حظيت قضية تغير المناخ باهتمام مبكر، وبالغ في دولة الإمارات، وتعددت الجهود، التي تبذلها الدولة، لمواجهة تداعياته والتكيف مع تأثيراته المحتملة على النظم البيئية والقطاعات الاقتصادية، وتبنت مجموعة مهمة من السياسات، شملت التنويع الاقتصادي، والتركيز على الاقتصاد الأخضر، وتنويع مصادر الطاقة بالتركيز على الطاقة المتجددة والنظيفة، وتعزيز كفاءة الطاقة، وسياسة النقل المستدام، والتخطيط الحضري المستدام.

يعتبر تغير المناخ القضية الحاسمة في العصر الحديث، فنحن الآن أمام لحظة حاسمة، فالآثار العالمية لتغير المناخ هي واسعة النطاق، ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، شملت تغيّر أنماط الطقس، التي تهدد الإنتاج الغذائي، وارتفاع منسوب مياه البحار، التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية.

وقد أطلقت دولة الإمارات عام 2017 خطة وطنية للتغير المناخي 2050، تركز على دعم النشاطات والمبادرات الوطنية، التي تهدف إلى مواجهة تحديات المناخ، من خلال تحقيق ثلاثة أهداف، تكمن في إدارة انبعاثات الغازات الدفينة مع الحفاظ على النمو الاقتصادي المستدام في الدولة، وتقليل المخاطر وتحسين القدرة على التكيف مع التغير المناخي، وتعزيز التنوع الاقتصادي، من خلال تطبيق حلول مبتكرة، بالتعاون مع القطاع الخاص، وهي أول خطة موحدة توازن بين الإنتاج والاستهلاك.

وتجلى التزام دولة الإمارات بقضايا التغير المناخي مؤخراً، كون الإمارات واحدة من أوائل الدول، التي صادقت على اتفاقية باريس في شهر سبتمبر 2016، وتطمح الدولة لتحقيق ما نسبته 30% من الطاقة النظيفة، من خلال مشاريع نووية، وأخرى تعتمد على الطاقة المتجددة، مثل طاقة الشمس والرياح، وقامت باتخاذ مجموعة من إجراءات المحافظة على المياه، لمعالجة انبعاثات الغازات الدفينة من قطاعات رئيسية، تشمل الصناعات الثقيلة والنفط والغاز والبناء والمواصلات وغيرها.

وقدمت دولة الإمارات خطوات فاعلة وجادة، للحد من ظاهرة التغير المناخي، عبر تركيز جهودها على خفض انبعاثات الغازات الدفينة، وتفعيل الاستثمارات والمشاريع، التي تركز على توفير بدائل للطاقة، من خلال الطاقة البديلة والنظيفة، وبذلك تعدّ دولة الإمارات أول دولة خليجية تقر استراتيجية للاستثمار في الطاقة المتجددة، تركز على مجالات تشمل الطاقة الشمسية والطاقة النووية والغاز الطبيعي.

ومن هذا المنطلق، اهتمت دولة الإمارات بتطوير الطاقة النووية السلمية، للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، عبر ابتكار تقنيات حديثة صديقة للبيئة انبعاثاتها الكربونية منخفضة، حيث أنشأت محطات «براكة»، التي تم تشغيل أول مفاعلاتها النووية مؤخراً، والتي تشكل إنجازاً فريداً من نوعه وخطوة استراتيجية متقدمة في مسيرة برامج ومشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة.

وفي عام 2007، أجرت الدولة دراسة مكثفة لمعرفة احتياجاتها المتزايدة على الطاقة، وقدرتها الحالية المتوفرة لتوليد الكهرباء، وأظهرت الدراسة أن إمدادات الكهرباء المتوفرة حالياً لن تلبي الاحتياجات المستقبلية للدولة.

وكغيرها من الدول، تواجه الإمارات تحدياً لتوفير مصادر إضافية للطاقة لدعم التنمية الاقتصادية مع مواجهتها لحقيقة تغير المناخ، وحاجتها إلى استخدام تقنيات جديدة صديقة للبيئة وذات انبعاثات كربونية منخفضة، فقامت حكومة دولة الإمارات بدراسة خيارات عدة للطاقة، لتلبية احتياجاتها المستقبلية مثل النفط والغاز والفحم والمصادر المتجددة والطاقة النووية، ثم قيّمت هذه المصادر بناء على تكاليفها وأثرها البيئي وأمن الإمدادات والقدرة على تطويرها اقتصادياً على المدى الطويل.

وقد أثبتت الطاقة النووية أنها الخيار الأمثل للدولة، وذلك لأنها آمنة وصديقة للبيئة وتقنية مثبتة علمياً ومجدية تجارياً، وتوفر كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية مع انعدام الانبعاثات الكربونية الضارة تقريباً، وستنوّع الطاقة النووية مصادر الطاقة المتوفرة في الدولة مع ضمان أمن الطاقة في المستقبل، مع العلم أن الاستثمار في الطاقة النووية يعني تطوير صناعة ذات تقنية عالية في الدولة، والتي ستوفر فرصاً وظيفية مميزة على مدى عقود مقبلة، ومع تطوير الدولة لبرنامجها النووي السلمي، فإنها تتجه نحو استخدام مصادر طاقة، تتميز بتنوعها وتلبيتها لاحتياجات الدولة من الكهرباء مع توفير أمن مستدام للطاقة، مع مسؤوليتنا في استخدام تقنيات صديقة للبيئة، وذات انبعاثات كربونية منخفضة.

ووفقاً لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية فإنه مع التنوع الاقتصادي في الدولة، تطلب إيجاد طاقة كهربائية مستدامة، وأكبر لتشغيل قطاعات صناعية وإنشائية وصحية وتقنية جديدة، وحيثما تزدهر أي صناعة جديدة، ينمو معها عدد السكان والطلب على الكهرباء والماء لزيادة التنمية الاقتصادية.

ويمكن للطاقة النووية توليد كميات كبيرة وثابتة من كهرباء الحمل الأساسي على مدار الساعة، بغض النظر عن الأحوال الجوية، كما يمكنها تقليل الانبعاثات الكربونية في الدولة وتنويعها لإمدادات الطاقة وزيادة أمنها، وتوفير طاقة اقتصادية صديقة للبيئة وموثوقة لعدد السكان المتنامي فيها، وكذلك تلبية التزامات الدولة في مجال الاستدامة، فعند التشغيل التام للمحطات الأربع في براكة، فإنها ستحد من انبعاث 21 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، وهذا يعادل إزالة 3.2 ملايين سيارة من الطرقات سنوياً.

كما تعد الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء تقنية معتمدة، وأثبتت آخر الإحصاءات أن أكثر من 30 دولة حول العالم تُشغّل 450 من محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وأن 53 محطة جديدة تعد قيد الإنشاء في 19 دولة، حيث تنتج محطات الطاقة النووية كميات كبيرة من الكهرباء بكميات بسيطة من الوقود النووي، إذ تستطيع حبيبة يورانيوم واحدة إنتاج طاقة تعادل الطاقة، التي ينتجها 474 لتراً من الوقود أو طن واحد من الفحم، وتعد هذه الطاقة كافية لتوليد الكهرباء في منزل واحد، لمدة شهرين دون أي انبعاثات كربونية.

ووفق الوكالات الدولية المعنية فإن الغازات المسببة للاحتباس الحراري تحدث بشكل طبيعي، وهي ضرورية لبقاء البشر والملايين من الكائنات الحية الأخرى على قيد الحياة عن طريق الحفاظ على جزء من دفء الشمس، وعكسها مرة أخرى إلى الفضاء، لتجعل الأرض صالحة للعيش، ولكن بعد أكثر من قرن ونصف القرن من التصنيع وإزالة الغابات، والزراعة الواسعة النطاق، ارتفعت كميات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية، لم تشهدها منذ ثلاثة ملايين عام، وبينما تنمو الاقتصادات ومستويات المعيشة للسكان، فإن مستوى تراكم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري (غازات الدفيئة) آخذة في الارتفاع أيضاً كذلك الحال بالنسبة للمستوى التراكمي من الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

وصنف دولة الإمارات من بين الدول الأكثر عرضة للتأثيرات المحتملة لتغير المناخ في العالم، وسيترتب على هذا ارتفاع أكثر في درجات الحرارة، وسقوط الأمطار بشكل أقل، وانتشار الجفاف، وارتفاع مستوى مياه البحار والمزيد من العواصف.

برامج

أطلقت دولة الإمارات العديد من البرامج المبتكرة لزيادة كفاءة الطاقة وفعاليتها، ففي عام 2014، أطلقت دبي استراتيجية دبي الذكية معتمدة على تقديم ألف خدمة حكومية، وتطوير 6 مجالات رئيسة وهي: النقل والبنية التحتية والاتصالات والخدمات المالية والتخطيط العمراني والكهرباء.

تقوم هذه الاستراتيجية على خطوات تهدف إلى تحسين الطاقة والنقل الذكي والمجالات الترفيهية، وسيكون لترشيد الطاقة دور في هذه الاستراتيجية، بالإضافة إلى زيادة وسائل النقل العام.

وفي عام 2010، وافق مجلس الوزراء في دولة الإمارات على اعتماد معايير البناء الأخضر، ومعايير البناء المستدام، ليتم تطبيقها في جميع أنحاء الدولة، وقد بدأ تطبيق هذه المعايير في المباني الحكومية مطلع عام 2011، ومن المتوقع أن يوفر المشروع 10 مليارات درهم بحلول عام 2030، وأن يُخفض نحو 30% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وفي عام 2011 أصدرت حكومة دبي مجموعة من قوانين البناء الأخضر الخاص بإنشاءات القطاع الخاص، بغرض تقليل استهلاك الطاقة والموارد، بالإضافة إلى تحسين الصحة والرفاهية العامة، ويعد هذا القانون ملزماً لكل المباني الجديدة.

فيما خصصت إمارة أبوظبي أكثر من 15 مليار دولار أمريكي لبرامج الطاقة المتجددة، من خلال مبادرات مصدر، التي شددت على التزاماتها المزدوجة تجاه البيئة العالمية، وتنوع مصادر اقتصاد دولة الإمارات.

كما ركزت مبادرة «مصدر» على تطوير التكنولوجيا، وإضافة الطابع التجاري لها في ما يخص الطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة، وإدارة ثاني أكسيد الكربون، وتحقيق عائد مادي منه، بالإضافة إلى استخدام المياه وتحليتها، وبفضل التزام الدولة بالاستدامة، افتتحت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) فرعها الرئيس الدائم في مدينة «مصدر» بأبوظبي في يونيو 2015.

المصدر: البيان

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا