استخدم الإنسان الكتلة الحيوية كوقود منذ فجر التاريخ، وقد زاد في السنوات الأخيرة الاهتمام العالمي باستغلال الوقود الحيوي كأحد مصادر الطاقة البديلة، بعد اعتماد البشرية لعدة عقود على الوقود الأحفوري التقليدي الذي تسبب في تغيرات مناخية حادة لكوكب الأرض.

وتعرّف الكتلة الحيوية بأنها كافة المواد التي يتم الحصول عليها من مصادر نباتية أو حيوانية، وتكون قابلة للتجدد خلال فترة زمنية، وهذه الكتلة الحيوية يمكن استغلالها لإنتاج الوقود الحيوي “Biofuel” سواء كان هذا الوقود على شكل وقود صلب كالفحم والخشب والفضلات الحيوانية، أو سائل كالديزل الحيوي والزيوت النباتية والإيثانول وسلسلة بي، أو كان هذا الوقود على شكل غازي كالميثان والهيدروجين.

جيل جديد
شهدت صناعة الوقود الحيوي تطورات كبيرة منذ مطلع القرن الحالي، حيث استخدمت سابقا بعض المنتجات الزراعية كالذرة وقصب السكر وغيرهما لإنتاج الوقود الذي استخدم لتشغيل محركات بعض وسائط النقل، وقد دعمت كثير من الجهات المختصة في قطاع الطاقة هذا النوع من الوقود، نظرا لكونه وقودا متجددا يمكن أن يكون بديلا عن الوقود الأحفوري، كما أنه نظيف وأقل تلويثا للبيئة، إذ إن الوقود الحيوي يحتوي على كربون يكون حديثا في جو الأرض، وهذا يختلف عن الوقود الأحفوري الذي يحتوي على كربون تمت إزالته من جو الأرض منذ ملايين السنين وتم تخزينه في باطن الأرض.

إلا أن هذه المميزات الإيجابية كانت على حساب قوت الإنسان وطعامه، حيث يتم تحويل جانب كبير من الغلال النباتية كالذرة للحصول على هذا النوع من الوقود، كما يتطلب إنتاجه استغلال مساحات زراعية شاسعة واستهلاك كميات ضخمة من المياه والأسمدة والمبيدات الزراعية وإجراء تعديلات في محركات وسائط النقل المختلفة.

هذه المعوقات أدت إلى تطوير تقنيات كيميائية وحيوية لاستغلال المخلفات العضوية والزراعية، كأعواد الذرة والرقائق الخشبية ومخلفات الزراعة وقمامة المدن لإنتاج الوقود الحيوي، والكف عن استغلال الغلال والمحاصيل الزراعية لإنتاج الطاقة، وهذا أدى إلى تطوير الجيل الثاني من مفاعلات الوقود الحيوي التي ستعمل على إنتاج وقود يمكن استعماله بشكل مباشر في المحركات أو خلطه مع الوقود الأحفوري، وقد لقيت هذه التقنية دعما كبيرا من عدد من الشركات العالمية والجهات المهتمة بالطاقة، حيث أعلنت مؤخرا الخطوط الجوية البريطانية أنها ستزود محركات طائراتها بوقود الجيل الثاني المستخرج من النفايات والقمامة والمخلفات العضوية، وذلك مع نهاية عام 2015.

وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، تم تشييد محطة “غرين سكاي” (Greensky) في لندن لمعالجة المخلفات العضوية وإنتاج الوقود الحيوي، حيث ستعمل هذه المحطة على معالجة نحو خمسمائة ألف طن من المخلفات التي تنتجها مدينة لندن والمخلفات النباتية المختلفة، لإنتاج ستين ألف طن من وقود الطائرات في مفاعلات الوقود الحيوي من الجيل الثاني التي تستطيع التعامل مع كافة أنواع المخلفات النباتية، كمخلفات الذرة والخشب والمخلفات الزراعية والمواد العضوية النباتية.

عقبات وحلول
استطاعت المفاعلات الحيوية من الجيل الثاني أن تكون منافسا قويا للمفاعلات الحيوية القديمة، فهي صديقة للبيئة وذات كفاءة جيدة، وكما يبين المتحمسون لها فإنه عما قريب سيكون الوقود الناتج منها منافسا قويا للوقود النفطي التقليدي، كما أنها لا تحتاج إلى دعم حكومي، وهذا شجع على إقامة عدد من هذه المفاعلات في عدة دول كفنلندا وأميركا.

لقد اعتمدت التقنيات السابقة على إنتاج الوقود الحيوي وهو الكحول الإيثيلي من عملية التخمر للذرة وقصب السكر وغيرهما، حيث يتم الحصول على الإيثانول الذي يتم مزجه مع الوقود الأحفوري ضمن نسب محددة.

إلا أن تطبيق هذه العملية على المخلفات النباتية المختلفة وإجراء عملية التخمير التقليدية يعتبر أمرا متعذرا، إذ إن تلك المخلفات تحتوي على سلاسل طويلة وقوية من الجزيئات، فالسليلوز واللجنين لا يمكن للخميرة أن تهضمهما، وهذا حدا بالباحثين إلى استخدام بعض الإنزيمات والأحماض لمعالجة تلك السلاسل الطويلة والقوية، كما تم استخدام طريقة المعالجة الحرارية والكيميائية والتي تسمى بالتحويل إلى غاز، حيث يتم تسخين تلك المخلفات العضوية الغنية بالكربون إلى 3500 درجة مئوية باستخدام قذائف من البلازما المُؤيّنة، والتي تنتج غازا مركبا يتكون من الهيدروجين وأول أكسيد الكربون ونسبة ضئيلة من ثاني أكسيد الكربون وعدد آخر من الغازات، وهذه الطريقة الحديثة طورتها شركة “سولينا فيولز” المتخصصة في إنتاج الطاقة المتجددة في أميركا، وطبقت في محطة “غرين سكاي” في لندن.

وبعد الحصول على الغاز المركب، يتم نقله إلى وحدة المفاعل الكيميائي “فيشر-تروبش” (Fischer-Tropsch)، حيث يتم مزج الهيدروجين مع أول أكسيد الكربون لتكوين سلاسل هيدروكربونية سائلة طويلة بلا روابط ثنائية أو مركبات حلقية، وهذه الوحدة تتميز بصغر حجمها، وتستخدم محفزات الكوبلت التي تستطيع هندسة الجزيئات الكيميائية بمستوى النانومتر وترتيبها ضمن سلاسل طويلة، وهذه الوحدة تشبه إلى حد كبير وحدات التحويل إلى غاز “بايوماكس” (BioMax) الموجودة في ولاية كولورادو الأميركية، التي تستطيع تحويل كافة أنواع المخلفات الحيوية والفضلات العضوية، كبقايا الطعام والورق التالف والمخلفات النباتية والأخشاب إلى غاز مركب ليتم استخدامه عوضا عن الغاز الطبيعي.

مميزات واعدة
تتميز طريقة إنتاج الوقود على مرحلتين بإنتاج وقود هيدروكربوني نظيف يخلو من المركبات الحلقية والروابط الثنائية، مما يؤهله لأن يكون وقودا نظيفا لا يلوث البيئة.

لقد سعى فريق من الباحثين إلى تطوير هذه الطريقة باستخدام مرحلة واحدة بدلا من المرحلتين، حيث يتم تسخين المخلفات الحيوية بمعزل عن الأكسجين إلى خمسمائة درجة مئوية للحصول على سوائل عضوية يتم تنقيتها ومعالجتها لاحقا لتحويلها إلى وقود، وتعرف هذه الطريقة -التي ما زالت تجريبية- بطريقة الانحلال الحراري، والتي ما زالت بحاجة إلى مزيد من الأبحاث للاعتماد عليها مستقبلا.

إن التقدم المطرد في أبحاث إنتاج الوقود الحيوي سيعيد لهذا النوع من الوقود ألقه ومكانته المهمة كأحد أقدم أنواع الوقود التي عرفها الإنسان، وكوقود لإنتاج طاقة المستقبل.

المهندس أمجد قاسم

الجزيرة

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا