كان عدس الماء يعتبر ولفترة طويلة من النباتات الضارة التي يتعين مكافحتها.

وهاهم الباحثون يكتشفون أن هذا النبات بالذات يمكن أن يكون مصدرا للوقود الحيوي النظيف وبكميات كبيرة نظرا لما يتميز به عدس الماء من سرعة نمو.

لا يحب أصحاب البرك وأحواض تربية السمك رؤيته: إنه عدس الماء الذي يتكاثر بسرعة كبيرة خلال وقت قصير جدا ليغطي كامل سطح الماء ويحول بركة أسماك الزينة أو حوض تربية الأسماك إلى ما يشبه مرجا أخضرا. وعلى الرغم من أنه كان يعتبر سابقا من الأعشاب الضارة أصبح عدس الماء، الذي يسمى أيضا غذاء البط، في أوساط الخبراء يُعد مصدرا للطاقة الخضراء.

المميز في هذه النباتات هو أنه يمكن إنتاج الوقود الحيوي منها بطريقة صديقة للبيئة – دون الحاجة إلى الأراضي الزراعية، وهذه الأخيرة يمكن توفيرها لإنتاج الغذاء.

مصدر طاقة سريع الازدهار

يميز علماء النبات بين 37 نوعا مختلفا ضمن عائلات عدسيات الماء. ويؤكد عالم الأحياء كلاوس أبينروت، الذي يبحث في مجال عدسيات الماء منذ 35 عاما في جامعة فريدريش شيلر في مدينة يينا الألمانية، مدى تحمسه الشديد لعدس الماء. ويقول: “عندما أبدأ تجربتي بغرام واحد من هذا النبات، وأجعله ينمو في المختبر في ظل ظروف مثالية، فإنه ينتج لدي من ذلك الغرام الواحد 20 غراما خلال سبعة أيام”. ثم يضيف أبينروت: “إنه شيء يكاد يكون مستحيلا مع نباتات أخرى”.

في الواقع، فإن عدس الماء هو الأسرع نموا بين النباتات المزهرة في العالم – ومن أسرع الأنواع على الإطلاق نوع اسمه “وولفيا ميكروسكوبيا” (Wolffia microscopica).

هذا النوع من عدسيات الماء الذي تعود أصوله إلى قارة آسيا يضاعف نفسه كل 30 ساعة تقريبا. ولو أن هذا النبات لم يكن من النباتات التي تنمو على الماء فقط، لغطىّ الكرة الأرضية بالكامل في غضون حوالي أربعة أشهر.

عدس الماء كمورد للطاقة

هذه القدرة الهائلة على التكاثر جعلت عدس الماء مثيرا للاهتمام ليس فقط بالنسبة لعلماء النبات. إذ يمكن بفضل هذا النبات تغطية جزء من احتياجات الطاقة في العالم، لأن عدس الماء يحتوي على الكثير من النشا، الذي يعتبر بدوره مادة أساسية لإنتاج الوقود الحيوي مثل الإيثانول.

وهذا ما يوضحه كلاوس أبينروت: “عندما أجعل النشا يتحلل، فإني أحصل على السكر وهذا السكر يمكنني تخميره ليتحول إلى إيثانول”.

ويمكن أيضا زيادة محتوى النشا في عدس الماء: عندما يوضع عدس الماء الذي تقطفه في مياه فقيرة بالمواد الغذائية، فإن العدس سيتوقف عن النمو. والسكر الذي ينتج عن عملية التركيب الضوئي سيتم بالتالي تخزينه على شكل نشا.

بعدها يتم تجفيف عدس الماء ثم طحنه وخلطه مع أنزيمات. لينتج في نهاية المطاف السكر الذي يتم تحويله عبر عملية تخمر إلى إيثانول – وهذا هو الوقود الحيوي.

ولا يحتاج إنتاج هذا النوع من الوقود الحيوي إلى التضحية بمساحة هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة – كما هو الحال غالبا مع الأنواع الأخرى الصالحة لإنتاج الوقود الأخضر، وبالتالي إلى الاستغناء عن مساحات كبيرة ضرورية لإنتاج الغذاء.

وهذا ما أدى في عام 2007 إلى اضطرابات في المكسيك مثلا، التي ارتفعت فيها أسعار الذرة – الغذاء الرئيسي – بشكل غير مسبوق، لأن قسما كبيرا من محصول الذرة تم تحويله إلى وقود حيوي في خزانات السيارات، بدلا من أن يكون على مائدة الطعام.

مثل هذه الإشكالية غير موجودة مع عدس الماء.

وينتج عدس الماء كميات أكبر من الوقود الأخضر مقارنة بالذرة، كما يقول البروفيسور أبينروت: “الضعف عل الأقل”. كما يمكن لعدس الماء أن يوفر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية المخصصة للرعي وإنتاج علف الحيوانات، لأنه يمكن استخدام هذا العدس كعلف للحيوانات. وهذا حقيقي، لأن عدسيات الماء ليست غنية بالنشا فقط، ولكن بمحتوى كبير من البروتين أيضا، ما يجعله نباتا مثيرا للاهتمام: فهو يعتبر غذاء مثاليا للأغنام والماعز والخنازير وأيضا للدجاج البيّاض وحتى للسمك.

سابقا كان عشبا ضارا لا يمكن التخلص منه

وبالإضافة إلى ذلك، فإن نبات عدس الماء له فائدة أخرى: إنه ينظف المياه بطريقة طبيعية وغير معقدة. وكما هو معروف فالزراعة الحديثة تعتمد على استخدام الأسمدة الطبيعية التي تتجمع في البحيرات والبرك المحلية. “وهذا يعني، أننا نتسبب في تلويث المياه باستمرار عندما نتبع أسلوب الزراعة المكثفة”، كما يوضح كلاوس أبينروت. عدس الماء هو الوسيلة الناجعة لتتعامل مع هذه المركبات من النيتروجين والفوسفور.

ولكن حتى عدس المياه لا يمكنه فعل شيء مع المياه الملوثة ب بالسموم والمعادن الثقيلة.

ي الماضي، كانت عدسيات المياه ولعدة عقود – وخاصة في أوروبا – تعتبر من الأعشاب الضارة. وبدلا من استكشاف فائدتها، كان الاهتمام منصبا على كيفية التخلص منها في البحيرات وعند السدود. فقط في السنوات الأخيرة، التفتت البحوث العلمية إلى فوائد عدس الماء.

وتعتبر الصين أكثر الدول تطورا في هذه البحوث، فهناك تجارب فعلية على نطاق واسع لزراعة عدس المياه بكميات كبيرة.

وفي المناطق الأكثر دفئا من العالم مثل جنوب الصين يمكن زراعة وحصاد عدس الماء على مدار العام، ما يجعل هذه الزراعة اقتصادية للغاية.

ولكن حتى في ألمانيا الباردة نوعا ما هناك إمكانية للزراعة على مدار العام. هذا المجال يبدو مجالا واعدا، ونوع من العلوم بات يلقى اهتماما خاصا من الجامعات ومراكز الأبحاث.

 

دوتشه فيله

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا