إفريقيا سلة غذاء العالم من القمح؟ لا شيء يمنع ذلك نظريا، ويمكن ترجمة ذلك عمليا في حال تحوّلت هذه القارة من مجرد مستورد للحبوب إلى منتج، خصوصا وأنها تضمّ مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، وفي وقت يتزايد فيه الطلب على الحبوب بسبب النمو الديمغرافي والنموّ الحضري في القارة، بحسب خبراء.

ففي 2015، انتجت دول القارة السمراء نحو 27.2 مليون طن من القمح استهلكت كلها محلّيا، وأنفقت ما يزيد عن 12 مليار دولار لاستيراد 43 مليون طن أخرى من القمح، ما يشير الى فجوة غذائية كبيرة في هذا المحصول الاستراتيجي. وهذه النسبة شهدت انخفاضا طفيفا مقارنة بعام 2014، لكنها تفوق معدلات السنوات الخمس المنقضية بأكثر من 9 %، بحسب تقرير حديث منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).

وفي تصريح للأناضول، أوضح عبد الرحيم موسى دجارما، الخبير والباحث التشادي في كلية الزراعة بمدينة “عاطي”، أنّ “إفريقيا يجب أن تغير توجهها، مهما كلفها ذلك، فهي تمتلك الإمكانات اللازمة المتمثلة في الأراضي الخصبة الشاسعة والمناخ الملائم لزراعة القمح، من أجل تحقيق أمنها الغذائي ووقاية نفسها من التبعية للأسواق العالمية ومن عدم الاستقرار السياسي، خاصة وأن الطلب على القمح سيتضاعف في السنوات المقبلة”.

ففي غضون عام 2050، ستشهد إفريقيا انفجارا ديمغرافيا، حيث من المنتظر أن يبلغ عدد سكانها ربع سكان المعمورة (تمثل اليوم 16%)، وستصبح فيه 3 دول افريقية من بين الدول العشرة الأكثر كثافة سكانية في العالم، وهي نيجيريا والكونغو الديمقراطية وإثيوبيا، والتي تعدّ مجتمعة نحو 755 مليون ساكن، بحسب دراسة لمكتب “المرجع السكاني” الأمريكي، نشرت في 18 أغسطس/آب 2015.

نمو ديمغرافي تصاعدي في القارة السمراء، يترافق مع ظهور”طبقة متوسطة” تمثل 34 % من سكان إفريقيا المقدّر عددهم بنحو 1.1 مليار نسمة، والنسبة مرشّحة لبلوغ 42 % عام 2060، بحسب البنك الإفريقي للتنمية.

جول مبايتيزم، الخبير في المركز التشادي لمراقبة جودة المنتجات الغذائية، أشار، من جانبه، للأناضول، إلى أن فئة جديدة من السكان ستظهر بعادات غذائية مغايرة، حيث ستقبل على البضائع المصنعة سهلة الاستهلاك، وهذه الظاهرة ستعزز من مكانة القمح (الخبز والعجين الغذائي) على حساب الذرة بأنواعها.

وفي حال محافظة المناطق الريفية على مستوى استهلاكها (ثلثي الإنتاج تستهلكه الأرياف، وفق منظمة الأغذية والزراعة الأممية)، فإنّ الطلب سيرتفع في المدن، وبالتالي فإن الاستيراد سيفرض نفسه كحلّ وحيد لرأب النقص المسجل على هذا المستوى.

وضعية تصب في مصلحة المصدرين (خصوصا الفرنسيين)، فمصر، مثلا، والتي تعد من أكبر مستوردي القمح في العالم، أنقذت، مؤخرا، محاصيل القمح الأوروبية، عبر شروعها في ابتياع 300 ألف طن من فرنسا ورومانيا وأوكرانيا وكذلك الارجنتين، بحسب المكتب الفرنسي “أنتير- كورتاج” للوساطة التجارية.

ويرى خبراء أنه بإمكان القارة الإفريقية التوقف عن استيراد القمح، نظرا للإمكانات الاقتصادية والطبيعية التي تمتلكها، بما يمكّنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي، ولم لا التصدير أيضا. جارما لفت إلى أن “إفريقيا تمتلك أكثر من 40 % من الاحتياطي العالمي من الأراضي الصالحة للزراعة، وأغلب دولها تتمتع بظروف مناخية جيدة للغاية، تسمح لها بإنتاج كميات كبيرة من قمح بجودة عالية”.

وبحسب دراسة أعدها “المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح” (منظمة غير حكومية مقرها المكسيك)، في 2012، شملت 12 بلدا، فإنه في صورة التعويل على الأمطار ومياه الري بالإضافة إلى توفير الكميات المناسبة من الأسمدة، فإنّ “20 % إلى 100 % من الأراضي الخصبة” ستخصّص لزراعة القمح في كل من أنغولا وبوروندي وأثيوبيا وكينيا ومدغشقر وموزمبيق ورواندا وتنزانيا والكونغو الديمقراطية وأوغندا وزامبيا وزيمبابوي.

المصدر نفسه أضاف أن تعميم هذا النموذج الزراعي سيسمح بانتاج من 1.2 إلى 3 أطنان من الحبوب بالهكتار الواحد، وذلك في معظم بلدان وسط وشرق إفريقيا، وقد يتجاوز الـ 4 أطنان في هضاب بوروندي ورواندا وأوغندا، لافتا، مع ذلك، إلى أنّ هذه التوقعات “قد لا تتطابق مع الحقائق الموجودة على أرض الواقع”.

فالكونغو الديمقراطية، على سبيل المثال، والتي تورد حاليا نحو 80 % من احتياجاتها من القمح من دول شرق إفريقيا (خاصة من إثيوبيا التي تنتج 4.6 مليون طن من القمح)، وفق السلطات الكونغولية، “قادرة على الإنتاج والتصدير أيضا”، بحسب أندري موليرو، منسق منظمة “الكونغو هوبلاند”، الهادفة إلى دمج الشباب في المجال الزراعي في البلاد.

موليرو أضاف أنّ “الكونغو الديمقراطية تمتلك 80 مليون هكتار من الأراضي الزراعية و4 مليون من الأراضي السقوية. وبمساحات ذات إمكانات إنتاجية عالية، تستطيع تقديم الدفع للاقتصاد وتوفير مواطن شغل للشباب الذي يعاني من البطالة، ما قد يجعلها أكبر مصدر للقمح في إفريقيا”.

منسق منظمة “الكونغو هوبلاند” أوضح أيضا أن جملة من الخطوات الضرورية لتحقيق هذه الأهداف ينبغي أن تتخذها السلطات الكونغولية، أهمها الترفيع في الميزانية المخصصة للقطاع الفلاحي، والتي لا تتجاوز الـ 3 % من ميزانية الدولة، والعمل على تأمين المناطق الريفية وتشجيع المستثمرين الخواص على الاستثمار في المجال الزراعي عبر إعفائهم من بعض الضرائب”.

طريق قد يطول من أجل بلوغ الاكتفاء الذاتي، بحسب دراسة “المركز الدولي لتحسين إنتاج الذرة والقمح”، والتي أظهرت أن “الامكانات الطبيعية موجودة، لكن الوصول إلى الأسواق يظل ضروريا”.

فهذه البلدان التي تمتلك إمكانات إنتاجية هامة عليها أن تستثمر في البنية التحتية، وتقدم الدعم الفني اللازم، من خلال زراعة أنواع جديدة من القمح تتميز بجودة أفضل وتتكيف مع طبيعة هذه المناطق، ومن المفترض أن تعمل على تطوير قطاع بذور فعال يضمن زيادة الأصناف الجيدة وتسويقها للمزارعين، وكذلك عليها أن توسع خدمات إرشاد المزارعين، وتطور سلاسل قيمة الاستغلال في السوق لمنتجي القمح، بحسب المصدر نفسه.

وفي الواقع، فإنّ حكومات بعض البلدان الإفريقية بذلت، في السنوات الأخيرة، جهودا في سبيل ما تقدّم، من ذلك مالي، والتي بدأت عام 2013 حملة لمضاعفة الأصناف الواعدة من قمح “ديري 12” و “ديري 15” و “ديري 16″، والتي نجحت في تطويرها، خلال 3 سنوات من التجارب في محطة كوغوني وديري في مدينة غاو (شمال).

أما في مصر، فقد أقرّت وضعت السلطات سياسة للتخفيض من استهلاك الحبوب وزيادة الإنتاج المحلي، ضمن خطوة أثبتت فعاليتها. ففي العام الماضي، تراوحت كمية القمح التي استوردتها البلاد من 4 إلى 5 ملايين طن مقابل 6 ملايين طن في 2014. ومن المتوقع أن يبلغ إنتاج القمح في البلاد، العام المقبل، 10 ملايين طن مقابل 9 ملايين حققتها العام الماضي، بحسب تقديرات “الفاو”.

 

وكالة أبناء الأناضول

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا