يقود دانييل تسيلاي وهو ناشط من السكان الأصليين في أقصى شمال كندا حملة لمساعدة أهله كي ينأوا بأنفسهم عن الاعتماد غير المأمون العواقب على استيراد الوقود والغذاء وعلى استعادة ثقافاتهم لانتزاع قدر أكبر من الحكم الذاتي من الحكومة المركزية بكندا.

وفي منطقة تسطع فيها الشمس نهارا ما يقرب من 24 ساعة صيفا فمن الجلي ان إحدى طرق تحقيق هذه الأهداف هي توليد المزيد من الكهرباء بالاستعانة بالطاقة الشمسية.

وقال تسيلاي في مقابلة جرت في الهواء الطلق قرب بيهتشوكو وهي منطقة من البيوت الخشبية الصغيرة القابعة بمحاذاة شواطئ بحيرة (جريت سليف) “حتى الآن تعول معظم المجتمعات في الأقاليم الشمالية الغربية على الكهرباء المولدة من وقود الديزل علاوة على استيراد الغذاء من المتاجر”.

ويرى تسيلاي وهو يقف بجانب أشجار الصنوبر النامية في تربة ضعيفة تعلو طبقة من الصخور الجرانيتية الصلبة التي تغطي معظم مناطق شمال كندا ان الطاقة المتجددة هي القوة التي يمكنها مواجهة التحديات المعقدة والمتشابكة بالمنطقة.

ومناطق شمال كندا معرضة بصورة كبيرة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي ما يمنع السكان الأصليين من الاستمرار في ممارسة تقاليدهم المتمثلة في الصيد والقنص فيما تذوب الكتل الجليدية وتندثر الوعول والأيائل من نوع الكاريبو.

وعلى الرغم من ان السكان الأصليين يسعون للتعامل مع حكومة كندا المركزية على أساس كونهما دولتين مستقلتين لكنهم يعتمدون عليها في توفير وقود الديزل لأغراض التدفئة.

ويعتقد تسيلاي انه من خلال استئناس الطاقة المتجددة فسيتمكن السكان الأصليون من الحصول على قدر أكبر من الحرية بمنأى عن دولة كندا ليستعيدوا الممارسات الثقافية القديمة فيما يمارسون دورهم في مكافحة تغير المناخ الذي يلحق بهم أضرارا بالغة.

وقال تسيلاي البالغ من العمر 34 عاما وهو يرتدي الزي الرياضي الشائع في مناطق شمال كندا ذات التضاريس الوعرة “أي طريقة تمكن المجتمعات من انتاج الطاقة على المستوى المحلي تحقق الاستقلال”.

وقال جيم سبارلنج كبير مديري تغير المناخ بالمنطقة إنه خلال السنوات الخمس الماضية شهدت الأقاليم الشمالية الغربية في كندا زيادة في الاعتماد على الطاقة الشمسية بعد ان أنفقت الحكومة الاقليمية نحو 50 مليون دولار لدعم انتاج الطاقة المتجددة وتحسين كفاءتها.

وقال سبارلنج لمؤسسة تومسون رويترز في يلونايف عاصمة الاقليم “على أساس نصيب الفرد فنحن ثاني منطقة بعد أونتاريو (ثاني أكبر اقليم بكندا من حيث عدد السكان) في مجال تركيب الطاقة الشمسية”.

والأقاليم الشمالية الغربية منطقة واسعة ذات كثافة سكانية ضئيلة يقطنها أقل من 50 ألف نسمة نحو نصفهم من السكان الأصليين من قبيلة (ألدين) التي تعيش تقليديا على صيد حيوانات الكاريبو.

وقال سبارلنج إن الطاقة الشمسية لا تزال تمثل جزءا صغيرا نسبيا من اجمالي استهلاك الطاقة على الرغم من ارتفاع معدلات الاستهلاك.

وقال إن الشركات والأفراد العاديين في الاقليم يقومون بتركيب ألواح الطاقة الشمسية بأنفسهم في محاولة لخفض استهلاك فواتير الطاقة ووقف الاعتماد على الواردات.

وأضاف ان هذه التوليفة من زيادة استهلاك الطاقة المتجددة مع تحسين كفاءة الطاقة مكنت الاقليم من تثبيت معدلات الانبعاثات الخاصة بتغير المناخ عند مستويات عام 2005 على الرغم من الزيادة السكانية ونمو الاقتصاد.

وتعتزم الحكومة المحلية للأقاليم الشمالية الغربية الانضمام الى الوفد الكندي الرسمي المشارك في قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ التي تعقد في باريس في ديسمبر كانون الأول المقبل والتي تسعى الى ابرام اتفاق عالمي جديد بشأن تغير المناخ.

وقال سبارلنج إن متوسط درجات الحرارة في مناطق بالأقاليم الشمالية الغربية قد ارتفع بالفعل الى أكثر من ثلاث درجات مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

يقول العلماء إن هذا المتوسط يتعين ألا يتجاوز درجتين مئويتين حتى يتجنب العالم أسوأ الكوارث المرتبطة بالاحتباس الحراري.

وقالت آشلي كونسولو ويلوكس أستاذة دراسات السكان الأصليين بجامعة كيب بريتون والباحثة في تداعيات تغير المناخ “خلال السنوات العشر الى الخمس عشرة الماضية حدثت طفرة هائلة من جانب السكان الأصليين في محاولة إعالة انفسهم “.

وقالت إنه نظرا لان الاحتباس الحراري يؤدي الى تآكل وذوبان طبقات الجليد في البحر القطبي مع تغير عادات حيوانات المنطقة الشمالية فإن السكان الأصليين بالاقليم يسعون جاهدين كي يبدلوا من نمط حياتهم مع التمسك في الوقت ذاته بتقاليدهم العريقة.

وتناقصت أعداد الكاريبو في أجزاء من الاقليم وذلك في تطور يربطه الخبراء بتغير المناخ فيما جعل ذوبان الجليد من الصعوبة بمكان على الصيادين التجول في الأراضي بحثا عن حيوانات أخرى يصيدونها.

وقالت كونسولو ويلوكس في مقابلة تليفونية “الشمال من أسرع مناطق العالم تغيرا من الناحية الجغرافية وهناك قلق بالغ من فقدان المعارف والمهارات التقليدية مع تغير المناخ”.

يقول تسيلاي الذي درس القانون إنه حاول في السابق اللجوء الى جهاز القضاء والمفاوضات الخاصة بالمعاهدات في كندا من أجل تحقيق قدر أكبر من الحكم الذاتي لأهله من السكان الأصليين بعد ما وصفه بانها انتهاكات استعمارية استمرت سنوات.

وأبرمت حكومة كندا معاهدات مع كثير من جماعات السكان الأصليين مقابل الدعم السياسي وذلك خلال فترات الصراع ومنحتهم حق استغلال مناطق من الأرض التي كانوا يسيطرون عليها في السابق علاوة على امتيازات أخرى.

لكن كثيرين من الخبراء القانونيين والمؤرخين يقولون إن حكومة كندا لم تلزم نفسها بهذه المعاهدات ما تسبب في احباط تسيلاي بشأن الجوانب القانونية ليقرر اللجوء الى الحصول على قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي في الغذاء والطاقة كأفضل اسلوب للمضي قدما.

وقال تسيلاي “فقدنا جانبا كبيرا من حياتنا وثقافتنا ولغتنا عندما لم نكن على أرضنا وبالنسبة لي فإن ذلك أحد المخاطر الكبرى المتعلقة بتغير المناخ”.

 

تومسون رويترز

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا