبيهة من حيث الحجم السكاني والناتج المحلي الإجمالي ما لا يقلّ عن أربعة أضعاف القدرة الإنتاجية (32 غيغاواط) للمنطقة العربية.

وساهمت البرازيل وحدها بأكثر من 14 غيغاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع.

ويبلغ إجمالي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على مستوى الاستخدام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 361 غيغاواط، إلا أنّ 60% من إجمالي هذه القدرة مخصص لإنتاج الهيدروجين الأخضر، والغاية من أغلب هذه المشاريع هو التصدير إلى الخارج بدلاً من استخدامها محلياً.

ويثير هذا التوجه الشكوك حول إمكانية توفير الكهرباء النظيفة بعيداً عن الوقود الأحفوري، ومخاوفَ بخصوص نجاح إزالة الكربون من قطاعات الصناعة والكهرباء المحلية.

أهمية الطاقة المتجددة

يُعَدّ حصول الجميع على طاقة نظيفة ومستدامة وبتكلفة ميسورةٍ الهدف السابع من أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي أقّرتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (2015).

ويسبّب توليد الطاقة داخل المنازل من وقود الكيروسين والحطب وروث الحيوانات والمخلفات الزراعية المصدر الأساسي للتلوث الهوائي المنزلي، وقد أودى بحياة 3.2 مليون شخص تقريباً عام 2020، فيما تشير التقديرات إلى أنّ ثلث سكان العالم تقريباً يطهون طعامهم باستعمال هذه الوسائل.

ويدعم نظام الطاقة الثابت جميع القطاعات التجارية والصحية والتعليم والزراعة والبنى التحتية والاتصالات والتكنولوجيا المتقدمة.

ومع تزايد استخدام الكهرباء في العالم بوتيرة سريعة، يرى خبراء أنّه من دون إمدادات مستقرة للكهرباء ونظيفة لن يكون بمقدور دول العالم إدارة اقتصاداتها.

ويمكن للبلدان تسريع عملية الانتقال إلى نظام موثوق ومستدام وميسور التكلفة للحصول على الطاقة من خلال الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، واعتماد تكنولوجيات الطاقة النظيفة وبنيتها التحتية.

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا