في العام الماضي أثبتت الأمم المتحدة، على حد تعبير الأمين العام بان كي مون، “قدرتها على تقديم الأمل والشفاء للعالم”. فمن خلال سلسلة من الاتفاقات العالمية ــ بما في ذلك “إطار سينداي للحد من مخاطر الكوارث”، و”برنامج عمل أديس أبابا للتمويل والتنمية”، و”أجندة 2030 للتنمية المستدامة”، و”اتفاق باريس للمناخ” ــ وضع المجتمع الدولي مخططاً أساسياً لمعالجة القضايا الشائكة التي يواجهها العالم.

ولكن برغم أهمية الاتفاقات العالمية ــ في توفير إطار لتحقيق التقدم والمساءلة ــ فإن حتى أفضل الاتفاقات تصبح مجرد حِبر على ورق إذا لم يكن تنفيذها ممكنا. والواقع أن التحديات التي نواجهها هي في الأغلب الأعم نتيجة لأفعالنا، ونحن نمتلك القدرة أيضاً على التغلب عليها، ولكن ليس إذا واصلنا القيام بالممارسات المعتادة وتوقعنا نتائج مختلفة.

في عام 2000، تبنت الأمم المتحدة الأهداف الإنمائية للألفية بهدف معالجة بعض تحديات التنمية الأشد هولاً وتثبيطاً للهمم: القضاء على الفقر والجوع؛ وإلحاق كل الأطفال بالمدارس؛ وإيقاف انتشار فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، والملاريا، والسل، والحد من الوفيات بين الرُضَّع والأطفال والأمهات.

وكانت الأهداف الإنمائية للألفية ناجحة في عموم الأمر، فقد حفزت قدراً كبيراً من التقدم الذي ما كان ليتحقق في الأرجح لولا تعبئة التركيز والتمويل والعمل بفضل الالتزام الدولي. ولكن مع انتهاء العمل بها يظل في انتظارنا الكثير من الجهد الذي يتعين علينا أن نبذله.

فقد تحقق هدف خفض نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع إلى النصف بحلول عام 2015. ولكن ماذا عن النصف الآخر؟ الواقع أن حياة كثيرين من المنتمين إلى الفئة المسماة “مليار القاع” لم تتغير إلا بالكاد. ومن ناحية أخرى، كان الفقر بين الأطفال في ارتفاع في ثماني عشرة دولة من دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين، وهو ما تعزوه منظمة العمل الدولية إلى التخفيضات التي طرأت على فوائد الضمان الاجتماعي للأطفال والأمهات. ويبدو أن عصر التقشف لم يكن رفيقاً بأنظمة الحماية الاجتماعية.

ولا يزال عدم المساواة بين الجنسين أيضاً واسع الانتشار. ومع حرمان النساء من التمكين ونقص تمثيلهن في عمليات اتخاذ القرار، لا تُعطى احتياجاتهن غالباً أولوية عالية. وتعم العواقب المترتبة على هذا مجتمعات بأسرها، والتي تصبح أكثر فقراً عندما تفشل في استغلال الإمكانات الكاملة لنصف سكانها.

وفي الوقت نفسه، تتسبب الوتيرة السريعة للتدهور البيئي في إلحاق الضرر بالمناخ وإفساد النظم الإيكولوجية الطبيعية التي يعتمد عليها البشر. كما يعمل انقراض الأنواع على تقويض سبل المعيشة والصحة والأمن الغذائي والمائي. ورغم أن الإضرار بالنظم الإيكولوجية الطبيعية يؤثر علينا جميعا، فإن الأشد فقراً والأكثر ضعفاً هم الذين يتحملون القدر الأعظم من المعاناة.

من الأهمية بمكان أن نلاحظ أيضاً أن التنمية المستدامة من غير الممكن أن تتحقق في غياب السلام والاستقرار. ومن المحزن أن حالات الطوارئ الإنسانية التي تخلقها الحروب والصراعات بلغت مستويات مربكة لقدرة المجتمع الدولي على الاستجابة. فقد تضاعف الإنفاق على عمليات الإغاثة الإنسانية إلى ثلاثة أمثاله في العقد الماضي؛ ولكن تكاليف تلبية الاحتياجات الحيوية للاجئين وغيرهم من ضحايا الصراعات ارتفعت بسرعة أكبر.

ولهذا السبب، تشكل أهداف التنمية المستدامة، الإطار الذي يأتي خلفاً للأهداف الإنمائية للألفية، أهمية بالغة. وتتسم الأهداف التي تبنتها الأمم المتحدة رسمياً في الخريف الماضي لتوجيه التنمية المستدامة على مدار السنوات الخمس عشرة المقبلة بالشمولية والعالمية؛ فهي تنطبق على البلدان التي تنتمي إلى مستويات الدخل كافة. ومن خلال الاستثمار في مجتمعات أكثر شمولاً وسلمية والحد من مخاطر الكوارث، سوف نتمكن من الحد من الحاجة إلى الإنفاق على التدخلات الإنسانية.

بطبيعة الحال، لن يكون تحقيق أهداف التنمية المستدامة بالمهمة السهلة. فنحن في احتياج إلى إدخال تعديلات جذرية على أساليب الحياة، والعمل، والإنتاج، والاستهلاك، وتوليد الطاقة، والنقل، وتصميم المدن. ولابد من بناء القدرات وتحسين الحوكمة. ونحن في احتياج أيضاً إلى إدخال تغييرات شاملة على السياسات والتشريعات والقواعد التنظيمية. كما يشكل الالتزام ببناء استقرار دائم يقوم على مجتمعات سلمية وشاملة ضرورة أساسية.

ولن يتسنى لنا تحقيق تصور أهداف التنمية المستدامة لعالم أفضل في غياب الزعامة القوية. ويعني هذا في المقام الأول إيجاد التمويل اللازم. صحيح أن المال ليس كل شيء، ولكن من المؤكد أنه يساعد، وسوف تشكل مساعدات التنمية الرسمية جزءاً مهماً في أي عملية تمويل أساسية.

وثانيا، لابد من تشكيل تحالفات واسعة النطاق. فالحكومات التي تعمل بمفردها لن تتمكن من تحقيق أهداف التنمية المستدامة. لا شك أن مشاركتها بالغة الأهمية، ولكن الزعامة الأوسع سوف تكون مطلوبة أيضاً من قِبَل المجتمع المدني، والأوساط العلمية والأكاديمية، والحكومات المحلية، والقطاع الخاص.

وأخيرا، سوف نحتاج إلى الزعامة من المنظمات المتعددة الأطراف، بما في ذلك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وتتلخص مهمتنا في مساعدة البلدان في استئصال الفقر على النحو الذي يفضي إلى الحد من التفاوت والإقصاء، في حين نعمل على حماية النظم البيئية التي تعتمد عليها الحياة.

كما ينبغي لنا أن نعترف بحقيقة مزعجة: وهي أننا سوف نسعى جاهدين إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة في وقت يتسم بالتقلبات العالمية الشديدة. وهذا من شأنه أن يزيد من صعوبة ــ وإلحاح ــ ابتكار وتنفيذ استراتيجيات فعّالة لمكافحة العوامل التي تحرك هذه التقلبات: اتساع فجوات التفاوت بين الناس والتمييز دون رادع، والتدهور البيئي، والصراعات المطولة وعدم الاستقرار.

الحق أن جيلنا هو آخر جيل تتاح له الفرصة لتجنب أسوأ التأثيرات المترتبة على تغير المناخ. وهو أيضاً أول جيل قادر على استئصال الفقر المدقع وتأمين مستقبل أكثر إشراقاً بالأمل للجميع. والواقع أن وضع كوكب الأرض على المسار إلى التنمية المستدامة غاية يمكن تحقيقها ــ ولكن الأمر يتطلب زعامة لا تعرف الخوف من جانبنا جميعا.

 

هيلين كلارك 

بروجيكت سنديكيت

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا