سعيد دين *

 

إن السياسات المتعلقة بتغير المناخ التي تصمم تصميماً سليماً يمكن أن تكون جزءًا لا يتجزأ من التنمية المستدامة، إذ تؤدي استنتاجات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أن مسارات التنمية المستدامة يمكن أن تحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وأن تقلل من القابلية للتأثر بتغير المناخ. وفي نفس الوقت يمكن أن يحد تغير المناخ من قدرة الدول على تحقيق مسارات التنمية المستدامة، فلم تستطع جل الهيئات الدولية المعنية بشأن التغير المناخي ولا الاتفاقيات والمؤتمرات المناخية مجابهة تداعيات التغير المناخي والحسم في هذه المسألة، لكن مع انتشار جائحة كوفيد 19 أصبح الأمر سهل المنال، وأصبح تنفيذ التوصيات المقترحة من طرف اللجنة الدولية الحكومية لدراسة تغير المناخ (GIEC) قدرا محتما، واستعادت بذلك الأرض وغلافها الجو توازنها ونظامها البيئي.

فإلى جانب ما خلفته كورونا من معاناة نفسية ووفيات مرتفعة في مختلف المجتمعات البشرية الملوِثة منها وغير الملوِثة، شكلت 2020 سنة تغير منحى تركز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وسنة محورية لتطبيق كل السياسات الرامية إلى التخفيف والتكيف مع آثار التغير المناخي بشكل إلزامي، وكذا فرصة لنهج نفس السياسات المستدامة في السنوات اللاحقة وإعادة النظر في مستقبل التغير المناخي بعد جائحة كورونا واعتماد سبل استغلال الحوافز وخطط الإنعاش الاقتصادية دون المساس باستدامة المنظومة البيئية.

فمع تفشي جائحة كورونا لاحظ مختصون في علم الرصد المناخي بأن طبقة الأوزون أصبحت تتعافى تدريجيا، ورصدت بعض الدراسات تحسن جودة ونقاء مياه مدينة فينيسيا بإيطاليا، فضلا عن انخفاض تلوث هواء الغلاف الجوي ببكين، هكذا دواليك في معظم بلدان العالم، ويرجع السبب الرئيسي إلى انخفاض النشاط البشري وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة في الجو، بفعل حظر التجوال والحجر الصحي التي فرضته جل الدول على مواطنيها للحد من تفشي الوباء، وأسهم هذا الإجراء بشكل غير مباشر في تطبيق سياسة التخفيف والتكيف حتى ولو على الدول الصناعية الكبرى التي كانت قد عبرت عن رفضها المطلق في تطبيقها لهذه السياسات.

هذا وقد اتضح بالجلاء أن التربية من أجل المناخ قد أخذت منحى جديد، فمع زيادة الوعي بأهمية المحافظة على البيئة والتقليل من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري لاسيما غاز ثاني أوكسيد الكربون (CO2)، واعتماد الأساليب التي تساعد على تحفيز المصادر الطبيعية المعتادة، وأساليب تخفيض الانبعاثات البشرية، فضلا عن مبادرات التحسيس والتوعية وتنمية السلوكيات البيئية المسؤولة عبر إدماج التربية البيئية في السلوك اليومي. أصبح اليوم من اللازم التقيد بهذه المبادئ لإعادة توازن النظام المناخي والبيئي بشكل تام، ولضمان تحقيق تنمية مستدامة تستجيب لحاجيات الشعوب الحالية منها والمستقبلية.

أجبرت كورونا المجتمعات البشرية اللاهثة وراء تطلعاتها الاقتصادية، إلى التخفيف والتكيف من أوضاع المناخ الجديد، الذي يحدد مختلف الإجراءات والتدابير القطاعية الواجب اتخاذها في مختلف الميادين للتكيف مع التغيرات المناخية الحالية والمستقبلية.

 

* باحث في مجال العلوم البيئية والتخطيطية والتربوية

9 التعليقات

  1. مسيرة علمية موفقة استاذنا الفاضل.
    من حسنات كورونا فترة الراحة التي تستفيد منها امنا الارض

  2. لكن….هل معقول أن الإنسان ينسى أن تصيبه أمراض أخرى و يركز على كورونا؟!!

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا