ينصح عادة بتناول نبات القنفذية (أو الإكناسيا) لإيقاف الزكام أو سيلان الأنف أثناء فصل الشتاء، وهي فصيل من النبات موطنه الأصلي أمريكا الشمالية. فهل تشفي القنفذية فعلا من نزلات البرد؟

إذا شعرت بأنك على وشك الإصابة بنزلة برد هذا الشتاء، فقد يقترح عليك أحد أصدقائك في مرحلة ما تناول نبات الاكناسيا. ويقسم البعض بأنها تعمل على الوقاية من نزلات البرد لدى ظهور البوادر الأولى للمرض، كالتهاب الحلق. والبعض الآخر يتناولها في أوج نزلة البرد على أمل أن تسرع في شفائه.

ومنذ زمن بعيد، كان سكان أمريكا الأصليون (الهنود الحمر) يقدرون نبات القنفذية تقديرا كبيرا لخصائصه الطبية. لكن في القرن العشرين، انتشر استخدامه في دول عدة بعدما أصبح شائعا في ألمانيا. أما اليوم، فيمكنك رؤية العشرات من الأنواع المختلفة من التركيبات في محلات الأغذية الصحية. والسؤال هو: هل تمنع القنفذية نزلات البرد؟

في كل عامين تنشر دراسة جديدة تبين أن الاكناسيا تقلل أو لا تقلل من خطر الإصابة بالبرد. ولعل سبب هذه الصورة المربكة يعود جزئيا إلى أنها تصنع بأشكال عديدة.

ومن بين الأنواع التسعة المختلفة، هناك ثلاثة أنواع من عائلة الأقحوان تستخدم لأغراض طبية، وهي القنفذية الأرجواني، والتويج الأرجواني الفاتح، والزهرة الأقصر وتدعى أنغستيفوليا.

ولتعقيد الأمور أكثر، فإن بعض هذه التركيبات تستخدم جذر النبتة وبعضها يستخدم الزهرة أو الأوراق، أو النبتة بكاملها، ومن ثم يمكن استخدام عصيرها الذي يحول إلى صبغة أو يجفف ويوضع في أقراص. وتستخدم أبحاث عديدة تركيبات مختلفة مما يجعل المقارنة بينها أمرا صعبا.

ولا يوجد اتفاق على أي مكونات النبتة يمكنه أن يمنع البرد، أو يساعد على الشفاء منه، أو ما إذا كان مزيج منها هو العامل الأهم لدرء البرد.
وتحتوي القنفذية على أربعة أنواع من المركبات التي قد تعزز جهاز المناعة، وهي: القلويات، والبروتينات السكرية، والسكريات، ومشتقات حامض الكافيين، لكن لا توجد هذه المكونات في كل أنواع القنفذية ولا في كل جزء من النبتة.

فهل تؤثر هذه النبتة على احتمالات إصابتك بالزكام؟ بعد سنوات من ظهور نتائج مختلفة، أجرى علماء في جامعة كونيتيكت في الولايات المتحدة عام 2007 تحليلا يجمع بين نتائج دراسات مختلفة عديدة، وأعادوا تحليل البيانات من 1,600 مشارك في تجارب سابقة.
وبدا أن النتائج كانت تحمل أخبارا سارة لعشاق القنفذية، مع إعلان الصحف أن مكونات معينة من النبتة قد تخفض احتمالات الإصابة بالبرد بنسبة 50 في المئة.

لكن المشكلة هي أن النبتة متنوعة جدا ، حتى أن الدراسات الأصلية أجريت ليس على أنواع مختلفة من القنفذية وحسب، بل وعلى أجزاء مختلفة منها استخلصت بطرق مختلفة أيضا.

يمكنك القول إن تلك الدراسة كانت شبيهة بتجميع نتائج دراسات عملت على قياس علاجات مختلفة، لأنه من الناحية الكيميائية تختلف أنواع النبتة كما تختلف أجزاؤها مع اختلاف النوع.

مراجعة كاملة
في وقت سابق من هذا العام، صدرت المراجعة الأشمل حتى الآن- وهي مراجعة “كوتشرين” والتي تعمل على فحص الكتابات التي احتوتها أفضل الدراسات فقط. إذ بحثت عن دراسات عشوائية أجريت تحت المراقبة بحيث أعطي المشاركون بها إما نبات القنفذية أو عقاقير وهمية، ولم يعرفوا أيا منهما تناولوا، ولم يعرف ذلك الموظفون أيضا الذين قدموا العقاقير للمشاركين.

ومن بين 82 تجربة عمل الباحثون على تقييمها، لم يستوف المعايير الموضوعة منها سوى 24 تجربة معظمها من الولايات المتحدة وألمانيا. ومع ذلك، لم يكن الباحثون دائما مقتنعين بأن المشاركين لم يتمكنوا من تخمين ما تناولوه.

فإحدى التجارب استخدمت كبسولات وهمية تحتوي على زيت نباتي. وتجربة أخرى أجريت على موظفي الشركات المصنعة للقنفذية ممن كانوا ربما على دراية بطعم منتجاتهم.

وفي بعض الدراسات أعطي المشاركون القنفذية ثم تم تعريضهم عمدا لفيروس نزلة البرد لمعرفة ما إن كانوا قد أصيبوا بالفيروس. وفي دراسات أخرى، أعطي المشاركون القنفذية في أيديهم وطلب منهم تناولها حال شعورهم بدغدغة في حناجرهم أو بدئهم بالعطس.

وكانت النتائج مخيبة للآمال شيئا ما بالنسبة إلى أولئك الذين كانوا يأملون بتجنب نزلات البرد في المستقبل. ووجد الباحثون أنه عند النظر في كل تلك التجارب التي أجريت بشكل جيد، لم تثبت أي منها أن القنفذية تمنع البرد.

ولكن على صعيد أكثر إيجابية، فعندما جمعوا نتائج أفضل الدراسات التي شملت مجموعات أكبر من الناس، فقد تبين أن أولئك الذين تناولوا القنفذية كانوا أقل عرضة للإصابة بالبرد حتى ولو بنسبة 10-20 في المئة.

وقال الباحثون إن سبب عدم ظهور آثار البرد في دراسات فردية قد يرجع إلى أن مجموعات المشاركين في التجارب كانت صغيرة جدا. وبالطبع فإن النتيجة التي تم التوصل إليها بتجميع التجارب لا تزال تواجه بعض المشاكل لأن المشاركين في التجارب المختلفة تناولوا أشكالا مختلفة من القنفذية.

محفزات المناعة
علينا أيضا أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذه الدراسات استثنت أناسا يعانون من أمراض خطيرة. فليس الجميع يرغب في تعزيز جهاز المناعة لديه. وقد وصف البعض لي نظام المناعة المعافى بأنه ككلب مقيد بسلسلة في متنزه. وهو يضغط بقوة على السلسلة استعدادا للانطلاق حرا في أي فرصة سانحة إذا أمكن.

فأنت تريد أن يمشي الكلب إلى جانبك بخطى ثابتة ولا تريد له أن يفلت من السلسلة وينطلق مسرعا إلى وجهة بعيدة. وبالمثل، فأنت تريد لنظام المناعة لديك أن يعمل بشكل جيد، ولكنك لا تريد تجاوز حد ما. فالأمراض التي يتفاعل فيها نظام المناعة مع الجسم نفسه كالتصلب المتعدد والتهاب المفاصل الروماتزمي تجعل نظام المناعة نشيطا للغاية.

وتنصح منظمات مثل المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة المرضى المصابين بهذه الأمراض بعدم تناول القنفذية.

لذا، فعندما تشعر مرة أخرى أن حلقك على وشك أن يصاب بالتهاب، وتخشى من الإصابة بنزلة برد، بإمكانك أن تجرب بعض القنفذية، ولكن عليك أن تأخذ في الحسبان أن لا أحد يعرف أي نوع بالتحديد يتعين عليك تناوله.

وحتى تتوصل الأبحاث إلى نتائج ملموسة، فإن نسبة إصابتك بالبرد تتراوح ما بين 80 و 90 في المئة، ولذا فإن هذه النبتة قد تحدث فرقا ولكنه فرق بسيط.

 

BBC

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا