ما الذي يحدث عندما يُعقد مؤتمر أممي حول التنمية المستدامة ويتزاحم قادة العالم لإلقاء الخطب العصماء، وتوقيع المعاهدات ثم ينفض السامر دون أن يحصل شيء؟ بالطبع سيكون ذلك ضرباً من العبث. لكن المشكلة، حسب “بيل إيسترلي”، الخبير في التنمية بجامعة نيويورك، أنه بالفعل لم يحصل شيء منذ انعقاد قمة “ريو” حول الأرض قبل عشرين عاماً والتي اجتمع فيها قادة العالم من مختلف الدول وتعهدوا بالتصدي لأهم المشكلات البيئية التي تواجه العالم، فقط لتتلوها مؤتمرات عديدة لاحقة دون أن تحقق الأهداف المرجوة، وبصرف النظر عما تحقق من خطوات عملية يمكن النظر إلى قمة الأرض قبل عشرين عاماً على أنها البداية التي دشنت نقاشاً عالمياً حول الأخطار التي تتهدد الأرض بسبب انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بنسب كبيرة، ونشر الوعي بالعواقب الوخيمة التي تواجه الأمم جميعاً، إذا لم تبدِ جدية أكبر في إقرار تنمية مستدامة تقوم على أسس بيئية سليمة، هذا الوعي المتزايد لدى الرأي العام الدولي والمنظمات العالمية المعنية بالتنمية المستدامة وعلاقتها بالبيئة، هو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى التأكيد على أهمية مؤتمر الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة الذي سيقعد قريباً، حيث صرح لصحيفة “الجارديان” البريطانية قائلاً: “إذا لم نقم بتحرك حاسم فإننا بالفعل نكون متجهين إلى نهاية المستقبل”.

وتبقى المشكلة الأساسية في التعامل مع القضايا البيئية، هي ما يتعلق بالدول النامية، إذ كيف للبلدان الفقيرة التي تحتاج اقتصاداتها للمزيد من الصناعات والمعامل لتوفير العمل للمواطنين وخلق الثروة، أن تقوم بكل ذلك دون تكرار التجربة الغربية في تلويث البيئة والتسبب في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

والأكثر من ذلك أن مصادر الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والوقود الحيوي وغيرها، ما زالت كُلفتها أغلى بكثير من الوقود الأحفوري الذي اعتمدت عليه الدول الغنية بكثافة لتصل إلى مستواها الحالي من التنمية، لهذا تطالب العديد من البلدان الفقيرة بمساهمة نظيرتها الغنية من خلال دعم وتمويل مصادر الطاقة النظيفة. والحال، كما يقول مراسل الـ”بي بي سي” للشؤون البيئية “ريتشارد بلاك”، أنه لا يوجد استعداد حالياً لدى الدول الغنية في العالم للتقيد بالتزامات مالية تجاه أي كان، وتكفي الإشارة هنا أن الرئيس أوباما والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، قرروا عدم المشاركة في قمة “ريو” للتنمية المستدامة التي تنظمها الأمم المتحدة. والحقيقة أن القادة الغربيين منشغلون في هذه الفترة بإشكالات كثيرة ربما حالت دون تركيزهم على قضايا البيئة والتنمية المستدامة، لاسيما في ظل أزمة الديون الطاحنة التي تتخبط فيها العديد من الدول الأوروبية، ولجوء بعض الدول مثل البرتغال التي تتحمل ديناً يضاعف الناتج الداخلي الإجمالي مرتين (400 مليار يورو)، إلى مستعمرتها السابقة أنجولا طلباً للمساعدة المالية. هذا في الوقت الذي منحت فيه البرازيل التي تستضيف القمة الأممية حول التنمية المستدامة في نسختها الثانية بعد عشرين عاماً على عقد الأولى، تذاكر سفر مجانية، بالإضافة إلى توفير السكن والمأكل لوفود الدول الفقيرة التي لا تستطيع إرسال مبعوثيها إلى البرازيل.

ولا ننسى أن الولايات المتحدة تشهد موسماً انتخابياً محتدماً واقتصاداً ضعيفاً، جعل من الصعب على قادتها التركيز على قضايا البيئة.

هذه المشكلات التي تصرف انتباه قادة الدول الغربية يعبر عنها الصحفي “فرانيس فورهيز”، قائلاً إن “الإشكال الحقيقي اليوم، والذي يشغل بال العالم، هو الأزمة المالية، لذا من المهم التساؤل عن الموارد التي ستحصل عليها القمة لتمويل التزامات الدول في ظل شح الإمكانات في القارة الأوروبية”.

وقد انعكس غياب الاهتمام بقمة “ريو” للتنمية المستدامة في غياب التزامات كبيرة يقطعها عادة قادة الدول الكبرى بشأن تغيير سياساتهم البيئية، وهو ما دفع الصين التي ستصبح عما قريب أكبر دولة ملوثة في العالم، إلى دعوة الدول النامية إلى تولي القيادة في قمة “ريو” وعدم ترك المجال للبلدان الغنية لتحديد الأجندة وفرض الشروط. فهل يعني كل ذلك أن العالم “يمشي حثيثاً نحو الكارثة”، كما عبر عن ذلك الأمير تشارلز؟ ربما يغري العجز الحالي في تعبئة جهود دولية للالتزام بتنمية مستدامة بالتشاؤم والتحذير من كارثة بيئية تنتظر العالم، لاسيما في ظل المؤتمرات عديمة الجدوى التي تعقد بين الفينة والأخرى، لكن الفشل نفسه قد يكون مفيداً باعتباره تحذيراً يشد الانتباه.

وهنا يبرز دور وسائل الإعلام المختلفة في تبسيط مفاهيم بيئية معقدة والترويج لخطاب تحذيري في حال مواصلة أنماط التنمية الحالية غير المستدامة، وذلك للبناء على الإخفاق وتشكيل وعي جديد يبدأ من المدارس التي تثقف الطلبة بالمخاطر المحدقة بالبيئة، كما يمكن أيضاً الإشارة بأصابع الاتهام إلى الشركات غير المسؤولية التي تُفرط في استهلاك الطاقة وتلوث البيئة وكشف أمرها لدى الرأي العام الذي يمكن التعويل عليه لمعاقبة الشركات المسؤولة عن التلوث وانبعاث ثاني أكسيد الكربون.

ورغم الأجواء المتشائمة التي تخيم على مؤتمر “ريو”، فإن الأمل يبقى معلقاً على حركية المجتمعات التي أصبحت أكثر وعياً بمشاكل البيئة، بحيث يمكن استنساخ تجربة السبعينيات والثمانينيات عندما هب الطلاب للاحتجاج ضد الأسلحة النووية، الأمر الذي جعل كلاً من “ريجان” و”جورباتشوف”، يسارعان إلى التوقيع على معاهدة الحد من الأسلحة النووية في بادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ العالم.

سكوت بالدوف-عضو هيئة تحرير “كريستيان ساينس مونيتور”
جريدة الاتحاد

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا