ينحدر نهر نجوزمبا الجليدي في نيبال من فوق سادس أعلى جبل في العالم وهو جبل “تشو أويو”.

النهر ذاته ليس أعظم نهر جليدي تستمع بالنظر إليه، فهو مغطى بطبقة من الصخور التي سقطت من الجروف المحيطة به فاكتسى النهر باللون الرمادي.

لكن هذا النهر الذي يبدو قبيحا يثير اهتمام العلماء في الآونة الأخيرة.

فقد لوحظ في العقود القليلة الماضية أن درجات الحرارة تزداد بشكل غير مسبوق في منطقة جبال الهمالايا في نيبال عن المعدلات العالمية المعروفة.

وبدأت الأنهار الجليدية في أجزاء كثيرة من المنطقة في التقلص والضيق والانحسار ما أدى إلى زيادة منسوب المياه الناتجة عن ذوبان الجليد.

وفي حالة نهر نجوزمبا الجليدي، تجري المياه على السطح ثم تتسرب عبر سلسلة من الجداول والكهوف حتى تصل إلى مصب النهر الجليدي.

وهناك على بعد 25 كيلومترا من الجبل توجد بحيرة ضخمة تسمى “سبلواي” تقع خلف كومة من الحطام الصخري.

وتمتد هذه البحيرة في اقصى سعتها إلى 6 كيلومترات بعرض كيلومتر واحد وعمق مئة متر.

ويخشى العلماء من أن كمية المياه المتسربة من النهر قد تتخطى السد الذي كونته الصخور وتجرف كل ما في طريقها باتجاه الوادي حيث تقع قرى منطقة “شيربا”.

وبالرغم من أن تأكيد العلماء أن الخطر ليس وشيكا، لكنهم قالوا إن الموقف يحتاج إلى متابعة دقيقة.

كاميرات

ومن بين الباحثين العاملين في جبل نجوزمبا أليانا هوروديسكي الباحثة في معهد التعاون لبحوث العلوم البيئية التابع لجامعة كلورادو الأمريكية.

وتقوم الباحثة بوضع كاميرات مراقبة عن بعد لرصد سطح النهر والبرك المائية التي تظهر على طول النهر وهي متباينة الحجم ما بين برك صغيرة وأخرى قد توازي مساحة عدة ملاعب لكرة القدم.

وقد تمكنت الباحثة حديثا من إثبات كيف أن لمياه هذه الأنهار الجليدية خواص ديناميكية حيث أنها تتصرف بسرعة ولكنها تتكون بشكل سريع أيضا.

وقد يصل حجم المياه الناتجة عن ذوبان النهر إلى أحجام هائلة، فقد رصدت الكاميرات بحيرة جليدية ضخمة وهي تفقد أكثر من 100 ألف مكعب من المياه خلال يومين. وفي غضون خمسة أيام استعادت البحيرة نصف هذه الكمية من المياه بعد أن وصلت إليها مياه من مرتفعات محيطة.

وقالت الباحثة هوروديسكي لـ بي بي سي: “لو جئت قبل أسبوع من تصريف مياه النهر ثم زرت الموقع مرة أخرى بعد أسبوع فسيبدو النهر كما لو أن شيئا لم يحدث له لأن مستوى المياه في البحيرة سيظهر كما هو”.

وأضافت: “لكن تصويري للفترات البينية يخبرني أن هناك شيئا قد حدث. فقد فقد النهر مياه يصل حجمها إلى 40 مرة حجم مياه حمام سباحة أوليمبي”.

معدلات الذوبان

وتحاول هوروديسكي أن تفهم الدور الذي تلعبه هذه البحيرات الجليدية الضخمة في تآكل نهر نجوزمبا الجليدي.

ويبدو أن الأنهار الجليدية التي تغطيها الصخور لا تذوب بنفس السرعة التي تذوب فيها الأنهار الخالية من الصخور.

فالأنهار التي يغطيها الحطام الصخري تعزل الجليد عن أشعة الشمس.

لكن إذا تم إزالة هذه الصخور كما حدث في هذه البحيرات الجليدية، فإن معدلات الذوبان ستزداد.

وقالت الباحثة إن ” الذوبان الذ يحدث في البحيرات يكون نتيجة لجوانبها التي تكونت من جليد نقي”.

وأضافت أن “معدل الذوبان تحت الصخور التي تغطي النهر الجليدي بلغ نحو 2 سم يوميا، بينما بلغ معدل الذوبان في الحوائط
الجليدية النقية نحو 4 سم يوميا. وفي الوقت الذي تنصرف فيه المياه من البحيرة فإنها تهدد هذه الحوائط الجليدية”.

الاحتباس الحراري

وتوصلت الباحثة هوروديسكي إلى أن العديد من البحيرات فوق سطح النهر الجليدي نجوزمبا تتصل ببعضها بشكل مباشر وحينما تنصرف مياه إحدى البحيرات، من المرجح أنها تنتقل إلى بحيرة أخرى مستوى المياه فيها منخفض.”

لكن من غير الواضح كيفية انتقال هذه المياه من بحيرة إلى أخرى.

وهذا ما دفع الباحث دوغ بن من جامعة سنتر في سفلبارد بالنرويج إلى القيام بدراسة الظاهرة.

ويقوم دوغ بن بالتسلق خلال قنوات المياه الجارية وسط نهر نجوزمبا.

وقال بن “لقد عرف أن الأنهار الجليدية في هذه المنطقة تذوب نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري لكن ما لم يتم إدراكه حتى الآن هو أن هذه الأنهار تتآكل أيضا من الداخل”.

وأضاف “هذه الأنهار تتحول لتصبح مثل الجبن السويسري، حيث يحدث كل شيء بسرعة أكبر مما يبدو عما يحدث على السطح”.

وأوضح قائلا ” هذه القنوات تعتبر نقاط ضعف، فحين يذوب النهر الجليدي فإن أسطح الأنفاق التي كانت تغطيه تنهار، وينكشف
عندها الجليد. ورغم أن الصخور التي تغطي السطح تقلل سرعة الذوبان لكن ما يحدث تحت السطح يعرض النهر لخطر الذوبان بشكل أسرع مما كان متوقعا”.

 

BBC

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا