“باتت مخلفات عصر الزيتون أو ما تعرف ب”الزيبار” مشكلة بيئية، لم تجد طريقاً للحل، ليس في فلسطين فقط، وإنما في العالم أجمع” هذا ما حذّر منه تقرير اخير لمركز العمل التنموي/ معا مشيراً إلى أنه ورغم إجراء دراسات وأبحاث عديدة، إلا أن اياً منها لم يستطع الوصول الى حلول جذرية وقليلة التكلفة لهذه المشكلة، حيث أصبحت مجاري الأودية والقنوات المائية والمياه الجوفية والأراضي الزراعية تواجه هذه المعضلة بشكل سنوي.

والزيبار، كما جاء في التقرير المعد من قبل الصحفي فراس الطويل، هو ماء أسود اللون ينتج من عملية عصر الزيتون، غالبيته من المياه التي تضاف على عملية العصر، والتي تغسل بها الثمار، علما أن  50% من ثمرة الزيتون عبارة عن مياه، بالإضافة للكميات التي تضاف لعملية الغسل، حيث يتم تجميع كل مخلفات العصر المائية في حفرة واحدة من قبل المعاصر، وهذه المخلفات يطلق عليها الزيبار.

يحتوي الزيبار، وفق التقرير، على مواد عديدة ملوثة لاحتوائه على مواد كيميائية عديدة من اخطرها مركب “الفينول”، الذي يشكل القسم الأكبر من مكونات مخلفات عملية العصر، حيث أن هذا المركب يتسرب ويتجمع في التربة، ويبقى فيها وصولا إلى مرحلة التشبع دون التحلل. ويمكن لهذه المواد أن تنتقل بواسطة المياه الجارية التي تتكون نتيجة لعمليات الري أو لهطول الأمطار وبالتالي زيادة رقعة التلوث والقضاء على الاراضي الزراعية التي تصلها.

يقول رامز عبيد مدير دائرة الزيتون في وزارة الزراعة لمركز معا ان “مكونات الزيبار تصبح ضارة وسامة فقط عندما تخرج للبيئة وتتفاعل مع الحرارة والجو والعوامل البيئية الأخرى، قبل عملية العصر لا يوجد اضرار لمكونات الثمرة بالمطلق، وخصوصا أننا نأكل الزيتون بعد تخليله بكل المواد التي يحتويها. وأضاف ان “الزيبار كفيل بقتل النباتات وجعل الاراضي التي يصلها غير صالحة للزراعة، بالإضافة الى الاضرار الكبيرة للمياه الجوفية”.

وفقا لتعليمات سلطة جودة البيئة يمنع التخلص من الزيبار في الاودية وفي مجاري المياه العادمة، حتى لا يختلط مع محطات تكرير المياه او محطات التنقية، لأنه يؤدي الى تخريب برك تكرير مياه المجاري من خلال قتل البكتيريا الموجودة فيها، واللازمة لتحليل المواد العضوية الموجودة فيها. يبين عبيد.

تعليمات اخرى من قبل وزارة الزراعة للمعاصر بضرورة تجنب التخلص من الزيبار في الاراضي الزراعية أو تلك القابلة للزراعة، أو قرب تجمعات المياه الصالحة للشرب، أو حتى في مياه المجاري، كما يمنع التخلص منه في الاودية التي تؤدي مجاريها الى برك المعالجة.

الزيبار مفيد للطرقات

يقول عبيد “نوصي أصحاب المعاصر بإلقاء المخلفات بعيدا عن حقول المزارعين، وننصحهم بالتخلص منه في الطرق التي يتم شقها حديثا خصوصا الطرقات الترابية الزراعية، فيؤدي الى تماسك “الباسكورس” وتصليبه وتكوين طبقة عازلة عليه، وبالتالي اطالة عمر هذه الطرقات من ناحية، وعدم نمو الاعشاب فيها من ناحية أخرى.

وتبقى التعليمات سالفة الذكر مجرد نصائح وإرشادات غير ملزمة من قبل وزارة الزراعة، كما يؤكد عبيد. وأشار الى أنه “لا يوجد قانون من قبل الوزارة في هذا المجال، لدينا نظام في صحة البيئة يمنع كب الزيبار في مياه الصرف الصحي، وأحيانا تصلنا شكاوي من مزارعين بأن بعض اصحاب المعاصر وضعوا مخلفات الزيتون في أراضيهم، هنا ترفع الوزارة شكوى عليه، وقد يتم تغريم المعاصر بآلاف الشواكل، لأن الضرر كبير في هذه الحالة على الاراضي المزروعة والقابلة للزراعة”.

وتعد مشكلة الزيبار عالمية، وعقدت مؤتمرات عديدة محليا ودوليا، حول السبل الناجعة للتخلص منه بطرق تكون مجدية اقتصاديا، وتجنب الارض والمياه من مخاطره. إلا أنه لم يتم التوصل الى حل جذري، رغم وجود افكار عديدة.

افكار عديدة، ولكن؟

ويتابع عبيد “هناك محاولات من دول عدة للاستفادة من المواد الهائلة الموجودة في الزيبار، خصوصا في انتاج مستحضرات التجميل، لكن تكاليف هذا الأمر باهظة بالمقارنة مع الاستفادة المرجوة، وفي ظل سعينا الى اتباع الاساليب التي تخلف أقل الأضرار، الابحاث ما زالت مستمرة، وهناك توصيات برشه بنسب معينة على الاراضي الزراعية كسماد مخصب للتربة، ويمكن التقليل من مخاطره بشكل كبير، اذا تمكنت المعاصر من عدم خلط مياه غسل الثمار مع المياه الخارجة منها، هذا الأمر يقلل من الزيبار الضار، نوصي دائما اصحاب المعاصر بوضع خطين للمياه، خط اول يذهب للمجاري، وخط ثان مخصص للزيبار الذي يخرج من الثمار، هكذا يمكن تقليل الكمية التي تسبب الضرر بمقدار النصف تقريبا”.

سلطة البيئة: لا حلول للزيبار

من جانبها، قالت سلطة جودة البيئة، إنه لا توجد في الوقت الحالي أية حلول جذرية لحل مشكلة مخلفات عصر ثمار الزيتون، في فلسطين والعالم. وأشارت سلطة البيئة في تصريح صحفي، إلى أن “الخصائص الكيميائية لمادة الزيبار تشكل خطرا على الصحة والسلامة العامة للإنسان أو النباتات أو الحيوانات والمياه، كونها قاتلة للعديد من عناصر الحياة”.

ودعت أصحاب معاصر الزيتون إلى التخلص من الزيبار بعيدا عن الأراضي الزراعية والموارد المائية والأودية، حفاظا على السلامة العامة، ولخطورتها المدمرة واحتوائها على مادة “الفينول”.

30% من ثمرة الزيتون عبارة عن زيبار

توجد في الضفة الغربية 280 معصرة للزيتون و20 اخرى في قطاع غزة، وهناك قسم لا يعمل في كل الاعوام حسب كميات الإنتاج، فمثلا الموسم الحالي، فتحت 265 معصرة ابوابها أمام المزارعين.

يتوقع ان يتراوح الانتاج الكلي من الزيت هذا العام، من 13-16 الف طن، في حين أن متوسط الانتاج لآخر عشرة اعوام، بلغ 16500 طن زيت.

يقول فياض فياض مدير عام مجلس الزيت والزيتون الفلسطيني، ان  ثمرة الزيتون عبارة عن 25% زيت، 45% جفت (هو المخلفات الصلبة لعملية العصر)، و30% زيبار(المخلفات السائلة). وأشار الى انه “تتم اضافة 1000 لتر من المياه لكل طن زيتون، وفي هذه الحالة يخرج من كل طن زيتون قرابة 3000 لتر من الزيبار، وهي عبارة عن مياه الغسل والمياه الموجودة في الثمرة.

ويقترح فياض، ايجاد سدود بعيدة عن الاراضي الزراعية في مختلف المناطق لتجميع مياه الزيبار خلفها، كما هو الحال في الأردن حيث توجد هناك ثلاثة سدود، لكن تبقى المشكلة في عمليات النقل التي تعتبر مكلفة.

يمكن استخدام الزيبار في عمليات الري التكميلي كما هو حاصل في بعض الدول، خصوصا اسبانيا، وايطاليا، وسوريا، حيث يرش في الارض مباشرة، بكميات مدروسة. لكن لا تعتبر هذه الطريقة حلا ناجعا في بلادنا يقول فياض. مضيفا “نحن هنا لا نحتاج للزيبار في عملية الري، في غالب الاحيان يبدأ فصل الشتاء بعد انهاء موسم عصر الزيتون، بالتالي لا حاجة للري، ناهيك عن التكاليف الباهظة لنقله الى الحقول”.
Olive-residues

“الزيبار” على طاولة مؤتمر في بيت لحم

في اواخر شهر تشرين ثاني افتتح معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، في بيت لحم، فعاليات المؤتمر الدولي لمشروع اولترفيا ” بناء القدرات الفلسطينية في مجال الإدارة المتكاملة في معالجة المخلفات الناتجة عن معاصر الزيتون في فلسطين”، بالشراكة مع مؤسسة نقل التكنولوجيا والمعرفة في جامعة بريمن هافن الألمانية والمؤسسة الايطالية لتكنولوجيا الأغشية وجامعة اكسترامادورا الاسبانية، بدعم من قبل الاتحاد الأوروبي ضمن برنامج الإطار السابع للبحوث والتنمية.

وقد حضر المؤتمر عدد كبير من الباحثين والخبراء في هذا المجال، حيث قدم عدد من الباحثين عددا من الاوراق العلمية. من ضمنهم سامية عبد الهادي من مؤسسة حواكير من الناصرة، تركزت ورقتها، حول القشور المتكونة من رش عكر الزيت (الزيبار) على التربة كنوع من علاج الفضلات السائلة الناتجة من مخلفات المعاصر حيث انه لا يوجد حتى الآن علاج اقتصادي وتطبيقي لهذه المخلفات.

في حين قدم الياس ابو مهر من معهد أريج دراسة حول كيفية معالجة النفايات الصلبة الناتجة عن معاصر الزيتون لاستخدامها كأداة لتحسين خصائص التربة والاستفادة منها، الأمر الذي ينعكس إيجابا على حماية المياه الجوفية من الآثار السلبية الناتجة عن استخدام المبيدات الكيميائية. كما قدم الدكتور انطونيو بينيرو من جامعة اكستريمادورا الاسبانية دراسة حول اثر النفايات الصلبة الناتجة من معاصر الزيتون على خاصية الامتصاص والإفلات والترشيح لمبيد الأعشاب MCPA””، حيث اشار الى اهمية استغلال هذه النفايات في زيادة المادة العضوية في التربة.

وقد أكد المؤتمر على أهمية البحث العلمي وتعزيز التعاون والتشبيك مع المراكز الأوروبية المتخصصة في مجال العلوم والتكنولوجيا،  كما أوصى الباحثون على أن يتم تعميم وتطبيق التجارب التي تم مناقشتها في المؤتمر داخل الأراضي الفلسطينية، وذلك لأن هذا القطاع ما زال يفتقر إلى الإدارة السليمة بيئيا، حيث أن المياه العادمة والنفايات الصلبة الناتجة لا يتم معالجتها وإنما تلقى عشوائيا دون مراعاة للبيئة.

 

دنيا الوطن

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا