زاهر هاشم

يواجه العالم توسعا حضريا متزايدا، إذ أصبحت المدن الكبرى نقطة جذب للاستثمارات ومحركاً للنمو الاقتصادي. وتواجه المدن في الوقت ذاته تحديات مجتمعية مستمرة مع زيادة عدد السكان، وزيادة الضغط على البنية التحتية الحضرية، والحاجة إلى تحسين كفاءة الطاقة، وزيادة إمدادات المياه العذبة وتحسين جودة الحياة والصحة العامة.
ويعيش نحو نصف سكان العالم اليوم في المدن، وقد ترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 65% بحلول عام 2030، ورغم مساهمة مدن العالم بنحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإنها تترك أثرا بيئيا كبيرا إذ تستهلك 70% من الطاقة العالمية، وأكثر من 60% من موارد الأرض، وتتسبب في 75% من انبعاثات الكربون العالمية رغم أنها لا تشغل سوى نسبة 3% من مساحة اليابسة.

وتمتلك التقنيات الرقمية الثورية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات القدرة على حل التحديات الحضرية الكبرى والحد من الأثر البيئي السلبي للمدن، وذلك عندما تتحول المناطق الحضرية إلى “مدن ذكية”.

ما هي المدينة الذكيّة؟
المدينة الذكيّة هي منطقة حضرية تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لزيادة الكفاءة التشغيلية ومشاركة المعلومات مع الجمهور وتحسين جودة الخدمات الحكومية ورفاهية المواطنين.

وتنتشر في المدينة الذكيّة المئات أو الآلاف من أجهزة الاستشعار لجمع البيانات الإلكترونية من الأشخاص والبنى التحتية، وعنهم، من أجل تحسين الخدمات وجودة الحياة، كما يتم تزويد السكان والعاملين في المدينة بتطبيقات تسمح لهم بالوصول إلى خدمات المدينة، وتلقّي وإصدار تقارير عن انقطاع الخدمة، والحوادث، والجرائم، ودفع الضرائب والرسوم، وما شابه ذلك.

يتم التركيز في المدن الذكيّة على كفاءة الطاقة والاستدامة، وتسخير التقنيات الرقمية من أجل استخدام أفضل للموارد وتقليل الانبعاثات، ويعني ذلك شبكات نقل حضرية أكثر ذكاء، وتحسين إمدادات المياه ومرافق التخلص من النفايات، وطرق أكثر كفاءة لإضاءة وتدفئة المباني، ويعني ذلك أيضاً إدارة مدينة أكثر تفاعلية واستجابة، وأماكن عامة أكثر أماناً، وتلبية احتياجات السكان المسنين.

تكنولوجيا المدينة الذكية
تعتمد المدن الذكية بشكل أساسي على إنترنت الأشياء (IoT) إضافة إلى التطبيقات وواجهات المستخدم (UI) وشبكات الاتصال.

وإنترنت الأشياء هو عبارة عن شبكة من أجهزة الحاسوب والأجهزة الذكية والمستشعرات التي يمكنها التواصل فيما بينها وجمع وتبادل كميات هائلة من البيانات، وإرسال هذه البيانات إلى خدمة مركزية قائمة على السحابة، ومعالجة هذه البيانات ومشاركتها مع المستخدمين النهائيين بطريقة مفيدة.

إن ربط هذه الأجهزة واستخدام تحليلات البيانات يسهّل التقارب بين عناصر المدينة المادية والرقمية، وبالتالي يُحسن كفاءة القطاعين العام والخاص، ويحقق الفوائد الاقتصادية ويسهل حياة المواطنين.

تشمل تقنيات المدن الذكية الأخرى واجهات التطبيقات البرمجية، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والتعلم الآلي، والبيانات الضخمة، والتخاطب من آلة إلى آلة (M2M).

تطبيقات المدن الذكيّة
تشتمل المدن الذكية على عدد غير محدود من التطبيقات،

– النقل الذكي:
يمكن تنفيذ مجموعة متنوعة من أنظمة “النقل الذكي” في المدينة الذكية، فعلى سبيل المثال يمكن تزويد المدن المزدحمة بنظام مروري ذكي لإدارة تدفق حركة المرور يربط مركز التحكم المروري مع أجهزة استشعار وأجهزة تحكم في إشارات المرور، للكشف عن التأخير أو كمية حركة المرور عند تقاطعات معينة، والحصول على بيانات عن كثافة السير وفترات الذروة المرورية القصوى وفترات عدم الازدحام وفترات توقف المركبات وحركتها وسرعتها لاتخاذ إجراءات فورية بفتح وإغلاق شوارع محددة، وضبط توقيت الأضواء بناء على حجم حركة المرور ومدى تدفقها، كما يمكن استخدام هذه البيانات في أي وقت وتحليلها للاستفادة منها عند تطوير المدن الحالية أو عند التخطيط لبناء مدن جديدة.

في أنظمة النقل الذكي يمكن أيضاً تزويد المدن بشبكة عدادات مواقف السيارات الذكيّة المزودة بأجهزة استشعار أو شاشات أخرى تتواصل مع خادم مركزي وتطبيق لدى المستخدم، لتقديم المشورة عند توفر مكان لوقوف السيارات وتوجيه السائق إليه، وتحديد الرسوم واحتسابها تلقائياً من رصيد السائق، وإرسال تنبيهات للمستخدم وسلطات إنفاذ القانون عند انتهاء وقت الوقوف.

من الأمثلة الأخرى على أنظمة النقل الذكي يمكن الإشارة إلى أنظمة الطرق الذكيّة، حيث تزود بأجهزة استشعار لرصد المركبات التي تعتبر الطرق والبوابات المدفوعة الأجر وتخصم الرسوم من حساب المستخدم تلقائياً، أو تفرض غرامات تلقائية على المخالفين لحدود السرعة أو عدم التقيد بالمسارات.

– ترشيد ورفع كفاءة الطاقة:
يجب على المدن الذكية أن تعالج مسألة إنشاء البنية التحتية الخاصة بها باستخدام التقنيات المتطورة التي تستخدم الطاقة بكفاءة ولها تأثير ضئيل على البيئة، إذ يعد الحفاظ على الطاقة وكفاءتها في المباني والبنية التحتية والأنظمة الحضرية، من أهم أسس المدن الذكيّة.

ويعني تحسين كفاءة الطاقة استخدام طاقة أقل لتحقيق نفس النتيجة، فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام مواد البناء الموفرة للطاقة، وتركيب أنظمة الإضاءة ذات الاستهلاك المنخفض، واستخدام أنظمة تكييف الهواء الفعالة، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة، خصوصاً مع الاعتماد المتزايد على السيارات الكهربائية، وما تحتاجه من بناء محطات شحن جديدة.. كل هذه الحلول تساعد في تقليل استهلاك الطاقة، وبالتالي تقليل التأثير البيئي للمدن.

يمكن استخدام أجهزة الاستشعار لإطفاء أضواء الشوارع الذكية في حالة عدم وجود سيارات أو مشاة على الطرق، واستخدام تكنولوجيا الشبكة الذكية لتحسين العمليات والصيانة والتخطيط، وتوفير الطاقة عند الطلب ومراقبة الأعطال والانقطاعات.

– إدارة النفايات:
تؤدي أنظمة جمع النفايات التقليدية إلى عمليات التقاط وتفريغ غير ضرورية، وبالتالي تتطلب المزيد من مسارات التنقل لشاحنات الجمع ويتطلب الأمر المزيد من الوقود لإكمال عملية التجميع.

يؤدي إفراغ صناديق القمامة العامة وصناديق إعادة التدوير قبل أن تمتلئ إلى هدر الموارد وزيادة تكاليف العمالة، واستهلاك المزيد من الوقود. ومن ناحية أخرى، يؤدي إلى الانتظار فترة طويلة كي تمتلئ صناديق القمامة وصناديق إعادة التدوير، وهو أمر غير صحي ومضر بالبيئة.

أما صناديق القمامة وصناديق إعادة التدوير الذكيّة فتُزود بأجهزة استشعار تنبه شركات تجميع القمامة عندما تحتاج إلى إفراغها، مما يسمح لهذه الإدارات بتخطيط جداول وطرق أكثر كفاءة وبالتالي توفير الوقت والمال والطاقة للمدن والمجتمعات.

– الرصد البيئي:
تطبيق يسمح للمدن والمجتمعات الذكية بالتنبؤ بالظروف البيئية الخطيرة المحتملة. وتقوم هذه المستشعرات بمراقبة الظروف البيئية، بما في ذلك درجة الحرارة وهطول الأمطار والرطوبة والرياح والإشعاع الشمسي والضغط الجوي وعوامل أخرى.

ومن خلال البيانات الثابتة في الوقت الحقيقي عن الظروف البيئية، يمكن للمدن والمجتمعات أن تسترشد بها لرسم سياساتها البيئية بشكل أفضل، ومراقبة جودة الهواء، والتنبؤ بالأحداث الجوية، وحماية البنى التحتية الحيوية.

مخاوف الخصوصية
يمكن للمدن والمجتمعات الذكية جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات لأتمتة العمليات وتحسين جودة الخدمة واتخاذ قرارات أفضل، وبعبارة أخرى، فإن جمع البيانات على هذا النحو هو ما يجعل المدن والمجتمعات “ذكية”.

ويؤدي ذلك إلى توفير الكلفة والوقت، وزيادة الإنتاجية، والصحة والسلامة العامة، والمساعدة في الحد من الانبعاثات المسببة لتغير المناخ، وهو ما ينعكس بالفائدة على الحكومات والمقيمين وزوار المدن الذكيّة.

لكن جمع البيانات في المدن الذكية يعد أيضاً مصدراً لمخاوف هتك الخصوصية عندما يتضمن جمع البيانات معلومات تعريف شخصية.

وتشكل تقنيات المدن الذكية التي تجمع البيانات عن السكان، وخاصة البيانات الحساسة -مثل المعلومات الشخصية التي يمكن استخدامها لسرقة الهوية- أهدافاً جذابة لمجرمي الإنترنت. وعلاوة على ذلك، فإن كل جهاز متصل بالإنترنت يشارك في جمع أو نقل أو استقبال بيانات المدينة الذكيّة يمثل ثغرة أمنية محتملة، مما يجعل الأمن السيبراني جزءاً لا يتجزأ من حماية خصوصية بيانات السكان.

وتحتاج المدن والمجتمعات إلى الموازنة بين المخاوف بشأن مخاطر الأمن السيبراني والاستخدام التجاري للبيانات والمراقبة الحكومية المحتملة، وبين المخاوف الأخرى مثل السلامة العامة والاستدامة والاستخدامات المفيدة للبيانات والتكلفة.

المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا