أين أصبح تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة؟ أين أصبحت الجمعيات والحملات المطالبة بإقراره ثم بتطبيقه؟ مضى زمن طويل على تراجع الوزارات المعنية عن تطبيق القانون وعن وعودها وتخلّيها عن مسؤولياتها وتهرّبها من ممارسة واجباتها… ولم تتمّ ملاحقتها بالشكاوى والضغوط من الحملة المدنية المهتمة بالموضوع التي كانت تعمل بوتيرة عالية سابقاً؟! هل بردت الهمة تماماً؟ هل ضرب الإحباط واليأس المفاصل؟ ام ان تمويل الحملات انتهى لينتهي معه الاهتمام؟!
كنا اقترحنا على مؤسسي وداعمي الحملة، الذين يضمون مراكز أكاديمية وجامعية وجمعيات وإعلاميين وناشطين مستقلين ونواباً، أن يتم توسيع الحملة لتشمل كل مصادر تلوث الهواء، تحت شعار «كلنا يدخّن: فكيف نخفّف؟». بمعنى أن كل فرد مسؤول بشكل او بآخر عن التسبب بانبعاثات مضرة بالبيئة، او كلنا مسؤول، بشكل او بآخر، عن تلويث بيئة الآخر، وان آفة دخان السجائر هي واحدة من بين الآفات الكثيرة والشبيهة التي تصدر عن أفراد المجتمع ككل. فكل مَن ينتقل بوسيلة نقل تعمل على الوقود الأحفوري مدخّن. وكل من يقود سيارة خاصة مدخّن كبير، لا سيما اذا كان بمفرده. وعندئذ يفترض ان تشمل مطالب الحملة تنظيم قطاع النقل وتغيير السياسات للتخفيف قدر الامكان من الانبعاثات التي تصدر عن هذا القطاع عبر تأمين اسطول نقل عام منظم ونظيف وشامل كل المناطق ومستدام وعبر زيادة الضرائب والرسوم على استخدام السيارات الخاصة (لاسيما التي تعمل بمحركات كبيرة منها) وإعادة النظر بالمعاينة الميكانيكية لناحية التشدد في مراقبة الانبعاثات وتطبيق قانون السير لناحية وقف المركبات الملوثة بشكل ظاهر على الأقل عن السير… الخ.

نعرف أن انتاج الطاقة الكهربائية واستهلاكها من مصادر عامة او خاصة يعتبر مصدراً ثانياً، متسبباً بانبعاثات كبيرة ودخان، أكبر حجماً من دخان السجائر أيضاً، ولكن كان يفترض أيضاً أن تشمل الحملة مطالب تتعلق بإعادة النظر بسياسات الطاقة عندنا لناحية منح الاولوية لإنتاجها من مصادر نظيفة كقوة دفع مياه الأنهر أو قوة الشمس والهواء واعتماد إجراءات التوفير في كل الاستخدامات والاتجاهات. وهذا ينطبق على مصادر أخرى للتلوث والدخان التي تأتي في الدرجات الثالثة وما فوق، مثل الانبعاثات الناجمة عن القطاع الصناعي عامة وعن أعمال المقالع والكسارات وورش البناء وإحراق النفايات وحرائق الأحراج… والتي تحتاج أيضاً الى استراتيجيات وسياسات مختلفة للضبط والتخفيف قدر الإمكان، لا سيما منها اعتماد مبادئ الإنتاج النظيف ومراجعة دورة حياة المنتجات من المراحل الأولى للإنتاج الى طرق الاستهلاك… الى ما بعد أن تتحول الى نفايات.

الحملة يجب أن تمتد ايضاً لتطال محاربة «السجائر الالكترونية»، وهو الاختراع الاستباقي الذي أنزلته بعض شركات التبغ الى الاسواق بحجج مختلفة، للتهرب من موجبات قوانين منع استخدام التبغ وللتهرب من دفع الضرائب على التبغ ولفتح سوق جديدة وبديلة في حال صعبت الأمور وذلك بعد اعتماد خطة زيادة نسب النيكوتين شيئاً فشيئاً في السائل المستخدم داخل هذه السجائر لتسهيل عملية الادمان عليها كبدائل عن السجائر العادية.

المؤسف واللافت أخيراً أن موضوع تلوث الهواء، او تلويث هواء الآخرين، هو موضوع بيئي وحقوقي واقتصادي وصحي بامتياز. فمن حق الإنسان استنشاق الهواء النظيف وحماية صحته وحياته… فموضوع تلوث الهواء أكثر خطورة من موضوع تلوث الغذاء، مع العلم أنه يمكن أن يكون جزءاً منه. وقد كان بالإمكان أيضاً أن يتم دمج حملة سلامة الهواء بسلامة الغذاء، كما كتبنا سابقاً. وهي مواضيع كبيرة ومعقدة جداً ومعرّضة لأن تكبر وتتعقد أكثر وأكثر كلما تقدّم اقتصاد السوق المنفلت والمنتج للسلع والأزمات والمخاطر… في وقت تتراجع الحملات ويقلّ عدد المناضلين يوماً بعد آخر!

حبيب معلوف

السفير

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا