تعتبر عمليات المناجم والتعدين من الأنشطة الصناعية المؤثرة في الاقتصاد ودفع عجلة التنمية المحلية والدولية. لكنها أيضاً أحد مصادر النفايات الخطرة، وهناك عدد من العوامل والتحديات والقوانين الدولية والإقليمية والمحلية التي تحكمها.

العامل الاقتصادي للتلوث مهم جداً، من منظور التكنولوجيا المتطورة والكلفة الباهظة لمعالجة المشاكل البيئية الصادرة من النشاط الصناعي، إضافة الى قيمة علاج المواطنين المتأثرين بالتلوث، ناهيك عن كلفة علاج العمال.

التـحدي الثاني متمثل في غياب العامل الاجـتـماعي الـسـياسـي، وحق المجتمع المحلي في رفض أي أنشطة كيماوية أو صناعية أو تنقيبية ضمن نطاقه العمراني، وبالتالي يمثل دور استقلالية المجتمع في اختيار الأنشطة التي تقع في محيطه القروي أو المدني.

إنتاج المواد السامة قد يكون مباشراً، أي بنشاط الصناعة نفسه، أو غير مباشر كنتيجة جزئية للنشاط الصناعي. ومن هذه النتائج الجزئية ما يتعلق بنقاوة الهواء الذي قد يتأثر بأعمال التنقيب والتعدين، نظراً للغبار الذي يثار في جوار عمليات الحفر وما يتبعه من إصابات آنية قد تهدد سلامة العامل والمجتمع المحيط، أو عواقب متراكمة على مدى السنين تؤثر سلباً في صحة العامل في المنشأة الصناعية أو السكان المجاورين لها وتكون عامل تدهور لمستوى نظافة البيئة وتراكم الملوثات.

أنظمة خليجية

جاء في نظام التقويم البيئي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن النشاطات البشرية والعمرانية والصناعية يرافقها في الغالب كثير من التأثيرات البيئية السلبية، التي تؤدي إلى تأثير ضار على صحة الإنسان ونوعية البيئة وقدرة الموارد الطبيعية على التجدد والاستمرار. وأقر المجلس في قمة مسقط عام 1985 «اعتماد مبدأ التقويم البيئي للمشاريع، وإعداد دراسات التقويم البيئي ضمن دراسات الجدوى، وربط ترخيص المشاريع والمرافق بموافقة الجهة المسؤولة عن حماية البيئة على نتائج هذه الدراسات».

ويجب أن تشمل العوامل التي تؤخذ في الاعتبار عند تحليل التفاعلات البيئية المحتملة ما يأتي:

> أي أثر بيئي على الأنظمة الإيكولوجية في منطقة المشروع أو أي أنظمة إيكولوجية قد تتأثر بالمشروع.

> أي تأثير على مكان أو مبنى له أهمية جمالية أو أثرية أو ترفيهية أو انثروبولوجية أو معمارية أو ثقافية أو تاريخية أو علمية أو اجتماعية، أو أي خصائص بيئية أخرى لها قيمة خاصة للحاضر أو للأجيال القادمة.

> أي تهديد لأي نوع من المجموعات الحيوانية والنباتية.

> أي تأثير على البيئة بعيد المدى.

> أي تغير في نوعية البيئة في المنطقة المعنية.

> أي تلوث للبيئة أو تهديد لسلامتها.

> أي تقليص لمدى الاستخدامات النافعة للبيئة.

> أي مشاكل بيئية مرتبطة بالتخلص من النفايات.

تنظيم القطاع سعودياً

ينص النظام العام للبيئة في المملكة العربية السعودية أن على الجهات المختصة المرخصة التأكد من إجراء دراسات التقويم البيئي في مرحلة دراسات الجدوى للمشروع الذي يمكن أن يحدث تأثيرات سلبية على البيئة.

وتؤكد الفقرة الثالثة من المادة التاسعة أن كل شخص يشرف على مشروع أو مرفق يقوم بأعمال لها تأثيرات سلبية محتملة هو ملزم بوضع خطط طوارئ لمنع أو تخفيف مخاطر تلك التأثيرات، ويجب أن تكون لديه الوسائل الكفيلة بتنفيذ تلك الخطط. ونلاحظ هنا أن عملية التخفيف من المخاطر تستلزم إجراء فحص دوري للتأثيرات التي قد تطرأ خلال أعمال شركات التنقيب والتعدين، ولذا يجب عليها اتخاذ إجراءات لتخفيف هذه الأضرار. وهذا ما تؤكده الفقرة الرابعة من المادة التاسعة التي توجب مراجعة دورية لمدى ملاءمة خطط الطوارئ. وتلزم المادة 13 من نظام البيئة السعودي باتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على التربة والحد من تدهورها أو تلوثها.

أما في ما يتعلق بالعقوبات، فإن المادة 17 من الفصل الثالث تلزم الجهات المختصة، عند الإخلال بالمقاييس والمعايير التي تم النص عليها في اللائحة التنفيذية، إزالة أي تأثيرات سلبية وإيقافها ومعالجة آثارها بما يتفق مع المقاييس والمعايير البيئية خلال مدة معينة، وتقديم تقرير عن الخطوات التي تم القيام بها لمنع تكرار حدوث أي مخالفات لتلك المقاييس والمعايير في المستقبل، على أن تحظى هذه الخطوات بموافقة الجهة المختصة.

وفي دراسة للدكتور عبدالله الفراج حول مهد الذهب والشركات التعدينية في تلك المنطقة، جاء أن النسب المرتفعة من المواد الخطرة قد تتسبب في مشاكل صحية ما لم تتم معالـجـتها عـبر تـغطـية المرادم وانـشـاء مـرادم أخرى بعيدة مـن المـنـاطـق الـمأهولة، مع الالتزام بالتغطية اليومية لتلك المرادم. وأكدت الدراسة أهمية الوعي البيئي للسكان لمعرفة الاخطار التي قد تنشأ من مثل هذه الانشطة ما لم تتخذ احتياطات السلامة والوقاية.

ويتحتم على الشركات العاملة في المناجم والتعدين عدم الإخلال بأنظمة العمل، وبمسؤوليتها تجاه العاملين لديها عند إصابتهم أو إيقافهم عن العمل، متخلية بذلك عمن قدموا جزءاً من صحتهم وجهدهم في سبيل نجاح الشركة. فإضافة إلى ما تمليه أنظمة العمل من تعويضات وحق العلاج، يبقى على تلك الشركات ألا تهمل تقديم واجبها تجاههم بما يضمن لهم العيش بكرامة، خصوصاً إذا كانت الإصابة تحجمهم عن العمل في ما بعد. فبذلك تضرب نموذجاً في تطبيق المسؤولية الاجتماعية والبيئية لشركات المناجم والتعدين.

 

يحيى الزهراني
باحث سعودي متخصص بالقانون الدولي في مجال المسؤولية الاجتماعية والبيئية للشركات
المصدر: جريدة الحياة

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا