اتفق مشاركون في جلسة «آفاق المدن الذكية في دولة الإمارات العربية المتحدة»، التي استهلت أعمال اليوم الثالث والأخير من القمة الحكومية التي اختتمت أعمالها أمس، على أن صفات المدينة المتميزة القابلة للعيش براحة وسعادة تجمع بين ثلاثة عناصر أساسية مترابطة، وهي الاستدامة، والابتكار بمستوى تنافسي، والذكاء، الذي لا يقتصر على استقدام التقنيات والتطبيقات التكنولوجية فحسب، بل يعمل على تسخير تلك التقنيات في خدمة السكان، وتحويل التعامل معها واستخدامها إلى جزء أصيل من ثقافتهم وعاداتهم وأسلوب حياتهم اليومية في التنقل والملبس والمأكل والعلاقات الإنسانية.

وطرحت الإعلامية نادين هاني، التي أدارت الجلسة، سؤالاً حول أهم ملامح وميزات المدن الذكية في الإمارات على المشاركين، وهم مدير عام مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني فلاح محمد الأحبابي، والعضو المنتدب والرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي سعيد محمد الطاير، ومدير عام بلدية دبي حسين ناصر لوتاه.

وقال الأحبابي إن مدينة أبوظبي وضعت مخططاً يرسم مستقبل المدينة، بما يكفل الاستدامة في كل الأنشطة الحياتية، يراعي قرب السكان من مراكز الخدمات وشبكات النقل، ما يمكنهم من الاستفادة القصوى من طاقاتهم في كل نواحي حياتهم العملية والاجتماعية.

وأشار إلى تأسيس أبوظبي برنامج استدامة، كإحدى وسائل بناء مدينة المستقبل المتميزة، وقال إن مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني استحدث عام 2008 برنامج استدامة بهدف تحقيق رؤية 2030، إذ يشمل البرنامج جميع الجهات الحكومية والأعمال والأفراد، معتمداً على مفهوم التعايش مع ثقافة وبيئة أبوظبي، التي تقوم على الحفاظ والعناية بأسلوب الحياة في الإمارة، بما يضمن استفادة الأجيال القادمة من القرارات أو الخطط التي يتم اتخاذها اليوم.

وأوضح الأحبابي أن المبادئ التي قام عليها برنامج استدامة تتعدى كونه صديقاً للبيئة، وتبنَّى أسلوب المباني الخضراء، إلى نقل تراث وحضارة البلاد إلى الأجيال اللاحقة، وبناء مجمعات حضرية، تمكن المجتمع من الازدهار في ظل إدراج البيئة كإحدى أهم الأولويات، مضيفاً أن البرنامج مستدام، ومستمر في التطور، وواضح المعالم، وقائم على رؤية بعيدة المدى، وتدعمه أربعة محاور رئيسة، هي الاقتصاد والبيئة المجتمع والثقافة.

وأشار إلى البرنامج سيلامس أوجهاً كثيرة من الحياة اليومية، مثل المناهج الدراسية، والطريقة التي يتخذ بها صندوق الثروة السيادية القرارات المتعلقة بالاستثمار، وكيفية بناء وتخطيط البنية التحتية، وسلامة الأرض، والأنظمة البيئية المائية، ومصادر الغذاء والماء المستدامة.

ولفت الأحبابي إلى أن المجلس وضع منذ أربع سنوات معايير لشوارع مستدامة، من حيث إسهامها في المحافظة على البيئة من ناحية زيادة مساحة الأرصفة، وتوفير ممشى للفراد والدراجات، وزيادة رقعة المساحات المزروعة، وربطها بشبكات نقل تمكّنهم من الانتقال بين مساكنهم وأماكن عملهم في أقل من 10 دقائق.

وأكد أن الشوارع الحالية تم تخطيطها بما يحقق الأهداف الموضوعة قبل 30 عاماً، إلا أن مستقبل المدينة المتميزة يتطلب إعادة تصميم تلك الشوارع، بما يلبي الأهداف والمتطلبات الحالية، ويكفل توفيرها التسهيلات المطلوبة لحماية كل فئات المجتمع العمرية، مثل كبار السن والأطفال والأشخاص الذين لديهم إعاقة.

من جهته، أكد الطاير أن هيئة كهرباء ومياه دبي تطبق أفضل الممارسات العالمية في إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة التي تعد عمود الاقتصاد الأول، مشيراً إلى استخدام مؤشرات تمكن الهيئة من قياس حجم إمكاناتها الحالية والتخطيط لتلبية متطلباتها بما يحقق أهداف الاستدامة.

وأكد الطاير أن الهيئة تطمح ببلوع عام 2030 إلى خفض استهلاك الطاقة بنسبة 30%، بالتوازي مع استكمال الخطط لإعادة تأهيل نحو 30 ألف مبنى في الإمارة، لتتحول إلى مبانٍ صديقة للبيئة، مؤكداً ضرورة إنجاز البنى التشريعية التحتية، والأطر القانونية المطلوبة لجذب شركات الطاقة التي ستحفز الشركات العاملة في كل القطاعات الاقتصادية للالتزام بالمعايير الصديقة للبيئة.

وأفاد بأن طموح الهيئة أن تتمكن في المستقبل القريب من تطبيق نظام ذكي، يسهم في ترشيد استهلاك الطاقة إلى أقصى حد من خلال الربط بين مركز التحكم عبر 28 ألف محول موجودة حالياً، وبين كل أداة كهربائية موجودة في كل مبنى، ليقيس ويرصد حجم الاستهلاك بوتيرة لحظية، بحيث يتم شراء الفائض من كمية الطاقة غير المستخدمة.

إلى ذلك، أكد مدير عام بلدية دبي، حسين ناصر لوتاه، أن التطور الذي شهدته الحضارة الإنسانية، والتي كان العنصر البشري فيها أساس العمل والإنتاج بالاعتماد على نفسه بشكل كامل، مروراً بمرحلة الثورة الصناعية التي حولته إلى مشغل ووسيط للأدوات التي استحدثتها الثورة، وصولاً إلى العصر الجاري الذي يمهد لمستقبل سيكون فيه العنصر البشري المخطط والمشرف، فيما تتولى التطبيقات والأجهزة الذكية تنفيذ الخطط، بما يلبي احتياجاته وأعماله، مشيراً إلى أن ذلك لا يعني الاستغناء عن الطاقة البشرية، بل تفرغها للقيام بأعمال والانشغال باهتمامات إبداعية ومبتكرة، ستنقله إلى فضاءات أوسع، تختلف كلياً عن اهتماماته السابقة.

واعتبر لوتاه أن توفير وبناء قواعد بيانات واضحة ــ وإن كانت عن أقل وأبسط المعلومات ــ محوري وأساسي، للتمكن من التخطيط لتنفيذ مشروعات مستدامة في كل القطاعات، مشيراً إلى مشروع «مكاني»، الذي أطلقته البلدية لتحديد المواقع، ورسم أقصر الخطوط بين أي نقطتين واقعتين في الإمارة، والذي سيعمل بدوره على خدمة المدينة الذكية بنسبة أكبر حين يتم استخدامه على مستوى كل الدوائر والقطاعات.

إلى ذلك، لفت لوتاه إلى عدد من المبادرات والمشروعات التي تبنتها البلدية للمضي في مسيرة بناء دبي كمدينة متميزة ذكية تنافس أفضل وأهم مدن العالم، فأشار إلى مشروع مدينة زهرة الصحراء التي تعد نموذجاً لما وصلت إليه دبي من مراحل متقدمة في تبني معايير الاستدامة، وتعزز دورها المحوري مركزاً عالمياً للمال والأعمال، بما يضعها في مقدمة المدن التي تدعم وتسهل تطبيق وانتشار التقنيات الخضراء والنظيفة بشكل واسع.

وقال إنه سيتم بناء مدينة متكاملة، تضم مدارس، ومراكز تسوق، وعيادات ومستشفيات، ومركز شرطة، ومساجد، وغيرها من الخدمات، على مسافات متقاربة، تقلل من الازدحام، عبر الاستفادة من وسائل النقل الجماعي، في ظل توفير البنية التحتية المطلوبة، وزيادة الرقعة الخضراء، لافتاً إلى أن المدينة ستعتمد على الطاقة المتجددة، ومتطلبات البيئة، وتدوير النفايات، وستكون المباني متوافقة بما يحقق خفض درجة الحرارة، وتقليل استهلاك الكهرباء.

 

تقرير هنادي أبونعمة – الإمارات اليوم

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا