زاهر هاشم

قدّرت دراسة حديثة صدرت مؤخراً عن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، أنّ ما لا يقل عن 45% من مياه الصنبور في الولايات المتحدة، تحتوي على نوع واحد أو أكثر من المواد الكيميائية المعروفة باسم مواد الألكيل المشبع بالفلور والمتعددة الفلور (PFAS) التي تسمى “الملوثات الأبدية”.

واختبر علماء هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية المياه التي جُمعت مباشرة من أحواض المطابخ في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مقدّمين الدراسة الأكثر شمولاً حتى الآن حول مركّبات PFAS في مياه الصنبور في كل من الإمدادات الخاصّة والعامّة، وتوصّلوا إلى أنّ نوعاً واحداً على الأقل من مركّبات PFAS -في تلك المصادر التي جرت مراقبتها- يمكن أن يكون موجوداً في نحو نصف مياه الصنبور في الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، كانت تركيزات PFAS متشابهة بين الإمدادات العامة والآبار الخاصة، حسبما ذكرت عالمة المياه في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، والمؤلفة الرئيسية للدراسة، كيلي سمولينغ.

ما أضرار مركّبات PFAS؟

مواد الألكيل المشبع بالفلور والمتعددة الفلور (PFAS) هي مجموعة من المواد الكيميائية المركّبة والمستخدمة في الصناعة والمنتجات الاستهلاكية منذ أربعينيات القرن العشرين.

وحسب وكالة البيئة الأمريكية، تشير الأبحاث العلميّة الحاليّة إلى أنّ التعرض لبعض مركّبات PFAS قد يؤدي إلى نتائج صحيّة ضارّة، وتشمل الآثار انخفاض الخصوبة، أو زيادة ضغط الدم لدى النساء الحوامل، واختلال النمو لدى الأطفال، بما في ذلك انخفاض الوزن عند الولادة، أو البلوغ المتسارع، أو التغيّرات السلوكية.

كما تشمل زيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، وانخفاض قدرة جهاز المناعة في الجسم على مكافحة العدوى، وزيادة مستويات الكوليسترول وخطر السمنة.

وتوجد مركّبات PFAS في الماء والتربة والهواء والغذاء وكذلك في المواد الموجودة في منازلنا، ويمكن التعرّض لها من خلال مياه الشرب الملوّثة في شبكات مياه الشرب العامة وآبار مياه الشرب الخاصّة، ومن مكبّات النفايات، وتستخدم هذه المركّبات بشكل واسع في تصنيع رغوة إطفاء الحرائق، وفي بعض الصناعات الكيميائيّة مثل مواد الطلاء، ومستحضرات التجميل، وبعض أنواع المنسوجات والورق.

ويمكن أن تنتقل هذه المركّبات إلى الغذاء عن طريق الأسماك التي يجري صيدها من المياه الملوثة، ومنتجات الألبان من الماشية المعرضة لهذه المركّبات.

هل مياه الصنبور آمنة للشرب؟

ازداد على مدى السنوات القليلة الماضية، استهلاك المياه المعبَّأة بشكل كبير، إذ ينظَر إليها على نطاق واسع على أنّها أكثر أماناً وأفضل مذاقاً من مياه الصنبور.

وتأتي مياه الصنبور من الآبار الكبيرة، أو البحيرات، أو الأنهار، أو السدود والخزانات، وتمر هذه المياه عادةً من خلال محطة معالجة المياه قبل أن تصل إلى المنازل عن طريق الأنابيب، وتخضع لعدة مراحل من التنقية وإزالة الملوثات، وإضافة مواد كيميائية لقتل الميكروبات والجراثيم.

وعلى الرغم من الرقابة التي تمارسها الهيئات الصحية والحكومية على مياه الشرب العامة، فإنّه لا يزال من الممكن أن تتعرض مناطق معينة بشكل أكبر للتلوث بملوثات صناعية أو البكتيريا، وتعزز الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل فرص تلويث أنظمة المياه العامة بمختلف الملوثات السامة والعوامل الممرِضة.

تلعب الأنابيب القديمة والمهمَلة أيضاً، دوراً مهماً في التأثير على سلامة مياه الشرب، فحتى لو كان الماء آمناً للشرب بعد أن يغادر محطة المعالجة، يمكن أن تتأثر مياه الصنبور القادمة من الأنابيب القديمة بالصدأ والمواد العضوية الأخرى في الأنابيب، أو التلوث بالمعادن السامة مثل الرصاص والزرنيخ، وقد تسبب آثاراً سلبية على صحة الإنسان.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية مراجعة للمخاطر المحتملة للبلاستيك في مياه الشرب بعد أن وجد تحليل جديد لبعض العلامات التجارية الأكثر شعبية للمياه المعبَّأة في العالم أنّ أكثر من 90% منها تحتوي على دقائق البلاستيك، معظمها من البولي بروبلين، ووجدت دراسة سابقة أيضاً مستويات عالية من اللدائن الدقيقة في مياه الصنبور.

وفي الدراسة الجديدة، وجد تحليل 259 زجاجة من 19 موقعاً في 9 بلدان عبر 11 علامة تجارية مختلفة وجود تلوث بمعدل ​​325 جزيئاً بلاستيكياً لكل لتر من الماء يباع.

وذكر العلماء أنّهم شخّصوا وجود قرابة ضعف عدد الجزيئات البلاستيكية في المياه المعبَّأة في قوارير بلاستيكية مقارنةً بدراستهم السابقة لمياه الصنبور.

التأثير البيئي لمياه الشرب

على الرغم من أنّ استخراج ومعالجة ونقل وضخ المياه إلى المنازل، يَنتج عنها أثر بيئي، وتستهلك الكثير من الطاقة خلال دورة حياة مياه الصنبور، فإنّ عدة دراسات تشير إلى أنّ هذه التأثيرات أقل بكثير من المياه المعبَّأة.

وتُظهر عدة دراسات حول الأثر الصحّي والبيئي للمقارنة بين مياه الشرب العامة والمياه المعبَّأة، أنّ مياه الشبكة العامة أكثر استدامة، وأقلّ أثراً من حيث الضرر البيئي.

وتشير دراسة بعنوان “التأثيرات البيئية لمياه الصنبور مقابل المياه المعبَّأة” الصادرة في 2018 عن مؤسسة دوفيتال بارتنرز (Dovetail Partners) الأمريكية المتخصصة في الدراسات البيئية، إلى أنّ تعبئة المياه ونقلها والتخلص من العبوات البلاستيكية بعد الاستخدام، تؤدي إلى مجموعة واسعة من الآثار السلبية التي تتجاوز بكثير تلك المرتبطة بمياه الصنبور.

وتقول الدراسة إنّ استهلاك المياه المعبَّأة، خارج الحالات المرتبطة بالصحة العامة أو الطوارئ، له تأثير بيئي كبير بشكل غير متناسب مقارنةً بمصادر مياه الصنبور الآمنة، ومن شأن تقليل استهلاك المياه المعبَّأة أن يقلل من الأعباء المادية على المستهلك ويفيد البيئة بشكل كبير.

كما أظهرت النتائج الرئيسية للدراسة أنّ أنظمة المياه المعبَّأة ذات الاستخدام الواحد تستهلك طاقة من 11 إلى 90 مرة أكثر من مياه الصنبور، ويزداد استهلاك الطاقة بزيادة مسافات النقل، ويُستهلك معظم الطاقة في عمليات إنتاج العبوات البلاستيكية، وبسبب ذلك تنتج أنظمة مياه الصنبور انبعاثات كربونية أقل من أنظمة المياه المعبَّأة.

وتشير الدراسة إلى الآثار السلبية للمياه المعبَّأة عبر مجموعة واسعة من محددات الأثر البيئي مثل السميّة البيئية، وإمكانية التحمض، وفرط المغذيات، واستنفاد الأوزون، والضباب الدخاني، وهي أكبر بكثير بالنسبة إلى المياه المعبَّأة.

ويفحص التقرير الصادر في مارس/آذار الفائت، عن معهد المياه والبيئة والصحة التابع لجامعة الأمم المتحدة (UNU-INWEH)، الحقائق والتصورات حول المياه المعبَّأة على مستوى العالم، ويثير تساؤلاً حول مساهمة صناعة المياه المعبَّأة في هدف التنمية المستدامة الخاص بالحصول الشامل على مياه الشرب المأمونة، إذ تقدَّر المبيعات العالمية الحالية للمياه المعبَّأة بنحو 270 مليار دولار أمريكي و350 مليار لتر سنوياً.

واستناداً إلى دراسة نحو 60 حالة من أكثر من 40 دولة، يوضح التقرير وجود الكثير من حالات التلوث غير العضوي والعضوي والميكروبيولوجي لمئات من العلامات التجارية من جميع أنواع المياه المعبَّأة، وأنّ هذا التلوث غالباً ما يتجاوز المعايير المحلية أو العالمية. وحسب التقرير يمثل هذا دليلاً قويّاً ضد “التصور المضلل” أنّ المياه المعبَّأة هي مصدر مياه شرب آمن بشكل قطعي.

ويمكن أن تسهم عمليات إنتاج المياه المعبَّأة في استنفاذ موارد المياه الجوفية في مناطق سحب المياه المعبَّأة، ويجمع التقرير معلومات متناثرة عن التلوّث البلاستيكي المرتبط بالمياه المعبَّأة، مشيراً إلى أنّ العالم ينتج حالياً نحو 600 مليار زجاجة بلاستيكية تصل إلى ما يقرب من 25 مليون طن من النفايات البلاستيكية، التي لا يُعاد تدويرها، ولكن يجري التخلص منها في مكبات النفايات أو على شكل نفايات غير منظمة.

ويخلص التقرير إلى أنّ أقل من نصف ما يدفعه العالم مقابل المياه المعبَّأة سنوياً سيكون كافياً لضمان وصول مياه الصنبور النظيفة لمئات الملايين من الناس من دونها لسنوات.

عن TRT عربي

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا