تعد المدن الذكية والاستدامة الحضرية مفاهيم مرتبطة بشكلٍ وثيق، حيث تعتمد المدن الذكية على البيانات للتعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة، فيما لا ينفصل تحقيق الاستدامة عن الحفاظ على الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والمعرفية للمدن، كما يعدُّ توظيف التكنولوجيا حجر الزاوية في التنمية الحضرية المستدامة في المستقبل. وتهدف المدن الذكية إلى تحقيق الاستدامة الحضرية من خلال تحسين إدارة الطاقة والموارد والارتقاء بجودة الحياة في المدن. ويعد تعميم نموذج المدن الذكية وتحقيق الاستدامة الحضرية من أهم التحديات التي تواجه المدن في القرن الحادي والعشرين.

وتُعنى ابتكارات الاستدامة الحضرية والمدن الذكية بتطوير مدن مستدامة وذكية، تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين جودة الحياة ورفع كفاءة العمليات والخدمات الحضرية. وتشمل هذه الابتكارات استخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية والواقع المعزز وتقنية البلوكتشين، لتحسين النتائج وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويغطي نطاق الابتكارات في الاستدامة الحضرية والمدن الذكية العديد من المجالات، مثل الطاقة الذكية، وجمع المخلفات القابلة لإعادة التدوير، وتحسين إمكانية الوصول للأشخاص وتعزيز المشاركة المجتمعية، وتحويل القرى والمناطق الريفية النائية إلى قرى ومناطق ذكية. وتعد المدن الذكية مناطق حضرية تستخدم مجموعةً من التقنيات الرقمية من أجل إثراء حياة السكان، وتحسين البنية التحتية، وتحديث الخدمات الحكومية، وتعزيز إمكانية الوصول، وتحفيز الاستدامة، وتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية.

وتسهم المدن الذكية في توفير بيئات حضرية آمنة ومستدامة ومزدهرة، وتحسين الأمن والسلامة بالاعتماد على التكنولوجيا والبيانات لمراقبة الشوارع والمركبات، والتعرف على وجوه الأفراد، وتحسين الاستجابة للحالات الطارئة. كما تساعد المدن الذكية في دفع عجلة الاستدامة من خلال تحسين البنية التحتية والخدمات الحضرية وجودة الهواء والمياه، وآليات معالجة النفايات. كما تضطلع المدن الذكية بدورٍ في تعزيز الازدهار زيادة زخم سوق العمل وقطاعات التعليم والمعرفة والترفيه والحياة الاجتماعية، وتسهم هذه المدن بشكلٍ ملموس في الاستجابة لتحديات خفض الانبعاثات الكربونية، والحد من وطأة التغير المناخي.

وتمتاز المدن الذكية بخصائص فريدة، منها توفير الأمن والأمان الرقمي والسيبراني، حيث يساعد استخدام التكنولوجيا المتقدمة كالذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات في الاستجابة للتهديدات بسرعة، وتوفير بيئة آمنة للسكان والأعمال والبنية التحتية. وتعتمد المدن الذكية على اقتصادٍ قائم على التكنولوجيا الرقمية، كالأعمال التجارية الإلكترونية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، وغيرها من التقنيات المتقدمة. ويمثل هذا الاقتصاد جزءاً من مدن المستقبل الذكية، ويُقصد بذكاء الأعمال استخدام التكنولوجيا والبيانات لجعل البنية التحتية والخدمات أكثر فعاليةً واستجابةً لاحتياجات الناس. كما تمتاز المدن الذكية بـالقدرة على ربط مختلف الأنظمة والخدمات، ما يتيح تكامل وسلاسة تدفق المعلومات، واستخدامها بصورةٍ أكثر كفاءة لاتخاذ قرارات فعالة لتحسين الخدمات الحضرية. وتقدم المدن الذكية أيضاً خدمات الصحة الذكية، والتي تعتمد على التكنولوجيا والبيانات لتحسين الرعاية الصحية وجعلها أكثر فعالية ومُلاءمة لاحتياجات كل فرد، من تشخيص الأمراض المبكر، إلى العلاج والوقاية. وتعتمد المدن الذكية مفهوم الحكومات الذكية، مستعينةً بالتكنولوجيا الرقمية لتحسين الخدمات الحكومية وتبسيط إجراءاتها وجعلها أكثر فعالية وشفافية. ويسهل هذا المفهوم حياة الناس، ويمثل تحولاً كاملاً في طريقة تفاعل الحكومات مع المواطنين والمؤسسات.

وتشهد منطقة الشرق الأوسط تسارع وتيرة تبني ابتكارات المدن الذكية، حيث تعمل العديد من دول المنطقة على تطوير مفاهيم المدن الذكية في إطار مبادرات حكومية تستهدف التحول إلى المدن الذكية في مختلف مجالات الخدمات. وتشير التقارير إلى تزايد المدن الذكية في الدول العربية، حيث تقود دولة الإمارات هذا التوجه الاستراتيجي من خلال مدينة مصدر وعمليات شركة “بيئة” ونظام هايبرلوب بين أبوظبي ودبي. وتبرُز أيضاً مدينة نيوم في المملكة العربية السعودية، إلى جانب العاصمة الإدارية الجديدة في جمهورية مصر العربية.

وفي ضوء التلازُم الوثيق بين الاستدامة والمدن الذكية، حظيت الاستدامة باهتمام الحكومات والمنظمات الدولية نظراً لأهميتها في المحافظة على الموارد، واستخدامها بشكلٍ مستدام، لتلبية احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية. كما تدعم الاستدامة التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في الدول العربية، إضافة إلى دورها المحوري في بناء مجتمعات أكثر استقراراً في المنطقة، وتوفير فرص العمل وتعزيز جودة الحياة. وتهدف الابتكارات في الاستدامة الحضرية والمدن الذكية إلى الارتقاء بجودة الحياة في المدن وجعلها أكثر استدامة وكفاءة باستخدام التكنولوجيا الحديثة، وتشجيع المشاركة المجتمعية وتحسين البنية التحتية. وتمثل الاستدامة إحدى أبرز الطرق والمبادئ التوجيهية لتحقيق ذلك، وتنطوي على الحفاظ على الموارد الطبيعية وتحسين جودة الهواء والمياه والتخفيف من الانبعاثات الضارة وتشجيع النقل العام والطاقة المتجددة، وكذلك الابتكار من حيث استخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي لتحسين الخدمات في المدن الذكية وجعلها أكثر كفاءة، إضافة إلى مشاركة الجمهور من خلال تشجيع المواطنين على المشاركة في صنع القرارات المتعلقة بالمدن الذكية وتحسين الخدمات الحضرية، فضلاً عن تحسين إمكانية الوصول إلى الخدمات الحضرية وتوفير وسائل النقل العام، وكذلك تصميم المدن بطريقة تسمح بالتكيف مع التغيرات المناخية والتحديات البيئية الأخرى.

وتعتمد الاستدامة الحضرية والمدن الذكية بشكل كبير على المعرفة والتكنولوجيا، حيث تلعب المعرفة دوراً حيوياً في تحسين جودة الحياة البيئية الحضرية والحد من آثار البيئة السلبية. كما تساعد المعرفة في تحسين استهلاك الموارد وزيادة الكفاءة في استخدامها، وتحسين النقل والتنقل وتوفير الطاقة والمياه. وتساعد المعرفة أيضاً في تحسين الصحة والسلامة والأمن والرفاهية العامة للمجتمعات الحضرية، وكذلك في تحسين الحوكمة والإدارة والمشاركة المجتمعية، بالإضافة إلى تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية للمدن.

وبحلول العام 2050، سيعيش نحو سبعة من كل عشرة أشخاص في المدن، والتي تمثل بدورها أكثر من 70 في المائة من انبعاثات الكربون في العالم، و60 إلى 80 في المائة من استهلاك الطاقة. وبالتالي، فإن، سيتنامى دور المدن الذكية مستقبلاً كبيئات مستدامة، تعزز كفاءة استهلاك الطاقة وإدارة النفايات، وتحسن الإسكان والرعاية الصحية والسلامة، وترتقي بجودة الهواء.

وفي هذا الصدد، تبرز مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة باعتبارها جهةً مؤثرة في تمكين الأجيال المستقبلية وتعزيز دورها في مجال الاستدامة، ورفدها بالسبل التي تمكنها من ابتكار حلول مستدامة، عبر دفع عجلة التنمية المعرفية وتطور العمل البحثي في الوطن العربي. كما تلتزم المؤسَّسة ببناء مجتمعات قائمة على المعرفة عبر دعم مشاريع البحث والأنشطة والمبادرات الرامية لتحقيق الاستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة. وترفد المؤسَّسة جهود الدولة الرامية إلى تحقيق الاستدامة من خلال تنفيذ مشاريع ومبادرات رائدة، مدفوعةً بإرادة راسخة للحفاظ على البيئة والموروث المعرفي الغني لدولة الإمارات. وتحرص المؤسَّسة على إيلاء أهمية كبيرة للتعليم المستدام، إذ تلعب دوراً مهماً على هذا الصعيد من خلال غرس قيم الاستدامة في نفوس الأجيال الناشئة وتنمي فيهم الحس البيئي، وتشجيعهم على المشاركة الفعالة في تحسين البيئة وتعزيز التنمية المستدامة، وتنظيم ورش عمل وندوات تفاعلية حول هذه القضايا.

ويتمحور مفهوم المدن الذكية بشكلٍ رئيسي حول تحقيق التوازن بين التطور التكنولوجي والاستدامة البيئية وجودة الحياة، متيحةً حلاً مبتكراً لتحسين الحياة في المدن وتحقيق الاستدامة البيئية، وذلك من خلال توظيف التقنيات الرقمية الجديدة والذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الحياة للمواطنين وتقليل الأثر السلبي على البيئة. ويتطلب تحقيق هذه الأهداف وضع استراتيجيات تنموية حضرية متوازنة ومستدامة، تلبي احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمعرفية.

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا