* دينا محمد نجيب الشريف

الطبيعة الجغرافية لمصرف البحر الفرعوني

يُعد “البحر الفرعوني” واحدًا من أكبر وأهم المسطحات المائية بمحافظة المنوفية, يبلُغ طوله 32 كم تقريبًا وعرضه يتراوح ما بين 100-300 م ومساحته الإجمالية نحو 2500 فدان، حيث تطل عليه أكثر من 50 قرية بمراكز أشمون، الباجور ومنوف. يتميز البحر الفرعوني بطبيعة جغرافية خاصة حيث أن الماء فيه يتجه عكس البحار الأخرى وهو ما يعطيه ميزة خاصة، كما يُطلق الأهالي عليه اسم “البحر الأعمى” نَظرًا لعدم تجدد مياهه فهو عبارة عن بحيرة مغلقة يتم تجميع مياه الصرف الزراعي بها وله مخرج واحد عبارة عن مصرف كبير لتوصيل المياه للبحر المتوسط. ينقسم البحر الفرعوني إلى ثلاثة أجزاء الأول محصور بين فرع دمياط والرياح المنوفي، وجزء ثان يمتد من الرياح المنوفي للكوبرى الذى يربط قريتى “كفر فيشا وفيشا الكبرى” وجزء ثالث من كوبري “فيشا” بمدينة منوف.

ويعتبر البحر الفرعوني واحدًا من المصادر الهامة لمصايد الأسماك للعديد من مدن محافظة المنوفية حيث يبلغ إنتاجه تقريبًا 2675 طن سمك سنويًا ويعمل به أكثر من 5 آلاف صياد توارثوا حرفة الصيد وصنع الشباك في تلك المنطقة عن الأجداد منذ عصر الفراعنة وحتى الآن.

البحر الفرعوني

البحر الفرعوني بين الماضي والحاضر

البحرالفرعوني في الماضي، كانت مياهه تشتهر قديمًا بإنتاج أجود الأسماك، وطالما زار المنطقة وفود من الدول العربية والأجنبية للتعلم منا والإستفادة من خبرتنا، وكانت أسماك البلطي التي يتم اصطيادها من البحر الفرعوني تتميز عن غيرها بأسواق القاهرة وكانت تباع بسعر أغلى نظرًا لجودتها، وكانت عجلة الإنتاج تسير والجميع يعمل وخاصة صانعو الشباك وتجار الأسماك.

أما الآن أصبح البحر الفرعوني يواجه كثير من التعديات، بالإضافة إلى تحول مساحات أخرى من البحر إلى مقالب للقمامة، وقيام الأهالي بالتخلص من مخلفات الصرف الصحي عن طريق القائها بالمياه، وعدم مراعاه خطورة هذا التصرف على البيئة والصحة العامة. كما تدهور إنتاج الأسماك فأصبح لا يكفي حتى سكان المنطقة، وكثيرًا ما نشاهد كميات كبيرة من الأسماك الميتة تطفو على سطح المياه، والسبب وراء ذلك هو الإهمال.

في الماضي كان من الصعب مشاهدة أحد الأهالي يقوم بالقاء كيس قمامة في مياه البحر، أما الآن فنجد سيارات كبيرة تقوم بتفريغ حمولاتها في المياه، كما أن هناك كميات كبيرة من المخلفات يتم حرقها بشكل يومي بالقرب من الشاطئ تؤدي إلى إصابة الأطفال بحساسية الصدر، وأصبحت المياه نفسها أيضًا مصدر للروائح الكريهة، ولنا أن نتخيل مسطح مائي تزيد مساحته عن 2500 فدان بها تلك الكميات الكبيرة من الملوثات ماذا سيفعل بالسكان المحيطين به، فهناك المئات من المصابين من أبناء قرى المنطقة بأمراض الفشل والتليف الكبدي، بالإضافة إلى حالات التيفود والفلاريا وغير ذلك من الأمراض الخطيرة التي تنتشر بسبب التلوث. رغم كل هذا إلا أن الطبيعة الجغرافية للبحر الفرعوني أدت إلى صموده منذ عصر الفراعنة حتى الآن، على الرغم من كمية الملوثات التي نالته.

البحر الفرعوني

تعرض أجزاء من البحر الفرعوني للردم وتقلص مساحته بمرور الأيام تدريجيًا

مشكلة تلوث مياه البحر الفرعوني مشكلة قديمة ولكنها تزداد بمرور الأيام، والأن ظهرت مشكلة أخرى لا تقل خطورة عنها، حيث يقوم البعض بردم مساحات كبيرة من المياه، وتحويلها إلى أراض مبان، حيث يشهد البحر الفرعوني تعديات يومية من قبل الأهالي والخارجين على القانون، الذين يقومون بردم مساحات كبيرة منه للبناء عليها، أو عرض الأراضي الناتجة عن عملية الردم للبيع، وتحقيق مكاسب خيالية من وراء ذلك، وهناك بالفعل عمارات سكنية تم انشاؤها، وخاصة في ظل فترة الإنفلات الأمني التي تلت ثورة 25 يناير، وتوجه الصيادون بالمئات من الشكاوى للمسئولين بالمحافظة، وكما تم تحرير العديد من المحاضر ضد من يقومون بردم البحر الفرعوني، ومازالت تلك المحاضر أيضًا محل تحقيقات طويلة لاتنتهي.

تشريد بعض الأسر واتجاههم للعمل بحرف أخرى

بمرور الوقت ساءت أحوال الصيادين وتحولت حرفة الصيد إلى حرفة غير مربحة وتعود على من يمتهنها بالمتاعب دون تحقيق مكسب مادي, مما اضطر بعض الأسر هناك إلى ترك المنطقة واتجاههم للعمل بحرف أخرى، حيث تراكمت عليهم الديون بعد أن كانوا يحققون المكاسب، مما أثر بالسلب أيضٵ على عملية بيع الشباك بسبب توقف عملية الصيد في أماكن عديدة من البحر وهي المناطق الأكثر تأثرًا بالتلوث. كما أن هناك مخططات لإقامة قرى سياحية بالمنطقة بعد طرد الصيادين منها, ورغم ذلك فهناك إصرار من بعض الصيادين على مواصلة صمودهم في سبيل أكل عيشهم وهو الذي يجعلهم يقفون في وجه خطط تحويل المنطقة إلى قرى سياحية عن طريق بناء الفلل والعمارات السكنية، التي حتمًا ستباع لمن يملك الثمن.

إحدى الدراسات التي أُجريت على مصرف البحر الفرعوني في جامعة المنوفية

1- مشكلة البحر الفرعوني نالت جانبًا من الدراسات الأكاديمية في جامعة المنوفية, حيث أُجريت إحدى الدراسات على مصرف البحر الفرعوني على مدار أربعة مواسم عام 2017, تم خلالها تقييم جودة المياه من خلال قياس بعض الخصائص الفزيائية والكيميائية (درجة الحرارة, شفافية المياه, التوصيل الكهربي, الأكسجين الذائب, الأكسجين المستهلك حيويًا, الأكسجين المستهلك كيميائيًا, النيتريت, النترات, الأمونيا) كما تم تعيين مستويات العناصر الثقيلة مثل (الحديد – الزنك – المنجنيز – النحاس ـ الرصاص) في مياه مصرف البحر الفرعوني بمحافظة المنوفية ومعدل تراكم هذه العناصر في عضلات وكبد أسماك القراميط Clarias gariepinus حيث تم تجميع عينات المياه والأسماك من مواقع مختلفة من مصرف البحر الفرعوني وتم مقارنتها بعينات تم تجميعها من موقع غير ملوث نسبيٵ (الرياح المنوفي) وإيضاح مدى تأثير التلوث على المؤشرات الوظيفية لكل من الكبد والكلى، والجلوكوز، والكوليستيرول فى مصل دم أسماك القراميط.

2- وقد أوضحت النتائج ارتفاعٵ في تركيزات المعادن الثقيلة (الحديد – الزنك – المنجنيز – النحاس – الرصاص) في مصرف البحر الفرعوني بشكل ملحوظ مقارنة بالرياح المنوفي نظرٵ لوجود ملوثات الصرف الصحي والزراعي والصناعي وخاصة فى مدينة منوف لوجود القمامة ومحطة تنقية المياه التي تصب مباشرة مخلفاتها في مياه مصرف البحر الفرعوني وتدرجت تركيزاتها على النحو الآتى: (حديد ˂ منجنيز ˂ زنك ˂ رصاص ˂ نحاس).
3- كما شهدت معدلات تراكم المعادن الثقيلة في عضلات الأسماك التي تم تجميعها زيادة كبيرة في مصرف البحر الفرعوني عنها في عضلات الأسماك التي تم تجميعها من الرياح المنوفي. كما سجل الكبد تركيزات أعلى من العضلات في جميع الفصول خاصة فصل الربيع. كما أظهرت النتائج زيادة في المؤشرات الوظيفية لكل من الكبد والكلى؛ والجلوكوز والكوليستيرول في مصل الدم وقد سجلت ارتفاعٵ في مستوياتها تزامنٵ مع ارتفاع مستويات العناصر الثقيلة في المياه.

4- وُجد أن مؤشر جودة المياه (MQI) لمصرف البحر الفرعوني كبيئة مناسبة للأحياء المائية كان (MQI > 1) ولاستخدام مياهه في الري كان (MQI ˂ 1) وعليه تم تصنيف مياه البحر الفرعوني على إنها غير مناسبة للأحياء المائية بينما دل مؤشر جودة المياه على إنها مقبولة كمصدر لمياه الري.

5- وأما بالنسبة لقياس مدى خطورة التعرض للمعادن الثقيلة على صحة الإنسان بواسطة استهلاك عضلات سمكة القرموط في مصرف البحر الفرعوني, وجد أن الكبد له قدرة عالية من حيث تراكم المعادن الثقيلة, في حين أن العضلات كانت لها قدرة تراكمية ضئيلة. ولقد أوضح معامل الخطر لكل معدن ثقيل على حدة في سمكة القرموط بأنه لا يشكل أية خطورة على صحة الإنسان (HQ < 1) وأيضا قيمة مؤشر الخطر العام والذى يعتمد على تراكم مجموع المعادن الثقيلة ككل أو مجتمعة فقد وصل إلى (HI < 1) لا يشكل أية خطورة محتملة لاستهلاك عضلات أسماك القراميط في مصرف البحر الفرعوني.

بعض جهود محافظة المنوفية لإعادة الحياة لمصرف البحر الفرعوني

1- إعادة تشغيل كافة “الفتحات” التي تغذي البحر بالمياه العذبة، والتي تم انسدادها في فترة ماضية بسبب انخفاض منسوب المياه خلفها وتراكم كميات من المخلفات أمامها. والآن أصبحت مياه البحر تتجدد بصفة مستمرة عن طريق كميات المياه العذبة التي يتم ضخها يوميًا، بالإضافة إلى القاء أطنان من “الزريعة” الصغيرة بالبحر لضمان زيادة الإنتاج السمكي.

2- أعطاء تعليمات مشددة بضرورة إجراء أعمال تطهير للمخلفات بالبحر الفرعوني بصفة مستمرة وإزالة الحشائش، ومتابعة عملية ضخ المياه العذبة، حتى لا تتكرر المشكلة مرة أُخرى، وإعداد دراسة عن إمكانية تعميق مجرى البحر وتطويره عن طريق لجان علمية مختصة.

3- التوعية المستمرة لسكان القرى حول البحر الفرعوني بخطورة إلقاء مخلفات الصرف الصحي أو الصناعي والتي قد يؤدي استمرار إلقائها بمياه البحر الفرعوني إلى حدوث كارثة صحية وشيكة.

4- إدراج القرى المحيطة بالبحر الفرعوني ضمن خطة مشروع الصرف الصحي، وإيجاد حلول لمشكلة التخلص من القمامة، مما تسبب في رفع معدلات التلوث التي أصبحت لا تطاق.

4- إيجاد حلول عملية لتحويل صب المصارف الزراعية والمخلفات الآدمية والصناعية إلى مناطق أُخرى خارج المناطق السكنية وإعادة تدوير هذة المخلفات بحيث يكون لها عائد إقتصادي.

5- تحريم بناء المنازل والورش والمنشآت الصناعية على ضفاف البحر الفرعوني وفرض عقوبات صارمة على كل من يخالف ذلك.

6- كما يجب تضافر جهود المحافظة وجهود الباحثين في عمل دراسات بيئية مستمرة للوقوف على الحالة الراهنة لجودة المياه وتقييم معدل التلوث الكيميائي والبيولوجي بمياه البحر الفرعوني بالإضافة إلى الهائمات النباتية والحيوانية والأسماك الموجودة بالبحر الفرعوني.

 

The alarm threatens life at El-Bahr El-Pharaony Drain
El-Bahr El-Pharaony Drain is a closed water body. In the past it linked Damietta with Rosetta, the two branches of the Nile River, at a length of about 32 Km, 100-300 meter width, 3-7 meter depth and a total area of approximately 2500 feddans. El-Bahr El-Pharaony Drain at Menoufia Governorate has a historical and economic importance. It was connected with the Nile River at Kottamiya Village and currently became closed as a result of several filling up of some parts of it in order to be used as roads or to be cultivated. It received untreated domestic sewage from numerous towns and villages in addition to the agricultural wastes (salts, nutrients and pesticides) which had a significant impact on ambient water quality and the lack of fisheries. The annual fish production of El-Bahr El-Pharaony Drain is 2675 tons and the common fish species are tilapia and carp.

دينا محمد نجيب الشريف
المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد
البريد الإلكتروني : [email protected]

تعليق واحد

  1. اريد التواصل مع الدكتورة دينا أو مع أحد أساتذة المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا