شهدت العاصمة الإماراتية أبوظبي صباح الأحد (الموافق 11 أكتوبر 2009) افتتاح دورة تدريبية حول “دبلوماسية المياه” في إطار الأنشطة والبرامج التي تنظمها الأكاديمية العربية للمياه. وقد تم تخصيص هذه الدورة التي تعقد خلال الفترة من 11 إلى 13 أكتوبر 2009م لكبار المسئولين المختصين في وزارات الخارجية العربية والوزارات العربية المعنية بالمياه.

وكان قد تم إطلاق الأكاديمية العربية للمياه في يوليو 2008م بالتعاون بين هيئة البيئة – أبوظبي والمركز الدولي للزراعة الملحية، وبدعم من المجلس العربي للمياه والمؤسسات الدولية المعنية وعلى رأسها البنك الإسلامي للتنمية والبنك الدولي. وتهدف الأكاديمية إلى أن تكون مركزاً متطوراً للتميز العلمي والتقني على المستوى الإقليمي في المعارف التطبيقية المتصلة بالمياه. وتركز الأكاديمية على تنمية الكوادر البشرية في القطاع المائي والقطاعات الأخرى المرتبطة به في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أجل الإدارة الفعالة للتحديات المرتبطة بقطاع المياه في المنطقة.

نظمت الأكاديمية برنامجها الأول في يونيو 2009 حول “الحوكمة المياه” بحضور العديد من كبار المستشارين وصناع القرارات ورؤساء الأقسام وقادة من مختلف القطاعات الحكومية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني. وسيشارك في الدورة الأولى حول دبلوماسية المياه: تقاسم المصالح ما يزيد عن 40 مشاركاً من عدة دول عربية حيث تتم مناقشة الطرق الدبلوماسية التي يمكن استخدامها كوسيلة لتقليل مخاطر النزاعات حول المياه وتوفير المعرفة والمهارات المطلوبة في مجالات مختلفة مثل القانون الدولي والاتفاقيات والسياسات الجغرافية والدبلوماسية والمفاوضات والاتصالات والأفكار المتعلقة بتقاسم المصالح.

ونبه سعادة ماجد المنصوري الأمين العام لهيئة البيئة – أبوظبي في الكلمة الافتتاحية إلى خطورة نقص الموارد المائية والتسابق إلى استخدام الموارد العابرة للحدود، الأمر الذي قد يصل إلى حد الاستنزاف والإضرار بالدول الأخرى، مما قد يؤدي نشوب صراعاتٍ بين الدول. وقال المنصوري إن حوالي 70% من  مياه الأنهار أو البحار أو الطبقات الجوفية المشتركة بين العديد من الدول في المنطقة العربية، الأمر الذي يحتم إدارة هذه الموارد وتوزيعها، بما يضمن مصالح الأطراف المختلفة، ويحول دون نشوء النزاعات الثنائية والدولية.

وأشار المنصوري أن هذه المشكلة لا تنحصر في الوطن العربي وحده، بل هناك أكثر من 245 نهراً مشتركاً، يعتمد عليها حوالي 40% من سكان العالم، وتروي بِها حوالي 0% من الأراضي الصالحة للزراعة. وبالرغم من ذلك، لا يوجد اتفاق دولي حول القانون الذي يحكم الاستخدامات غير الملاحية للموارد المائية.

وأكد المنصوري على أهمية بناء القدرات في مجال دبلوماسية المياه من أجل تطوير فهم أعمق للمنهجية والقضايا التي يجب أن يعالجها المختصون في مجال الدبلوماسية وإدارة المياه.

ودعا المنصوري إلى تضافر الجهود والتنسيق بين الدول العربية من أجل النهوض وإحداث نقلة نوعية في مجالات الحفاظ على الموارد المائية وتنميتها، للوفاء بمتطلبات القطاعات التنموية المختلفة وخاصة بعد تغير أنماط المعيشة والتطور والنمو العمراني والزراعي والصناعي الذي زاد من الضغط على المواردِ المائيةِ الشحيحة. ومنْ أجلِ ذلكَ جاءتِ المبادرةُ بإنشاءِ الأكاديميةِ العربيةِ للمياه.

وأشار المنصوري إلى أن الأكاديمية العربية للمياه والتي أطلقها المجلس العربي للمياه وتبنتها أبوظبي بدعم كريم من الفريق أول سمو الشيخ/ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، حفظه الله، قامت بوضع العديد من الأهداف التي تركز على تنظيم برامج تدريبية متطورة، مثل الحوكمة ودبلوماسية المياه والموارد المائية غير التقليدية والاستثمار في البنية التحتية لقطاع المياه.

وقال المنصوري إنه قد وضع هذه البرامج بعد العديد من الندوات والمشاورات مع الجهات الدولية والخبراء في الوطن العربي خلال عام كامل من إطلاق الأكاديمية العربية للمياه في يوليو من العام الماضي.
الأكاديمية العربية للمياه:

وقالت الدكتورة أسماء القاسمي، مديرة الأكاديمية العربية للمياه إن الأكاديمية وسف تسعى إلى جلب المزيد من الخبرات العالمية في مجال المياه والتعليم بالتركيز على دعم وتشجيع التفكير الإبداعي ومساعدة مديري قطاع المياه على العمل خارج نطاق عملهم المعهود، بمشاركة أصحاب المصلحة المعنيين في قطاع المياه.

وأشارت مديرة الأكاديمية في كلمتها في افتتاح الدورة إلى انخفاض كمية المياه المتاحة للفرد في المنطقة العربية بشكل كبير، حيث يتوقع أن ينخفض نصيب الفرد من المياه بمقدار النصف بحلول العام 2050 تقريباً. واليوم، تعاني 11 دولة عربية من ندرة المياه، ويتوقع أن يصل هذا العدد إلى 18 دولة بحلول العام 2025. كما أن الآثار السلبية المتوقعة لتغير المناخ سوف تزيد الوضع سوءاً، ففي العام  2008 أصدر الفريق الدولي المعني بتغير المناخ تقريره الذي يتوقع انخفاض هطول الأمطار لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحوالي 10 إلى 25٪ مع ما يصاحب هذا من زيادة في التبخر.

ويواجه المسئولون وصناع القرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وضعاً بالغ التعقيد بسبب تناقص الموارد المائية المقترن بزيادة الطلب على هذه الموارد وزيادة حدة التنافس بين مختلف القطاعات. كما لا يخفى على أحد منا أن 60٪ من موارد المياه في المنطقة يتدفق عبر الحدود الدولية مما يزيد الوضع سوءاً. ولمواجهة هذه التحديات الجسيمة مجتمعة فإنه لا بد أن تعطى أولوية كبيرة لتنمية رأس المال البشري من صانعي القرار العاملين في قطاع المياه والقطاعات المرتبطة به.

وقال الدكتورة أسماء القاسمي إن من المفاهيم الراسخة اليوم الحاجة إلى التركيز بشكل أكبر على الإدارة المتكاملة للموارد المائية والقوانين المتعلقة بها بدلاً من زيادة إمدادات المياه والخدمات مما يدعو إلى إعادة هيكلة جذرية للتعليم وبرامج تنمية القدرات البشرية من خلال الابتكار وروح المبادرة. مشيرة إلى أنه لذلك تأسست الأكاديمية العربية للمياه من أجل سد الفجوة في التعليم وتطوير القيادات التنفيذية، لكن مهمتها أبعد من التعليم والتدريب التقليدي بل “عامل تغيير” للنمط السائد من الدراسات الهيدروليكية على المياه لتحقيق النمو المستدام.

وأضافت أنه ومع أننا نفخر بتشجيع الحكومات العربية للاسـتثمار في تدريب المهندسين ورفع كفاءتهم الفنية، وكذلك فعالية التقنيات والبنى التحتية، إلا أنه بات من الضروري الآن زيادة الاهتمام بدعم التدريب في مجالات اقتصاديات وسياسات ودبلوماسية وإدارة موارد المياه المتكاملة. وعليه، سوف تشارك الأكاديمية بنشاط في التغيير والإصلاح في المنطقة العربية، وبشكل أكثر تحديدا في مجال تسهيل وتحسين بيئات العمل وصياغة السياسات والأطر المؤسسية وتعزيز القدرات التنظيمية العاملة في الاقتصاد السياسي للمياه.

وأوضحت الدكتور أسماء القاسمي أن الأكاديمية سوف تتوجه إلى القادة التنفيذيين وكبار المهنيين وصناع القرار مما سوف يفتح آفاقاً جديدة في معالجة إدارة الطلب واسترداد التكاليف والإصلاح المؤسسي والتكامل في قطاع المياه مع المنظمات العاملة في غير قطاع المياه وإشراك القطاع الخاص والاستدامة البيئية بالتعاون مع الخبرات الميدانية للمنظمات غير الحكومية وممثلي المجتمع المدني.

البنك الدولي:

من جهته أشار الدكتور ديفيد غراي كبير مستشاري الموارد المائية بالبنك الدولي إلى أن المنطقة العربية هي من المناطق الأكثر جفافاً والأكثر ندرة في المياه في العالم، حيث أن متوسط حصّة الفرد يبلغ 15٪ فقط من المتوسط العالمي.

وقال إن معدل الأمطار والمياه السطحية في المنطقة العربية محدود ولا يعتمد عليه، وأكثر من نصف احتياجاتها من الأنهار تنبع من خارج المنطقة. ويعتمد الإقليم بشكل أكبر على المياه الجوفية أكثر من أي شيء آخر، والكثير منها مستمدة من طبقات المياه الجوفية وهي غير قابلة للتجديد. كما أن 90٪ من موارد المياه المتاحة في المنطقة اليوم يستخدم في ري المزروعات التي لا تساهم في أي بلد بأكثر من 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي وفي بعض الدول لا تتعدى هذه النسبة 5 ٪ فقط. وهذا لا يترك سوى نسبة ضئيلة من موارد المياه المتاحة للاستخدامات المنزلية والصناعية.

كما أكد د. غراي أن النمو السريع في عدد السكان والمدن والاقتصاديات خلال القرن الماضي في المنطقة العربية فاق قدرة مجتمعاتها على التكيف، كما هو الحال في كثيرة من المناطق الأخرى في العالم. وفي المنطقة العربية، يتم استغلال الموارد المائية بشكل مفرط مما تسبب بتدهور كمية ونوعية المياه؛ وأصبحت موارد المياه الجوفية مهددة بشكل خاص.

وأكد د. غراي على أهمية الأكاديمية العربية للمياه والتي جاءت في وقت حرج حيث تعاني المنطقة من الجفاف، كما أن المنطقة لم تعد من المناطق المتقدمة في مجال إدارة المياه. كما أن هناك جيل جديد من القادة في مجال المياه وأصبح الابتكارات في هذا المجال أمرا ضرورياً لمواجهة تحديات اليوم، وتهديدات المستقبل.

وقال إن من المؤكد أن الأكاديمية العربية للمياه ستساهم في بناء هذا الجيل الجديد من القادة المؤهلين لمعالجة الأبعاد السياسية والاقتصادية واجتماعية لإدارة المياه، وليس فقط الأبعاد التقنية لتنمية الموارد المائية.
وستقوم تقوم الأكاديمية العربية للمياه في الفترة من 25- 27 أكتوبر الحالي، بتنظيم برنامج حول “الاستشعار عن بعد في إدارة المياه”. ومن خلال هذا البرنامج، ستقوم هيئة إدارة أبحاث الملاحة الجوية والفضاء الأمريكية (ناسا) بالعمل مع المنظمات العربية المتخصصة التي تستخدم صور الأقمار الصناعية. كما سيتم خلال البرنامج عرض طرق جديدة للحصول على البيانات المتعلقة بالموارد المائية فوق وتحت الأرض. هذه البيانات الجديدة ستساعد في عملية أخذ قرارات دقة عندما يتعلق الأمر بموضوع المياه.

كما تنظم الأكاديمية في الفترة من 15-19 نوفمبر برنامجاً تدريبياً عن “الحوكمة المستقبلية لقادة المستقبل” يهدف إلى تطوير قدرات المشاركين على استيعاب المفاهيم والأدوار والممارسات في مجال الحوكمة الفعالة للمياه وتمكينهم من تحديد وتحليل المشكلات المتعلقة بالحوكمة في قطاع المياه. كما سيركز البرنامج التدريبي الذي سيقام في الفترة من 7-10 ديسمبر على موضوع إدارة الطلب على المياه. وسوف يشمل قضايا مثل كيفية الحد من الطلب على المياه في العالم العربي. وسيتم عرض أفكار في مجالات عدة مثل الزراعة والصناعة والمنازل وتحديد وسائل تحقيقها.

عماد سعد

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا