فتاة تخرج مع شاب من مطعم، فتسأله أن يوصلها الى منزلها. يطلب سيارة أجرة، فتصاب الفتاة بصدمة حين تكتشف أنه لا يملك سيارة خاصة. ينتهي المشهد بشعار «لا تحرج نفسك»، ليظهر أن المشهد هو إعلان عن قروض شخصية ميسرة يقدمها أحد المصارف لشراء سيارات خاصة. المفارقة أن المصرف الذي يعتبر استخدام النقل العام إحراجاً وانتقاصاً للرجولة، وذلك لترويج قروضه الشخصية، كان هو نفسه قد أطلق حملة إعلانية تحت شعار تخضير «الكوكب السعيد»، أحد أبرز مواضيعها الاستخدام الجماعي لوسائل النقل.

مسؤولون حكوميون يحتجون يومياً على الوضع البيئي المتردي، كأن الناس «حائط مبكى»، ويطالبون المواطنين بالمساعدة، من طريق تدابير مثل فرز النفايات في المنازل. لكن ماذا يفعل المواطنون بهذه النفايات بعد فرزها، في غياب برنامج لجمعها ومعالجتها وإعادة استعمالها؟ هل يرسلونها إلى مكاتب المسؤولين وبيوتهم؟ كان الأجدى أن يضع المسؤولون قيد التطبيق برنامجاً للفرز والتدوير، قبل دعوة الناس إلى القيام بهذا أو ذاك من الخطوات.

ولطالما طلع كبار القوم على الشاشات وهم يشاركون في تنظيف الشواطئ والطرقات، التي تعود إليها النفايات بعد أيام من الحملة الميمونة. وكان من الأجدى لو قام هؤلاء المسؤولون بواجباتهم في إدارة النفايات وإقفال المكبات العشوائية، ناهيك عن ردع المخالفين، لأن البيئة يحميها القانون الرادع لا الزبّالون. فتوظيف شرطي بيئي واحد يحرر المخالفات بالملوثين بناء على قانون عصري وواضح، أنفع من توظيف مئة عامل لتنظيف التلوث.وقد فرحنا يوماً حين شاهدنا مسؤولاً يوزع أكياس القماش على المتسوقين، لتشجيع استخدامها بدلاً من أكياس البلاستيك الملوثة. فاستبشرنا خيراً بقرب صدور قانون يحد من استعمال أكياس البلاستيك، من طريق فرض سعر عليها. لكن هذا لم يحصل، بل مرّت حملة اليوم اليتيم مرور الكرام، وما زال المتسوق يخرج من السوبرماركت وفي يديه خمسون كيساً بلاستيكياً في داخلها عشرون غرضاً. نحن نقدّر النيات الحسنة لمصرف «الكوكب السعيد» من خلال حملته البيئية، وللمسؤولين من خلال مشاركتهم المواطنين في حملات التنظيف وتوزيع الأكياس القماشية.

لكن بدل أن يُتبع المصرف حملته الخضراء بإعلانات تنتقص من النقل العام وتروّج قروضاً ميسرة لشراء سيارات فردية، كنا ننتظر أن يعلن، مثلاً، عن إنشاء دائرة مختصة بدراسة الأثر البيئي للمشاريع التي يتقدم أصحابها بطلبات قروض، أو أن يموّل برامج دراسات بيئية جامعية، أو يدعم خطة عمل للتحول إلى الاقتصاد الأخضر، بما فيه النقل المستدام.

كما كنا ننتظر من المسؤولين وضع قوانين وبرامج وتطبيقها، مع نظام حوافز وروادع مالية، بدل الاكتفاء برفع الشكوى إلى الناس وجعلهم حائط مبكى. إذا كانت العجائب ممكنة مع أليس في عالم والت ديزني، فالعمل البيئي الجاد يتطلب علماً وخططاً وبرامج، ولا تحصل بالمصادفة. بعض الصخب البيئي يجعلنا فعلاً نظن كأننا نرافق أليس كل يوم في رحلتها إلى بلاد العجائب.

الحياة – السبت, 06 نوفمبر 2010
نجيب صعب *

* ناشر ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا