لم تكن نتائج تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية حول البصمة البيئية في البلدان العربية أقل إثارة للصدمة والقلق من صورة القدم التي تصدرت غلاف التقرير ومنبر المؤتمر حيث تم تقديمه.

العرب يستهلكون ضعفي ما تستطيع أنظمتهم الطبيعية تجديده. هذا يعني سرقة موصوفة لحق الأجيال المقبلة في الحياة، إذ أن برامج التنمية الحالية هي في معظمها إسعافات أولية تقوم على استنزاف الموارد الموجودة، من دون التخطيط الجدي لترشيد الاستهلاك أو تنمية موارد بديلة. لقد بيّن التقرير، بالأرقام والبراهين، أننا نحتاج إلى سبعة كواكب بحجم الأرض إذا استهلك جميع الناس بمعدل بعض الدول العربية الغنية، بينما ستكون هناك حاجة إلى نصف كرة أرضية فقط إذا عاش الجميع مثل سكان اليمن وغيره من الدول العربية الفقيرة. ولكن لا يمكن اعتبار اليمن نموذجاً يحتذى، إذ إن ما يحصل عليه المواطن اليمني من موارد الطبيعة وخدماتها هو أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب لحياة لائقة تؤمن كرامة الإنسان. في المقابل، يشكل الإسراف في مناطق أخرى ضغطاً على إمكانات الطبيعة المحدودة. وقد أشار عالم الاجتماع العربي ابن خلدون قبل 650 عاماً إلى أن التطور البشري محكوم بمحدوديات الطبيعة. صحيح أن الجهد الإنساني والابتكار والتقدم التكنولوجي تستطيع تحسين فرص استفادة الإنسان من الموارد، إلا أن لهذا حدوداً يجب احترامها.

جواباً على دعوة التقرير إلى وضع حدود للنمو بما يتناسب مع قدرات الأنظمة الطبيعية على التحمل والتجدد، علّق أحد المسؤولين أن تقرير مستويات النمو هو حق سيادي للدول. فإذا كان تنفيذ برامج مقررة يحتاج إلى استقدام ملايين العمال من الخارج واستيراد المواد والمعدات واستنزاف الموارد المحلية المتوافرة، فلا بد من هذا الخيار لتنفيذ الخطط المقررة. غير أن تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية يقرع ناقوس الخطر، إذ يدعو إلى إعادة النظر بخطط التنمية نفسها إذا كانت تؤدي إلى استنزاف الموارد والحد من قدرة الطبيعة على التجدد. فلا جدوى من تنمية تقضي على رأس المال الطبيعي، أي على العناصر الأساسية للنمو.

رأي آخر شكك ببعض أرقام التقرير، مشيراً إلى أن قسماً من البضائع التي يستوردها أحد البلدان العربية الذي يحمل بصمة بيئية مرتفعة جداً يتم إعادة تصديره، بينما تم حسابه في التقرير في خانة البلد المعني. وقد أجرى مؤلفو التقرير مراجعة لجميع الأرقام، فوجدوا أنه إذا أخذوا في الاعتبار تعديل كل الأرقام وفق ما اقترح صاحب الاعتراض، يبقى البلد المعني في المرتبة نفسها، مع تعديل طفيف في الأرقام. المشكلة ليست في تعديل بعض الأرقام جمعاً وطرحاً، بل في معالجة سوء إدارة الموارد والأوضاع البيئية المتردية التي تعكسها الأرقام. فحين تعالج الوقائع تتبدل الأرقام تلقائياً، والعكس ليس صحيحاً، إذ لا يمكن تحسين الواقع من خلال التلاعب بالأرقام.

واستنكر البعض صورة القدم على غلاف التقرير وفي صدر منبر المؤتمر. لماذا لم تستخدموا بصمة إبهام، تساءلوا. إن الإنسان يمشي على قدميه وليس على يديه، والقدم هي أكثر ما يربطه بالأرض. لو كان موضوعنا حول العجز عن تسديد قرض مالي من مصرف، لكنا اخترنا بصمة إبهام. فحين نحصل على قرض مالي، نوقع أو نبصم بإبهامنا. وإذا عجزنا عن تسديد هذا القرض، نلجأ إلى تأجيل الاستحقاق عن طريق قرض بديل، أو تغطي الحكومات إفلاسها بطبع أوراق مالية إضافية. أما حين نستنزف الطبيعة، فنحن نوقع بأقدامنا القرض الذي نستدين بموجبه الموارد. بهذا نسرق حق الأجيال المقبلة، ولن تتمكن الحكومات والمصارف المركزية من طبع هواء وماء وتراب لتسديد تفليسة الطبيعة. تتمتع الدول العربية بتنوع في الموارد البشرية والطبيعية يمكن استغلاله لتأمين البقاء والنمو، وذلك عن طريق التعاون الإقليمي وترشيد استخدام الموارد وتنميتها. حتى ذلك الوقت، ستبقى بصمة القدم مرفوعة في وجه مستنزفي الموارد، لعلّهم يفيقون.

 

نجيب صعب – مجلة البيئة والتنمية

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا