شهدت التكنولوجيا الحيوية (Biotechnology) تقدما كبيرا منذ أواخر القرن الماضي، حيث اعتبرت أحد أهم الثورات العلمية التي حققها الإنسان نظرا للآفاق الواعدة التي تفتحها هذه التكنولوجيا في كافة مناحي حياة الإنسان اليومية، واستخدمت هذه الثورة في كثير من التطبيقات والمجالات كالصناعة والطب والزراعة والتغذية وغيرها.

ومن التطبيقات الواعدة والهامة للتكنولوجيا الحيوية استخدامُها في المجال البترولي، إذ إن النفط وحسب كثير من التوقعات سيبقى المصدر الأول للطاقة لعقود عدة، وهذا عائد إلى استكشاف مزيد من آبار النفط وتقدم تقنيات الحفر والتنقيب، وتطوير أساليب وطرق حديثة لزيادة الإنتاجية النفطية، ومنها استخدام التكنولوجيا الحيوية التي عززت مكانة النفط في العالم بوصفه مصدرا رئيسيا للطاقة ومادة أولية في عدد كبير من الصناعات الكيميائية الهامة.

كائنات دقيقة
تدل الدراسات على أنه تحت أفضل ظروف استخراج النفط، يتبقى في كثير من الآبار نحو نصف كمية النفط غير مستخرجة نظرا للزوجتها العالية والتصاقها بالصخور، وهذا يعيق عملية استخراج كامل النفط الموجود في طبقة المصدر في باطن الأرض.

    “تم تطوير عدد من التقنيات لزيادة الإنتاجية النفطية، كحقن المياه وبعض الغازات والمذيبات في الآبار، وقد أثبتت تلك الطرق فعاليتها في زيادة إنتاجية النفط، إلا أنها لم تكن كافية”

لقد تم تطوير عدد من التقنيات لزيادة الإنتاجية النفطية، كحقن المياه وبعض الغازات والمذيبات في الآبار وكذلك المعالجة الحرارية، وقد أثبتت تلك الطرق فعاليتها في زيادة إنتاجية النفط، إلا أنها لم تكن كافية لاستخراج معظم النفط الكامن في الآبار، مما حدا بالباحثين إلى استغلال التكنولوجيا الحيوية في هذا المجال، التي تعتمد على استخدام بعض سلالات البكتيريا الموجودة في الأوحال النفطية في المكامن العميقة في الأرض أو استنباط سلالات معدلة وراثيا.

ويتم استخدام هذه الطريقة عندما ينخفض الضغط في آبار النفط، نتيجة استخراج جانب من النفط الكامن فيها، وبعد استخدام الطرق الثانوية لزيادة الإنتاجية، كالمعاملة الحرارية واستخدام المذيبات وحقن الماء وغاز ثاني أكسيد الكربون وغيرها، يتم اللجوء إلى التكنولوجيا الحيوية، حيث يتم تشجيع نمو بعض أنواع البكتيريا وإكثارها وتزويدها بالمغذيات اللازمة، ثم حقنها في داخل آبار النفط، والتي تعمل على تقليل لزوجة النفط الثقيل وتحويله إلى صورة أقل لزوجة وقابلة للاستخراج من باطن الأرض.

وتتميز تلك الأنواع من البكتيريا التي تقلل لزوجة النفط بقدرتها على تحمل التركيز العالي من الأملاح، وتحمّل الضغط والحرارة المرتفعين، والقدرة على النمو والتكاثر تحت مثل تلك الظروف القاسية.

مكامن النفط
تتعدد طرق وأساليب الكشف عن مكامن النفط الخام في باطن الأرض، ومن أهم هذه الطرق قياس الجاذبية الأرضية، وقياس الاهتزازات الزلزالية، وقياس المغناطيسية، والتصوير والاستشعار عن بعد.

وتساهم التكنولوجيا الحيوية في هذا المجال، إذ تبين أنه يمكن الكشف عن أبخرة بعض المركبات الهيدروكربونية، كالميثان والإيثان وغيرهما والموجودة في تربة مناطق المستودعات النفطية، عن طريق التعرف على وجود بعض الكائنات الحية الدقيقة التي تستغل المركبات الهيدروكربونية كمصدر للكربون اللازم لنموها، حيث يتم تحديد بعض أنواع البكتيريا الموجودة في المناطق النفطية، وهذه البكتيريا تحتوي على أنواع من سلاسل لأحماض نووية تميزها عن غيرها من سلالات البكتيريا الموجودة في مناطق أخرى لا تحتوي على نفط، وقد أثبتت هذه الطريقة قدرتها على إعطاء مؤشرات قوية على احتمال وجود احتياطيات جيدة من النفط في تلك المناطق.

ويتم الكشف عن وجود تلك البكتيريا بواسطة أجهزة صغيرة متنقلة، يتم استخدامها في المناطق التي تتم دراستها للعثور على خامات الذهب الأسود.

إزالة الملوثات
تعتبر عملية التخلص من الملوثات النفطية في مياه البحار والمحيطات أو من التربة، من العمليات الشاقة والمكلفة ماليا، وتنتج عملية التلوث في العادة بسبب وقوع بعض الحوادث لناقلات النفط التي تجوب بحار العالم، أو بسبب تدفق النفط من الأنابيب الناقلة له.

ويمكن استغلال بعض الكائنات الحية الدقيقة للتخلص من تلك الملوثات الخطيرة، وذلك نظرا لقدرتها البيولوجية على هدم واستهلاك المركبات الهيدروكربونية كغذاء لها، وقد بينت الأبحاث وجود نحو 79 نوعا من البكتيريا يمكنها هدم المشتقات البترولية كمواد لنموها، كما تبين وجود عدد من الفطريات والطحالب القادرة على تحييد تأثير تلك الملوثات الخطيرة.

التخلص من الكبريت
يحتوي النفط الخام على نسب متفاوتة من الكبريت، وخصوصا الخام الثقيل، وهذه النسب تتفاوت بين حقل وآخر، ويتسبب وجود الكبريت في المنتجات النفطية في إلحاق أضرار بليغة بالمعدات المعدنية المستخدمة في عمليات استخراج ونقل النفط، كما أن أكاسيد هذا العنصر خطرة على صحة الإنسان، فهي تتسبب في حدوث التهابات للجهاز التنفسي للإنسان والحلق والعيون وغيرها من المشاكل الصحية الخطيرة، كما أن أكاسيد الكبريت تشكل لدى ذوبانها في بخار الماء ما يعرف بالمطر الحمضي ذي التأثيرات الضارة على النظام البيئي.

   “التكنولوجيا الحيوية تفتح أمام الباحثين آفاقا واعدة في مجال الصناعة النفطية، حيث يمكن استغلالها أيضا في التخلص من ترسبات المواد الشمعية وغيرها التي تغلق أنابيب نقل النفط”

لقد استخدمت طرق كيميائية للتخلص من الكبريت في النفط، وهذه المعالجة الكيميائية تتطلب استخدام مواد كيميائية وحرارة عالية قد تصل إلى 450 درجة مئوية وضغط مرتفع وعوامل مساعدة، حيث يتم التخلص من الكبريت أو تخفيض نسبته بشكل كبير، وهنا برزت أهمية الطرق البيولوجية للتخلص من الكبريت، حيث تستخدم بعض البكتيريا لإزالة الكبريت الموجود في المنتجات النفطية، وتتسم هذه الطريقة بعدم حاجتها إلى استخدام حرارة عالية أو ضغط مرتفع، إذ تتم تحت ضغط جوي عادي وحرارة تتراوح بين 30 و50 درجة مئوية، كما أنها لا تؤثر على التركيب الكيميائي للمنتجات النفطية.

إن التكنولوجيا الحيوية تفتح أمام الباحثين آفاقا واعدة في مجال الصناعة النفطية، حيث يمكن استغلالها أيضا في التخلص من ترسبات المواد الشمعية وغيرها التي تغلق أنابيب نقل النفط، كما يمكن استخدام هذه التكنولوجيا في عدد آخر من التطبيقات التي تعزز صناعة النفط في العالم.

المهندس أمجد القاسم

الجزيرة

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا