تمثّل الشمس مصدراً أساسيّاً للطاقة المتجدّدة، بل إنها تضخّ إلى كوكب الأرض سنويّاً ما يزيد على 15000 ضعفاً من مجموع استهلاك البشر حاضراً في الطاقتين النووية والأحفوريّة. إذاً، هل من المستغرب أن تفكّر عقول العلماء باستبدال تلك التي تتدفق بلا انقطاع من الشمس بالطاقة الأحفوريّة؟.
تملك طاقة الشمس ثلاث خصائص على الأقل يفتقدها الوقود الأحفوري:
أولاً- لا حدود لتدفق طاقة الشمس، بمعنى أنها مستدامة وتستمر بطول عمر النظام الشمسي نفسه، وهو مرشح للبقاء لما يزيد عن 5 بلايين سنة أخرى، وفق حسابات علماء الفضاء.
وتقضي تلك الاستمرارية على الأزمات التي تضرب بنية الاقتصاد المعتمد على الطاقة الأحفوريّة، بأثر الترابط بين مدى توافر الطاقة من جهة، ودورات الاقتصاد من الجهة الثانية.
ثانياً: لا تصدر انبعاثات مضرّة عن تحويل ضوء الشمس إلى شكل آخر من الطاقة كالكهرباء والحرارة وغيرها.

ثالثاً: تتوافر طاقة الشمس في معظم أرجاء المعمورة بصورة كاملة أو جزئيّة، ما يعني إمكان استخدامها بصورة غير مركزيّة ولا إقليميّة.

وفي بديهيات الفيزياء، أن الطاقة والمادة لا تبتدعان، بل يمكن تحويلهما من شكل إلى آخر، كأن تتحوّل مادة البترول إلى طاقة.

كذلك يجدر التذكير بأن الثورة الصناعيّة مثّلت في أساسها ثورة في الطاقة، إذ حلّ المحرك وطاقته الآتية من الوقود، محل الطاقة البيولوجيّة للإنسان والحيوان.

يضاف إلى ذلك أن طاقة الشمس لا تحتاج الحلقة العالميّة من التبادل التجاري التي تفترضها الطاقة النوويّة التي توجب البحث عن خامات وقودها الذري ( خام اليورانيوم) في مناجم محدّدة. ويعني ذلك إمكان تطبيق تقنيّات الاستفادة من طاقة الشمس، كتوليد الكهرباء، على مستوى محلي تماماً، بل يمكن تطبيقه على مستوى المنزل والآلات المفردة كالمضخة والسيارة والطائرة والمدرسة والمحارف الصغيرة وغيرها.

ومن المستطاع أيضاً إنشاء محطة شمسيّة للكهرباء تعطي طاقة لضخ المياه لمسافات بعيدة. ولا يؤثّر ذلك «التفتت» في وحدات إنتاج الطاقة من الشمس، على الكلفة، بمعنى أن الوحدات الصغيرة المستخدمة في توليد الكهرباء من الشمس، ليست مكلفة.
وبقول آخر، تتكفل طاقة الشمس بكسر الترابط بين مصدر الطاقة وموقع الاستهلاك، وهو ما تعبّر عنه شبكات الربط الكهربائيّة.
واستطراداً، لا تفرض طاقة الشمس تمركز الاستثمارات، على غرار الحال في محطات الكهرباء الحراريّة مثلاً. وبديهي القول إن ذلك المعطى يشكّل انطلاقة اقتصاديّة نوعيّة في مجال تزويد المنشآت الصناعيّة والزراعيّة والاجتماعيّة الصغيرة بالكهرباء في الأماكن النائية. وفي الليل، تتكفل البطاريات القابلة لإعادة الشحن بتخزين الفائض من الكهرباء المولّدة من الشمس أثناء النهار.
ولذا، يؤدّي استعمال الطاقة الشمسيّة إلى ظهور ما لا يحصى من المؤسسات الصغيرة، بالترافق مع الانتقال من الاستثمارات الكبيرة إلى الصغيرة.

كما يشكّل الأمر تحرراً من الاعتماد على آليات الاقتصاد الحالية، مع بروز فرص لبناء علاقات إيجابيّة بين أقاليم توفر طاقة وتلك التي تستهلكها، كما يظهر في مشروع «ديزيرتك» لتوليد الكهرباء من طاقة الشمس في صحراء أفريقيا الشماليّة، ثم نقلها إلى دول أوروبا.

خيارات متنوّعة
يساهم الاعتماد على طاقة الشمس في تشكيل أسواق تعتمد على توافر المصدر محليّاً، مع بقاء سوق التكنولوجيا العالمي في آلياته، على رغم الاستخدام اللامركزي للتقنيّات بحد ذاتها، إضافة إلى عدم تمركز رؤوس الأموال المستثمرة في الطاقة.

ويفتح ذلك الأمر باباً أمام الأمل بتوسّع الحريّات الشخصيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، مع ظهور ما يشبه ثورة صناعيّة جديدة في الطاقة.

وفي المقابل، ما زال الاقتصاد العالمي معتمداً إلى حد كبير على الوقود الأحفوري في توليد الطاقة، لكنه آخذ في الابتعاد عنه لأسباب يأتي في طليعتها تلوّث الغلاف الجوي بانبعاث غازات (ميثان، ثاني أوكسيد الكربون، أول أوكسيد الكربون…) تولّد عنها ظاهرة الاحتباس الحراري، وهي أساس في آليات تقلّب المناخ.

وفي السياق عينه، يعرف عن مخزون الوقود الأحفوري أنه محدود، ومعرّض للنضوب خلال عقود قليلة، لكنه مصدر لقرابة 40 في المئة من إجمالي الطاقة عالميّاً.

في سياق اقتصادي أيضاً، تتميّز محطات الطاقة الشمسيّة بانخفاض تكلفتها على المدى المتوسط والبعيد، مقارنة بأنواع محطّات توليد الكهرباء من الوقودين الأحفوري والنووي.

على رغم أن توليد الكهرباء من مياه السدود يعتبر عملية غير ملوّثة للبيئة، إلا أن معظم مساقط المياه القابلة لذلك الاستخدام جرى استعمالها فعليّاً.

وكذلك يلفت بعض الاختصاصيين النظر إلى إمكان توليد الكهرباء من الينابيع الحارّة والحرارة المختزنة في جوف الأرض. ويعتبر الأخير من أفضل الخيارات في الطاقة النظيفة، كما أنه منخفض التكلفة.

وتشمل قائمة المصادر المستدامة للطاقة، توليد الكهرباء من أمواج البحر، وهو أمر ما زال في بداياته علميّاً وعمليّاً.

في المقابل، ينتشر أسلوب توليد الكهرباء من الرياح. ويتميّز بانخفاض تكلفة تشغيله على المدى البعيد، مقابل ارتفاع تكلفة إنشائه، خصوصاً مع الميل إلى زرع أعمدة الرياح في البحر على أعماق تتراوح بين 40 و140 متراً. وما زالت الرياح خياراً محدوداً في البلدان العربيّة.

ويحتاج استخراج الكهرباء من نباتات كالذرة والسكر، إلى نقاش مستقل، وكذلك الحال بالنسبة إلى استخراج الطاقة من النفايات.

وبقول مجمل، تشكّل الشمس خياراً مناسباً لطاقة نظيفة ومستدامة في العالم العربي، فهل يظهر قرار استراتيجي يتناسب مع الأهمية الفائقة لطاقة الشمس؟.

 

نبيل السمان – صحيفة الحياة 

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا