نشرت مجلة «البيئة والتنمية» في عدد أيلول (سبتمبر) 2003 نتائج استطلاع أجرته عن المواقع البيئية العربية على الإنترنت، خلص إلى أن معظم المواقع الحكومية تضع الترويج والدعاية غاية لها بدلاً من تقديم المعلومة المفيدة والإعلام الهادف. فما الذي تغير خلال الاثني عشر عاماً التي مضت؟ في هذا التقرير تفتح مجلة «البيئة والتنمية» من جديد ملف المواقع الإلكترونية لوزارات البيئة العربية، وتضع بين أيدي القراء نتائج تقويم لهذه المواقع قام به مختصون في الإعلام البيئي ومطوّرو مواقع حكومية على الإنترنت.

قدم تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002، الذي أعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الكثير من الحقائق المثيرة والمقلقة. فهو أشار إلى أن استخدام المعلوماتية في الدول العربية أقل منه في أي منطقة أخرى من العالم، حيث لم تتجاوز نسبة مستخدمي الإنترنت 0,6 في المئة، وكان 1,2 في المئة فقط من المواطنين يملكون جهاز كومبيوتر شخصياً.

وقد ركز التقرير آنذاك على نقطة في غاية الأهمية، وهي أن السياسات العربية التي تحاول التصدي لفجوة المعلومات تركز على البنية التحتية لقطاع الاتصالات. لكن مثل هذه السياسات، على رغم أهميتها، لن تؤدي إلى النتائج المرجوة ما لم تول الدول العربية اهتماماً مماثلاً بعنصر المحتوى. فمعظم المواد المتاحة على الإنترنت هي باللغة الإنكليزية التي لا تتقنها إلا نسبة صغيرة من السكان. وقلة المواد المتوافرة بالعربية على الإنترنت تحرم المواطن العربي من المنافع المرجوة في عصر المعلومات.

خلال السنوات الماضية، ازداد عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي في شكل مطرد، فاللغة العربية أصبحت مع منتصف 2015 في المرتبة الرابعة كأكثر اللغات العالمية استخداماً على الإنترنت بعد الإنكليزية والصينية والإسبانية. وشهدت هذه اللغة تزايداً في عدد المستخدمين تجاوز 6000 ضعف بين عامي 2000 و2015.

ووفق تقديرات الاتحاد الدولي للاتصالات للعام 2015، لدى 40,3 في المئة من البيوت العربية اتصال بالإنترنت، كما أن 42,8 في المئة من البيوت العربية تملك جهاز كومبيوتر. ونسبة مشتركي الهاتف المحمول إلى عدد السكان العرب هي 108,2 في المئة، أي يوجد من لديه أكثر من اشتراك واحد. أما نسبة من يستخدمون الإنترنت في العالم العربي فقد أصبحت 37 في المئة، وهي تتجاوز 90 في المئة في بعض البلدان الخليجية مثل قطر والبحرين والإمارات.

تمثل هذه الأرقام ثورة للإنترنت العربي من الناحية التقنية، وتشير إلى أن شبكة «الويب» أصبحت مصدراً أساسياً للتواصل وتبادل المعارف بين العرب. ولكن، هل واكبت وزارات البيئة العربية هذه الثورة واستفادت منها؟ وكيف كان أداء مواقعها الحكومية على الإنترنت؟

أجرى فريق من الخبراء والمختصين، بتكليف من مجلة «البيئة والتنمية»، تقويماً لمواقع وزارات وهيئات البيئة العربية على الإنترنت، آخذين في الاعتبار أربعة مكونات أساسية هي: المحتوى، التفاعل، التصميم، التواجد وإغناء المحتوى.

محتوى الموقع

اعتبر فريق التقويم أن المحتوى يحتل الأولوية في تقويم مواقع الإنترنت، ولذلك خصّه بخمس وثلاثين علامة من أصل مئة. ويقصد بالمحتوى ما يتضمنه الموقع من تغطيات إخبارية لنشاطات الوزارة والفعاليات البيئية الوطنية وأخبار إقليمية ودولية، كما يلحظ ما يقدمه الموقع في مجال التوعية البيئية من مقالات وصور وأفلام وعروض وأدلة. إضافة إلى ذلك، على الموقع أن يحتوي على التقارير الدورية ونتائج الاختبارات والقياسات وخلاصات المشاريع البيئية الوطنية.

وكجزء من المحتوى، يجب أن يشتمل الموقع على المواد التشريعية البيئية الوطنية كالقوانين والمراسيم والقرارات الرسمية، وكذلك نصوص الاتفاقيات الدولية التي تمت المصادقة عليها. وكأي موقع حكومي، يجب أن يوفر محتوى غير تخصصي، كإعلانات الوزارة الخاصة بالمشاريع والعقود بالإضافة إلى فرص العمل المتاحة والمسابقات. وقد اطلع الفريق على عناوين المحتويات ومضمونها العام من دون الخوض في دقتها.

مجموع العلامات مئة. وقد منح الفريق خمس علامات من أصل مئة للمواقع التي تحتوي على عمل استثنائي يعتبر مميزاً بين جميع المواقع. حلت الإمارات في المرتبة الأولى، بحسب نوعية المحتوى، تليها مصر ولبنان والسعودية وفلسطين.

التفاعل

أعطى فريق التقويم مقدار التفاعل الذي يسعى الموقع إلى تحقيقه اعتباراً رئيسياً في التقييم، وخصه بعشرين علامة من أصل مئة. ويقصد بالتفاعل الأدوات التي يستخدمها الموقع لتعزيز التواصل والمشاركة بين زواره من جهة وإدارته والوزارة عموماً من جهة أخرى. لتحقيق هذا التفاعل، يجب أن يوفر الموقع لزواره بشكل سهل معلومات الاتصال كالهاتف والبريد الإلكتروني، وألا يكون البحث عن هذه المعلومات البسيطة مهمة معقدة أو مستحيلة. كذلك يجب أن يستفيد الموقع من الأدوات التقنية الاستثنائية للإنترنت، خصوصاً توفير النماذج الإلكترونية للشكاوى والاقتراحات، وأيضاً الاستمارات واستطلاعات الرأي. ومن المفيد أن يحوي وسائل تفاعل دورية وآنية، كخدمات الاشتراك في الموقع والرسائل الدورية والمحادثة الفورية وغيرها.

حلت الإمارات في المرتبة الأولى، بحسب إتاحة التفاعل، تليها مصر وسورية وقطر وتونس.

التصميم

لا يمكن لموقع إلكتروني أن يكون ناجحاً ما لم يدعم محتواه بتصميم جيد. ولذلك خص فريق التقويم تصميم الموقع بعشرين علامة من أصل مئة. لم يكن تقويم تصميم المواقع على أساس جمالي بحت، بل اعتمد على القواعد التقنية المتعارف عليها في تصميم المواقع والالتزام بتحقيق هذه القواعد يؤدي عادة إلى تصميم جميل وعملي. ومن القواعد التقنية التي تم اعتمادها أن يكون الموقع سهل الاستخدام، بحيث يمكن الوصول إلى معظم المعلومات بثلاث نقرات على الأكثر، وتكون كتل الموقع موزعة وموظفة في شكل جيد. كذلك يجب أن يكون الموقع قابلاً للنفاذ إليه من الأشخاص العاديين، وذلك باستخدام تباين جيد في الألوان وخطوط بأحجام وأنواع مقروءة. ويكون التصميم مميزاً متى أخذ في الاعتبار متطلبات من يعاني من مشاكل في الرؤية كالمصابين بعمى الألوان ومحدودي النظر.

إضافة إلى ما سبق، يجب أن يكون الموقع سريعاً في التحميل، وأن يكون متوافقاً مع أجهزة الاتصال المختلفة كالكومبيوتر والأجهزة اللوحية والهواتف الخليوية، ومع المتصفحات الحديثة مثل كروم وفايرفوكس وسفاري. حل المغرب في المرتبة الأولى، بحسب جودة التصميم، تليه الإمارات والكويت ومصر وسورية.

التواجد وإغناء المحتوى

يعبر تواجد الموقع على الإنترنت عن مدى مساهمته في خدمة زواره، وقد تم تخصيص عشرين علامة من أصل مئة لذلك. ومن أجل التقويم، تم النظر إلى مدى مساهمة الموقع في إغناء المحتوى على الإنترنت، من خلال عدد الصفحات المؤرشفة في محرك البحث «غوغل» كواحد من أهم المؤشرات على تواجد الموقع. ومن المؤشرات التي تم تقويمها معدل تحديث الصفحات سنوياً، والترابط مع مواقع الإنترنت الأخرى. ولحظ فريق التقييم قِدم الموقع استناداً إلى تاريخ تسجيل اسم النطاق الخاص به وتاريخ أولى المقالات التي ظهرت فيه.

حلت السعودية في المرتبة الأولى، بحسب التواجد وإغناء المحتوى، يليها المغرب والإمارات ومصر ولبنان.

شمولية التقويم

هدفت الدراسة إلى تقويم مواقع جميع وزارات البيئة في الدول المنضوية تحت مظلة جامعة الدول العربية وعددها 22 دولة. لكن التقويم الفعلي لم يشملها جميعاً وفق ما يأتي:

عدد مواقع الوزارات المشمولة بالتقويم هو 14 موقعاً، وهي التي تملك محتوى وتصميماً معتبراً يمكن إخضاعه للتقويم مع اسم نطاق مستقل ومكرّس خصيصاً لوزارة البيئة. الدول التي شملها التقييم هي: الأردن، الإمارات، تونس، الجزائر، السعودية، سورية، العراق، عمان، فلسطين، قطر، الكويت، لبنان، مصر، المغرب. وقد أخذ في الاعتبار عند تقويم موقع وزارة البيئة العراقية موقعها السابق الذي لا يزال مفعلاً، وذلك قبل دمجها مع وزارة الصحة لتصبحا وزارة الصحة والبيئة، علماً أن موقع الوزارة الجديدة يكاد يخلو حالياً من أي محتوى يخص البيئة.

لم يشمل التقويم 6 دول عربية هي البحرين وجزر القمر وجيبوتي والسودان والصومال وموريتانيا، لأن وزارات أو هيئات البيئة في هذه الدول لم تكرّس موقعاً مستقلاً لها على الإنترنت يضم محتوى جديراً بالتقويم، وإن كان بعضها يملك اسم نطاق. والمفارقة هنا ألا يكون هناك موقع مخصص لوزارة البيئة البحرينية التي يحظى مواطنوها بنسبة نفاذ مرتفعة إلى الإنترنت تصل إلى 91 في المئة من عدد السكان.

لم يشمل التقويم دولتين عربيتين هما ليبيا واليمن، إذ لا تضم حكومتا هاتين الدولتين حالياً وزارة للبيئة.

بالتالي، فإن المواقع التي شملها التقويم تمثّل ما نسبته 64 في المئة من الدول العربية، ولم يشمل التقويم 27 في المئة من الدول العربية لعدم وجود موقع «ويب» معتبر لوزارات البيئة فيها، وكذلك لم يشمل 9 في المئة من الدول العربية هي التي لا توجد لديها وزارة للبيئة.

النتائج
تصدّر الموقع الإلكتروني لوزارة البيئة والمياه الإماراتية جميع مواقع وزارات البيئة العربية على الإنترنت، وذلك بمجموع مرتفع من العلامات وصلت إلى 91,3 علامة من أصل 100 علامة متاحة. وقد تميّز بمحتواه الجيد وخدماته التفاعلية التي يتفرد بها عن بقية المواقع.

وفي المرتبة الثانية جاء موقع وزارة البيئة المصرية بمجموع 83,20 علامة. وكان في المحتوى منافساً لموقع وزارة البيئة والمياه الإماراتية، إلا أن الخدمات التفاعلية التي يقدمها جاءت دون مستوى موقع الوزارة الإماراتية بفارق معتبر وإن جاء في المرتبة الثانية عربياً من حيث هذه الخدمات.

موقع وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة في المغرب حل في المرتبة الثالثة بمجموع قدره 75,15. وقد ساعده في تحقيق هذا الترتيب محتواه التنافسي مع موقعي الإمارات ومصر، وجودة تصميمه التي كانت الأفضل بين جميع مواقع وزارات البيئة العربية، وكذلك دعمه للمحتوى على الإنترنت حيث حل في المرتبة الثانية بعد موقع السعودية. ولكن نقطة ضعف موقع وزارة البيئة المغربية كانت في عدم إتاحته التفاعل مع الزوار فحل في المرتبة قبل الأخيرة لهذا العنصر. في المرتبة الرابعة حل موقع الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في السعودية بعلامة إجمالية هي 67,35، وذلك بفضل دعمه الاستثنائي للمحتوى العربي التخصصي على الإنترنت، إذ حقق المرتبة الأولى والعلامة التامة في تواجده على الإنترنت. ولكن الأمر الكارثي في هذا الموقع هو سوء تصميمه الذي لم يواكب ضخامة محتواه الاستثنائية بين جميع مواقع الويب الأخرى، ولم يكن أسوأ منه في التصميم سوى موقع وزارة البيئة العُمانية.

موقع وزارة البيئة اللبنانية هو أول مواقع وزارات البيئة العربية، إذ تعود أولى صفحاته إلى تشرين الثاني (نوفمبر) 1997. لكنه جاء في المرتبة الخامسة بمجموع 67 علامة، وقد ساعده في الحصول على هذه المرتبة محتواه الجيد وتواجده القديم على الشبكة العالمية.

وجاءت في مراكز متوسطة، بحسب الترتيب، مواقع وزارات البيئة في الكويت وسورية وقطر والعراق وتونس وفلسطين والأردن.

وحل في المرتبتين الأخيرتين موقع وزارة البيئة والشؤون المناخية في عُمان، وموقع وزارة الموارد المائية والبيئة في الجزائر، حيث يوجد الكثير مما يمكن عمله لتحسين تنافسية هذين الموقعين.

من الملاحظ أن علامة التقويم الإجمالية لمواقع وزارات البيئة في الدول العربية كانت تتناسب مع نسبة النفاذ إلى الإنترنت التي يتمتع بها مواطنو هذه الدول. وتستثنى من ذلك مواقع وزارات البيئة في مصر والعراق وسورية التي حظيت بتقييم فاق معدلات النفاذ إلى الإنترنت. وعلى العكس من ذلك كان تقييم مواقع وزارات البيئة في عُمان وقطر والكويت أدنى من معدلات النفاذ ولا يتناسب معها. وذلك باعتبار أن معدلات النفاذ إلى الإنترنت تعطي مؤشراً على الوضع التقني ومدى استخدام المواطنين للإنترنت، وبالتالي من المفترض أن يواكب ذلك اهتمام متزايد بالتواجد الحكومي على الإنترنت حيث تكون الفرصة أكبر للوصول إلى المواطن في شكل مباشر.

 

عبدالهادي النجار
مجلة البيئة والتنمية

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا