زهرة الذهابي

بعيد نهاية سبعينيات القرن العشرين، زاد الاهتمام الإنساني بقضايا البيئة والتنمية البيئية المستدامة، إثر تزايد حدة التغيرات المناخية المهددة للحياة فوق كوكب الأرض (الأمطار الحمضية، ارتفاع درجات الحرارة، تلوث المحيطات، ثقب الأوزون، أزمة النفايات…). وشكلت المؤتمرات المناخية والقمم الدولية فعاليات استباقية، للحد من تسارع وثيرة التلوث، وتحميل المجتمع الدولي ما سيؤول إليه التغاضي عن هذه المشاكل البيئية الملحة التي اقترنت بالثورات الصناعية والعولمة.

تماشيا مع توصيات ومقترحات المجتمع الدولي للحفاظ على البيئة، وجعل الاهتمام بتنمية الموارد الطبيعية والحد من تدخل الإنسان في الطبيعة والاستثمار في الطاقات المتجددة، عملت دولة الإمارات العربية المتحدة عامة، وإمارة الشارقة بشكل خاص، على جعل فلسفة التنمية البيئية المستدامة مدخلا لبناء الاقتصاد المحلي، وحماية البيئة الوطنية بالنظر إلى الدور التاريخي والاقتصادي الذي لعبته في حياة المجتمعات الخليجية والعربية.

أطلقت الشارقة في يونيو من سنة 2014 مبادرة تدوير النفايات تحت شعار” أنت تتصل ونحن نعيد التدوير،” لأجل مساعدة الساكنة في التخلص من نفاياتها بأكثر الطرق أمنا وحفاظا على البيئة، وذلك لأجل الحد من الأساليب والعادات الغير المستدامة في هذا القطاع، التي تلوث البيئة وتسيء للمنظر العام للتهيئة الحضرية، وجاءت هذه المبادرة كخطوة استباقية للحد من خطورة تراكم النفايات ومدى تأثيرها على صحة الساكنة، خاصة مع تزايد وسائل (التغليف والتعليب البلاستيكي على سبيل المثال) لجل المنتجات الاستهلاكية لكونها سهلة التكيف مع المنتجات المصنعة، وأيضا قليلة التكلفة و خفيفة الوزن، لكن ما تسببه من أضرار وخطورة على الطبيعة يتجاوز ميزاتها، بحيث إن كيسا من البلاستيك يحتاج إلى قرن من الزمن ليتحلل في الطبيعة، و1000 سنة لقارورة من البلاستيك، وزد على ذلك باقي التأثيرات الأخرى، كما أن هذه المبادرة (الشارقية) تهدف إلى رفع مستوى الوعي البيئي لدى الساكنة، وتعزيز حس المسؤولية البيئية وعيا منها بأن ابتكار حلول ووسائل عملية لتنمية الاستدامة هو السبيل العلمي لبناء ثقافة بيئية لدى المواطن الشارقي.

خلال سنة 2017 أعلنت شركة أبو ظبي لطاقة المستقبل “مصدر” في إطار شراكة وتعاون مع شركة الشارقة للبيئة “بيئة” عن تطوير منشأة حديثة ومصممة بتقنيات عالية، تمثلت في معدات محمولة “عديمة الانبعاثات” كضاغطات النفايات الجديدة، والمكانس الكهربائية للمناطق السكنية، والمكانس الآلية، ومكانس الشوارع والقوارب التي تعمل بالطاقة الشمسية في المنطقة، والتي يمكنها جمع ما يصل إلى مائتي كيلوجرام من النفايات والمخلفات الموجودة في الشارقة(1) ، وذلك لتحويلها إلى طاقة متجددة والاستفادة منها عوض هدرها والتخلص منها بطرق غير سليمة، وخاصة مع ظهور قطاع تدبير النفايات ونجاح العديد من التجارب الدولية التي برهنت على مدى أهمية وإمكانية الاستفادة من النفايات وتحويلها إلى موارد ومكاسب اقتصادية اجتماعية تعود على البيئة وعلى الساكنة بالنفع.

وستعمل هذه المنشأة المبتكرة على تحويل كمية 300 ألف طن من النفايات الصلبة سنويا إلى طاقة عن طريق “رسكلتها” عوض نقلها إلى المكبات التي أصبحت تعرف ضغطا متزايدا نتيجة ازدياد كمية النفايات المنتجة سنويا، إذ سيحرق المشروع 35 طنا من النفايات الصلبة في الساعة الواحدة، وبالتالي ستحصل على 30 (ميغاواط) من الكهرباء لفائدة شبكة الشارقة(2) ، وستمكن هذه المنشأة بلوغ مدينة الشارقة إلى هدفها المنشود التي سطرته بحلول سنة 2020 وهو وصول نسبة %100 من تحويل نفاياتها إلى طاقة نظيفة.

تسعى هذه المبادرة إلى تقليص الكلفة العالية لنقل وتجميع النفايات إلى المكبات والمطامر، وأيضا تخفيف الضغط على التربة (المستعملة في طمر وتدمير النفايات في المنظورات التقليدية للتخلص من النفايات)، والتقليل من تلوثها الناتج عن تحلل وتسرب ما تحتويه النفايات من سموم إلى مصادر المياه، سواء كانت جوفية أو سطحية، وكذلك ما تلحقه من تدمير للدورة الطبيعية للنباتات، مع تراجع نسبة الأراضي المخصصة لإنشاء المطارح العمومية، بالإضافة إلى تطوير الطاقات النظيفة خلال السنوات القادمة بالاعتماد على إعادة تدوير النفايات، وتجاوز ما تلحقه هذه الظاهرة البيئية من ضرر بليغ على الأرض، لتتربع “الشارقة” على أول مدينة بدون نفايات في الشرق الأوسط، وذلك بعملها الجاد نحو البحث عن بدائل ووسائل تكنولوجية عالية الجودة تمكنها من تحويل المخلفات (الصناعية والزراعية والمنزلية…) إلى طاقة بديلة تعتمدها كبديل تنموي مستدام.

إن عملية تحويل النفايات إلى طاقة وسيلة للتخلص من القمامة بالإضافة أنها تقوم على استرجاع الموارد ذات القيمة وأيضا تساهم في التقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الهواء، واستبدال أنواع الوقود الأحفوري (نفط، فحم، غاز) بطاقة نظيفة، وهذه العملية صارت البديل لإنقاذ الأرض من قضم العديد من الموراد المحدودة في الطبيعة، والتي لا تضمن استمراريتها للأجيال القادمة في ظل هذا النمط الصناعي والاستهلاكي الذي صار رديفا للتدمير البيئي بتعبير الأيكولوجي الفرنسي “بيير ربحي”، بخلق ودفع ظاهرة الاحتباس الحراري إلى مستويات بات معها مستقبل الإنسان على كوكب الأرض رهينا بمدى وعيه بقدرته على تغيير نمط إنتاجه وسلوكه وصناعته التدميرية، وأيضا بمدى وعيه بآثار وانعكاسات الاحتباس الحراري الناتج عن تضخم المخلفات في الطبيعة ستؤدي إلى (حروب على الماء، صراعات سياسية، ارتفاع معدلات البطالة، هجرة مرتبطة بالمناخ…)(3)

إن مدافن النفايات التي تشكل أزمة للعديد من الدول النامية التي لا زالت تتعامل معها بشكل تقليدي كدفنها في المكبات وهذه الطريقة (ينبعث منها غاز الميثان وغيره من الغازات) أو إلقائها في المحيطات والمجاري المائية التي تسبب في (موت العديد من الأنواع الحية )، هي بمثابة كنز لدول أخرى حققت تجارب على المستوى العالمي من خلال اعتمادها على الطاقات البديلة المستخرجة من النفايات، مثل السويد والدنمارك واليابان وأصبحت تقوم بشراء مكبات النفايات لأجل إعادة استعمالها في مقابل ثمن زهيد قصد الاستفادة منها في إنتاج الطاقة والأسمدة.

في ظل هذه الأزمة البيئية العالمية بات من الضروري التفكير في مشاريع مستقبلية للطاقة البديلة من النفايات، عوض أن تظل هذه الأخيرة عبئا على العديد من الدول التي لم تحسن بعد في أساليبها للتعامل مع هذه الظاهرة البيئية، والتي تتسبب في أخطار كارثية على عدة مستويات.

تبقى مبادرة الشارقة وما حققته من تقدم على مستوى إنتاج الطاقات المتجددة من النفايات، من المشاريع الرائدة على المستوى العالمي عامة، والعربي خاصة، وتعد نموذجا يحتذى به في مجال الطاقات النظيفة والاستدامة البيئية، نظرا لما عكفت عليه من مجهودات ورؤى واستراتيجيات طموحة، ساهمت بشكل فعّال في الحد من التأثيرات السلبية لتداعيات التغير المناخي.

ولا زالت الشارقة تعمل على العديد من الخطط في تقييم قدرة النظم البيئية والاقتصادية لمواجهة التحديات البيئية، كما أنها انفتحت على شراكات دولية لتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة في مجموعة من الدول، وأطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة العام الجاري مبادرة “مشروع المناخ” وهي مبادرة عالمية تستهدف التأثير في حياة 10 ملايين شخص حول العالم عبر رفع الوعي ومساعدتهم على التكيف مع تداعيات التغير المناخي(4) .

 

هوامش

——–

(1) https://www.alittihad.ae/article/68081/2013/أسطول-جديد-لزيادة-جمع-النفايات-في-الشارقة
(2) http://www.aleqt.com/2018/06/21/article_1407596.html
(3) ابراهيم بجنيخ “الثورة الصناعية الثالثة ومدرسة القرن الواحد والعشرين، مجلة أفكار، الأيكولوجيا السياسية، نحو عقد جديد مع الأرض، عدد 30، اكتوبر 2018 ص40.
(4) https://www.alittihad.ae/article/79769/2018/الإمارات-تدعو-إلى-تسريع-الجهود-الدولية-لتحقيق-بنود-اتفاق-باريس-وأهداف-التنمية-المستدامة.

– صورة المقال: مصنع معالجة النفايات – شركة بيئة beeah.ae

أخبار البيئة

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا