زاهر هاشم

إذا كانت ثورة المعلومات والاتصالات قد غيرت حياتنا كثيرًا نحو الأفضل، وتركت علامة فارقة في حياة البشرية، ازداد معها عدد المنتجات التقنية، التي قدمت للمجتمع فوائد هائلة، إلا أنها خلفت وراءها ملايين الأطنان من الأجهزة المستعملة والمعطلة، والتي شكلت هاجسًا كبيرًا، ومشكلة متفاقمة تسعى الدول والحكومات للتخلص منها.

والنفايات الإلكترونية هي أشكال مختلفة من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية التي لم تعد ذات قيمة لمستخدميها أو لم تعد قادرة على القيام بالمهام المطلوبة منها بكفاءة، وتشكل النفايات الإلكترونية أكثر من 5 في المائة من إجمالي النفايات الصلبة، وتتزايد هذه النسبة مع ارتفاع مبيعات المنتجات الإلكترونية في البلدان النامية والناشئة صناعيًا بشكل خاص.

ومع دورة حياتها القصيرة، تتحول الأجهزة الإلكترونية إلى نفايات إلكترونية بوتيرة سريعة، وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 500 مليون قطعة من الهواتف المحمولة غير المستخدمة تتراكم في المنازل، وتصل ملايين الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف المحمولة وأجهزة التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية، في كل عام، إلى مرحلة نهاية عمرها الافتراضي المفيد.

ولسوء الحظ، فإن غالبية هذه المنتجات الإلكترونية ينتهي بها المطاف في مدافن النفايات، ويتم إعادة تدوير حوالي 15 في المئة فقط من النفايات الإلكترونية بشكل صحيح، بحسب منظمة “جرين بيس”  Greenpeace الناشطة في مجال البيئة.

ووفقًا لتقرير صدر في يناير 2019 عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فقد أصبحت النفايات الإلكترونية الآن أسرع النفايات نموًا في العالم، حيث بلغ حجم النفايات المقدرة 48.5 مليون طن في عام 2018.

وينتج العالم ما يقرب من 50 مليون طن من النفايات الإلكترونية سنويًا، وذلك وفقًا لتقرير للأمم المتحدة، ومن المتوقع زيادة تصل إلى 120 مليون طن في الثلاثين عامًا القادمة.

الآثار على البيئة وصحة الإنسان:

مع ازدياد استخدام المعدات الكهربائية والإلكترونية، تزداد كمية النفايات الإلكترونية التي يتم إنتاجها يوميًا بشكل كبير على مستوى العالم.

وقد أصبحت إعادة تدوير العناصر القيّمة الموجودة في النفايات الإلكترونية مثل النحاس والذهب مصدر دخل للكثيرين في البلدان النامية أو الصناعية الناشئة، ومع ذلك، فإن تقنيات إعادة التدوير البدائية، تعرّض العمال البالغين والأطفال وكذلك أسرهم لمجموعة كبيرة من المواد الخطرة.

وتنجم المخاطر الصحية المرتبطة بالنفايات الإلكترونية عن الاتصال المباشر بمواد ضارة مثل الرصاص والكادميوم والكروم، أو استنشاق الأبخرة السامة، وكذلك من تراكم المواد الكيميائية في التربة والمياه والطعام.

على سبيل المثال، يؤدي الحرق المفتوح للوحات الدوائر الإلكترونية المطبوعة إلى زيادة تركيز مركبات الديوكسين في المناطق المحيطة، والتي تتسبب في زيادة خطر الإصابة بالسرطان في حال استنشاقها من قبل العمال والسكان المحليين، ويمكن أيضًا أن تدخل المعادن السامة إلى مجرى الدم أثناء الاستخراج اليدوي للمعادن الثمينة. إن استرجاع النحاس القابل لإعادة التدوير عن طريق حرق الأسلاك المعزولة يسبب الاضطرابات العصبية، ويمكن أن يؤدي التعرض الحاد للكادميوم الموجود في أشباه الموصلات والرقائق، إلى تلف الكلى والكبد والتسبب بهشاشة العظام، كما أن التعرض على المدى الطويل للرصاص الموجود على لوحات الدوائر المطبوعة وشاشات الكمبيوتر والتلفزيون يمكن أن يضر بالجهاز العصبي المركزي والجهاز العصبي المحيطي وكذلك الكليتين، ويكون الأطفال أكثر الفئات عرضة لهذه الآثار الضارة.

كما يمكن أن تؤدي عملية استخراج المعادن الثمينة من النفايات الإلكترونية بشكل غير مدروس، إلى طرح مواد كيميائية سامة، تصل هذه المواد إلى طبقات المياه الجوفية وتؤثر بشكل خطير على جودة المياه الجوفية، ما يجعل المياه غير صالحة للاستهلاك البشري أو للأغراض
الزراعية.

عملية إعادة تدوير الإلكترونيات

تختلف مراحل عملية إعادة تدوير الأجهزة الإلكترونية، اعتمادًا على المواد التي يتم إعادة تدويرها والتقنيات المستخدمة، وقد تكون إعادة تدوير الإلكترونيات أمرًا صعبًا لأن الأجهزة الإلكترونية المهملة هي أجهزة متطورة، ومصنوعة من عدة مواد يصعب فصلها، وبنسب متفاوتة من الزجاج والمعادن والبلاستيك، وتتم عملية إعادة تدوير الإلكترونيات بشكل عام من خلال عدة مراحل تبدأ بالتجميع والنقل، حيث يضع القائمون على إعادة التدوير صناديق تجميع أو كبائن لاسترجاع الأجهزة الإلكترونية في مواقع محددة ويتم نقل النفايات الإلكترونية المجمعة من هذه المواقع إلى منشآت ومرافق إعادة التدوير.

بعد ذلك تتم معالجة المواد الموجودة وفصلها إلى منتجات نظيفة يمكن استخدامها لصنع منتجات جديدة، ومواد أخرى مهملة، ويعتبر الفصل الفعّال للمواد هو أساس إعادة تدوير الإلكترونيات، حيث يتم فصل البلاستيك والمعادن المختلفة والزجاج، ثم تتم إعادة بيع المواد المفصولة كمواد خام قابلة للاستخدام لإنتاج أجهزة إلكترونية جديدة أو غيرها من المنتجات.

أهمية إعادة تدوير النفايات الإلكترونية:

تمكننا إعادة تدوير النفايات الإلكترونية من استرداد مختلف المعادن الثمينة وغيرها من المواد، وتوفير الموارد الطبيعية (الطاقة)، والحد من التلوث، والحفاظ على المساحات المخصصة لمكبات النفايات، وخلق فرص العمل.

وتعتبر النفايات الإلكترونية مصدرًا غنيًا للمواد الخام على المستوى العالمي، على الرغم أنه يتم حاليًا استرداد ما بين 10 إلى 15 في المائة فقط من الذهب في النفايات الإلكترونية بنجاح بينما يتم فقد الباقي، ومن المفارقات أن النفايات الإلكترونية تعتبر أكثر ثراءً بالمعادن الثمينة بنسبة تقدر بـ 40 إلى 50 مرة من الخامات المستخرجة من الأرض.

ووفقًا لوكالة حماية البيئة الأمريكية، فإن إعادة تدوير مليون كمبيوتر محمول يمكن أن يوفر طاقة كهربائية لأكثر من 3600 منزل لمدة عام. ويمكن أيضًا لإعادة تدوير مليون هاتف محمول استرداد 34 كيلوجرامًا من الذهب و3500 كيلوجرامًا من الفضة و16 طنًا من النحاس.

كما أن عملية إعادة تدوير النفايات الإلكترونية هي جزء هام من عملية إدارة النفايات الصلبة، بسبب انفجار النمو في صناعة الإلكترونيات، بالإضافة إلى دورة حياة المنتج القصيرة التي أدت إلى تصاعد سريع في توليد النفايات الصلبة.

كذلك تحتوي النفايات الإلكترونية على مواد سامة مثل الرصاص والزئبق والكادميوم والكروم، وبعض المعادن الثقيلة، لذلك فإن المعالجة المناسبة ضرورية لضمان عدم إطلاق هذه المواد في الطبيعة.

أيضًا يؤدي نقل النفايات الإلكترونية خارج حدود الدول الغنية، إلى البلدان ذات العمالة الرخيصة والأساليب البدائية في إعادة التدوير، إلى مخاطر صحية عابرة للحدود قد تصعب السيطرة عليها.

من ناحية أخرى، تساعد عملية إعادة تدوير النفايات الإلكترونية على تقليل نفايات الإنتاج، حيث يتطلب تصنيع جهاز كمبيوتر واحد، نحو 1.5 طنًا من الماء، و240 كيلوجرامًا من الوقود الأحفوري، و18 كيلوجرامًا من المواد الكيميائية.

أخيراً، إذا كانت فرص إعادة تدوير النفايات الإلكترونية لا تزال محدودة في منطقتنا، أو تتم بأساليب غير فعالة، فإن بإمكاننا المساهمة في الحد من انتشار هذه النفايات السامة، والحد من وصول الأجهزة الإلكترونية إلى مكب النفايات، من خلال تقليل شراء الأجهزة الأحدث إذا لم يكن هناك ضرورة فعلية للشراء، والاستفادة من الأجهزة القديمة إذا كانت تعمل بكفاءة لكنها لا تلبي متطلباتك الحالية، وذلك ببيعها للآخرين أو إعطائها لصديق، او التبرع بها لبعض الجهات التي تقوم بصيانتها وتوزيعها على الفئات المحتاجة.

تقدم بعض الشركات أيضًا برامج لإعادة تدوير منتجاتها، كما تقدم بعض الشركات خدمات ضمان وإصلاح وترقية للأجهزة الخاصة بها.

لكن لنتذكر، قبل بيع أو إعادة تدوير الهواتف الذكية أو الكمبيوتر المحمول أو الكمبيوتر المكتبي، أو تقديمها كهدايا، علينا القيام بمسح جميع البيانات وإجراء إعادة ضبط المصنع لحماية معلوماتنا  وخصوصيتنا.

زاهر هاشم – صحفي مختص بقضايا البيئة

تعليق واحد

  1. في الحقيقة انا بحاجة إلى تعريف مصطلح المواطنة البيئية واهم اسسها إذا كان ممكن.

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا