مع التطور الصناعي والتكنولوجي طفت قضية التلوث البيئي إلى السطح وأصبحت تؤرق العديد من الدول نظراً للأخطار التي تشكلها على حياة الإنسان, وعادةً ما تتلوث البيئة عند اختلاطها بعناصر ونفايات نفطية  محدثة أضراراً جمة على كافة أشكال الحياة ويؤدي بالنهاية إلى موت وانقراض الملايين من الكائنات الحية ومن كافة الأجناس والأنواع والأحجام وإلى تعطل أغلب الخدمات الملاحية وتدمير السياحة من خلال تلويثه المياه والشواطئ وإلحاق الضرر بمحطات تحلية المياه ووصول بعض المواد الكيميائية الناتجة من النفط إلى مياه الشرب وكذا يؤدي إلى انخفاض كبير في إنتاجية صيد الأسماك، ويسهم تلوث البيئة في انتشار الكثير من الجراثيم التي تسبب الأمراض للناس منها أنفلونزا الأمراض الوبائية القاتلة التي تنتشر بسرعة في الوسط البيئي.

فهد حنبل -يقطن في أحد الأحياء المجاورة للقطاع 10 توتال وبلك 51 بترومسيلة, يقول في حديثه لصحيفة الناس “ينتج التلوث  عندما تقوم هذه الشركات بإشعال الآبار وتنتشر الغازات في الهواء ونشاهد ذلك بأعيننا كذلك عبر المواد المستخدمة في حفر الآبار وهي مواد سامة تتسبب في حدوث مشاكل في الزراعة والتربة”.. وتكمن المعاناة  في انتشار أمراض لم يكن الأهالي يعتادونها كأمراض السرطان والتي بلغت نسبتها في منطقة  “ساه” ما يقارب الثلاثون حالة وكذلك أمراض الفشل الكلوي وبعض أمراض الجهاز التنفسي.

ويتابع فهد حديثه “مديرية ساه ونواحيها تنال القسط الأوفر من الملوثات كغازات أول أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكربون وهناك آلاف الأطنان المكعبة من الدخان الســام تنتشر في سماء المديرية مسببة أمراضاً عدة ناتجة عن التلوث مثل التهابات الرئة والحساسية في الدم مع تسجيل عدة حالات لأمراض سرطانية لسكان المنطقة إضافة إلى عدة حالات لتشوهات خلقية في الولادات الجديدة، وهي حالات متكررة خاصة في المناطق القريبة من مواقع الشركات.

كما ناشد المواطن فهد حنبل السلطات الرسمية والجهات المعنية في المديرية  إلى التدخل العاجل وإيلاء الموضوع عناية خاصة ووضع حد لزيادة التلوث البيئي في المديرية.

وتشير بعض الإحصائيات في محافظة حضرموت التي تتواجد فيها معظم الشركات والآبار النفطية بتزايد عدد حالات الأمراض المزمنة حيث تم الكشف عن إصابة أكثر من 600 حالة بمرض السرطان التي تعد الإشعاعات النفطية أحد مسبباتها  وبلغ عدد الحالات المتوفية  في العام الماضي 151 من إجمالي  الحالات المصابة.

وينشأ التلوث البيئي في القطاعات النفطية في الجمهورية اليمنية نتيجة للعمليات الحقلية في مراحلها المختلفة، وكذا نتيجة التصريف والتخلص من السوائل والغازات المصاحبة لعمليات الانتاج والنقل، مرحلة الاستكشاف والحفر والتطوير، مرحلة الإنتاج والمعالجة، مرحلة التخزين والنقل حسب دراسة ميدانية أعدها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي ومنظمة “برلمانيون يمنيون ضد الفساد”.

وحذرت الدراسة من خطورة الوضع في العديد من مناطق إنتاج النفط في اليمن، وأوضحت أن التحاليل الكيميائية كشفت عن ارتفاع تراكيز بعض المعادن الثقيلة فيه إلى درجة النفايات الخطرة التي لا يسمح بالتخلص منها بهذه الطريقة بأي وجه من الأوجه ما لم تتم المعالجة المناسبة حسب المعايير الدولية.

محافظة مأرب هي الأخرى، فقد بينت الدراسة أن من أهم المشاكل البيئية في المحافظة تلوث الهواء الذي ينجم عن الانبعاثات الناتجة من وحدة العمليات المركزية التابع لشركة يمن – هنت للنفط (CPU)، بالإضافة إلى عمليات حرق كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، منشأة تعبئة الغاز المسال (LBG)، مصفاة مأرب، وكذلك الانبعاثات الناتجة من الشاحنات والسيارات، وعمليات حرق على المكشوف لكميات كبيرة من المخلفات النفطية والنفايات الخطرة في العراء.

ويلاحظ من خلال الطريقة التي يتم بها التخلص من تلك النفايات وعدم خضوعها لأي شكل من اشكال المعالجة المطلوبة ضعف إجراءات الرقابة البيئية وإهمال الشركات ذات العلاقة وعدم اكتراثها للمشاكل البيئية والصحية التي تترتب على هذه الاجراءات.

    مشكلة المخلفات

الصحفي علي العقيلي من سكان محافظة مارب يصف الوضع البيئي في المحافظة بقوله “هناك عدة اضرار ناجمة عن استخراج النفط والغاز. وقد تسببت تلك الملوثات والغازات والادخنة المنبعثة في تلف الزراعة وتصحر الأرض حيث أصبحت كافة أراضي مناطق وأودية مأرب لا تزرع وإن زرعت لا تظهر الزراعة إلا باستخدام المزارعين العديد من الاسمدة الزراعية والأدوية الكيميائية لمساعدة الزراعة على النضج وحصول الثمرة”.

كما عملت آبار النفط والغاز على سحب المياه الجوفية وانحسارها من بطون الأودية لاستخدام  شركات النفط المياه الجوفية لدفع النفط الخام مع أنابيب النقل الى ميناء عدن وميناء الحديدة.

ولفت العقيلي إلى انه قبل استنتاج النفط كان وادي حريب ينتج أنواع المحاصيل الزراعية ويصدرها الى صنعاء وحضرموت واليوم أصبح يستورد حتى على مستوى الخضروات والأعلاف وهكذا حال وادي مأرب ووادي الجوبة، مضيفاً أنه في الآونة الأخيرة ومنذ اكثر من عشر سنوات تضاعف عدد حالات الاصابة بأمراض السرطان (الأورام الخبيثة) وأيضاً أمراض القلب وخلال العام الواحد تذهب مئات الحالات من مديريات محافظة مأرب للعلاج في الخارج من عدة أمراض خبيثة ناجمة عن التلوث البيئي الناجم عن الغازات والأدخنة الناتجة عن استخراج النفط والغاز, ويؤكد أنّ أغلب العائدين من مصر والأردن بعد سفرهم للعلاج من اورام خبيثة وخلايا سرطانية غالباً ما يصحبون أثناء عودتهم تقارير طبية تفيد بأنّ المسبب الرئيسي هي الملوثات الناتجة عن استخراج النفط والغاز.

وتعد مشكلة المخلفات من أهم المشاكل التي تواجه الدول خاصة الدول النامية، وأصبحت تشكل إحدى الأولويات البيئية المتقدمة التي يتطلب مواجهتها والتعامل معها من خلال منظور شامل وفكر علمي يستند إلى التخطيط للإدارة المتكاملة لها ومراعاة كافة الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والفنية لتحقيق أهداف حماية البيئة والحفاظ عليها وعلى الموارد بصورة مستدامة.

الصحفي عارف بامؤمن من محافظة حضرموت عزا هذا التلوث البيئي الناتج عن المخلفات النفطية إلى عدم التزام الشركات بطرق السلامة المهنية فهي تصرف مخلفاتها بطرق غير سليمة مما ينتج أمراضا خبيثة، وهذا ما لوحظ خلال السنوات الماضية حيث تعد محافظة حضرموت من أعلى المحافظات نسبة في عدد المصابين بالسرطان، وقبل سنوات سجلت حوالي 7 حالات وفاة بمنطقة الضليعة النفطية.

وللحد من تزايد ظاهرة التلوث البيئي الناجم عن الآبار النفطية يرى بعض الخبراء إلزام شركات الحفر في قطاعي الغاز والنفط بتوفير البيانات والمعلومات عن المواد الكيميائية المستخدمة في الحفر وجعلها متاحة سهلة المنال للهيئات الرسمية والجهات البحثية ومنظمات المجتمع المدني ولعامة الناس وكذا ضرورة مراقبة وضع النظام البيئي للمياه السطحية والجوفية في مناطق الاستخراج.

بالإضافة إلى إلزام الشركات النفطية عند حفر الآبار بأن تكون في إطار قوانين حماية البيئة ولوائح حماية المياه الجوفية من التلوث, وهذا يجب أن يشمل ضمان السلامة الميكانيكية للبئر وغيرها من ضمانات السلامة البيئية.

ويضيف بامؤمن “ارتفعت الأصوات المطالبة بمحاسبة الشركة النفطية العاملة هناك دون جدوى وظل الأمر متبعا في عدد من الشركات الأخرى حتى وقت قريب”.. وبدلا من أن ينعم المواطنون بعائد النفط صاروا يتضررون منه وتحول إلى وبال يهدد البيئة بأنواع الفيروسات السامة.

    غياب الرقابة

في ذات السياق أبدى البعض استغرابهم  من التجاهل الرسمي حول هذه النفايات التي تلوث البيئة من قبل القطاعات النفطية دون أي تحركات جدية لوضع الحلول والمعالجات  للحد من هذه الإشعاعات السامة حيث بالإمكان إلزام الشركات النفطية بضروة مراعاة القضايا البيئية المتعلقة بالإدارة السليمة في التعامل مع المخلفات الصلبة والنفايات الخطرة الناتجة, علاوةً على المساهمة في توفير التمويل اللازم لتنفيذ دراسة تقييم الأثر البيئي لعملية اختيار موقع المقلب لاحتواء المخلفات الصلبة التي لها أضرار بيئية.

وقد أوصت دراسات أعدت لتقييم الاثر البيئي ضرورة إجراء دراسة مسحية لتقييم الوضع البيئي للمواد المشعة الطبيعية في مناطق انتاج النفط والغاز الطبيعي في جميع قطاعات الامتياز تشمل المخلفات والمعدات, ومراقبة طرق المعالجة والتخلص بالإضافة إلى قيام الجهات الرسمية البيئية والصحية بانشاء برنامج مراقبة وبائي في أي منطقة يتم فيها الابلاغ عن حالات انتشار إصابات مرضية من خلال الناس أو العمال في أي قطاع من قطاعات الامتياز في عموم الجمهورية، ويجب أن يشمل رقابة الوضع البيئي للهواء والماء والتربة بالإضافة الى أي مؤشرات صحية للناس الساكنين أو العاملين في مناطق الامتياز بحيث يكون هذا البرنامج الصحي له القدرة على إدراك أي توجهات للمؤشرات الصحية, كما يرى البعض إعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالأنشطة الاستكشافية وتلوث المياه وتلوث البيئة.

وكانت الحكومة قد أعلنت في وقت سابق رفضها التفاوض مع إحدى الشركات النفطية الأجنبية العاملة في البلاد، لتسببها بالتلوث البيئي مؤكدة أن القضية منظورة أمام القضاء الدولي.

على ذات الصعيد نقلت وكالة الأنباء الرسمية “سبأ” عن مصدر مسؤول بوزارة النفط والمعادن، إن قضية التلوث البيئي رفعت ضد شركة “كنديان نكسن يمن” أمام القضاء الدولي وبأنه لا يوجد أيّ تفاوض معها بخصوص القضية. وتسلم اليمن القطاع النفطي 14، من شركة “كنديان نكسن يمن” وشركائها في منطقة المسيلة بمحافظة حضرموت، في ديسمبر 2011، بعد انتهاء عقد الشركة والمحدد بـ 24 عاماً، فيما تسلمت شركة (بترومسيلة) (حكومية) إدارة القطاع بعدها.

 

أخبار اليمن

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا