ألكسندر كوزول – رايت *

في وقت سابق من هذا الشهر عقدت الأمم المتحدة مؤتمرها للمحيطات في لشبونه-البرتغال. لقد كان الهدف هو ” الدفع قُدماً بحلول مبتكرة ذات أساس علمي والتي تشتد الحاجة لها من أجل البدء بفصل جديد من العمل العالمي المتعلق بالمحيطات”. يحتاج العالم الى ” محيط تتم إدارته بشكل مستدام” وفقًا لما قاله وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية ميغيل دي سيربا سواريس الذي أشاد بالمؤتمر باعتباره “نجاحًا هائلاً”، ولكن هيهات.

ليس من المبالغة في شيء الكلام عن أهمية المحيط فهو أكبر محيط حيوي على كوكب الأرض ويستضيف ما يصل إلى 80٪ من جميع أشكال الحياة على الأرض كما أنه إنه ينتج 50٪ من الأكسجين الذي نتنفسه ويمتص ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهو أمر ضروري لتنظيم المناخ والطقس كما أنه حيوي من الناحية الاقتصادية حيث يعمل ما يقرب من 120 مليون شخص في القطاع السمكي والأنشطة ذات الصلة ومعظمهم من خلال مشاريع صغيرة في البلدان النامية.

لكن خلال العقود الأربعة الماضية، تعرض المحيط لضغط غير مسبوق وهذا يعود الى حد كبير للنمو السريع في النشاطات البحرية التجارية ويعتبر هذا النمو كبير بشكل خاص في المناطق الاقتصادية الخالصة وهي المناطق المتاخمة للمياه الإقليمية التي تمتد حوالي 230 ميلاً من سواحل بلد ما.

لقد تم تكريس مبدأ السيادة الوطنية على المناطق الاقتصادية الخالصة في ميثاق الأمم المتحدة الخاص بقانون البحار سنة 1982 وفي السنوات التي تلت ذلك باعت الحكومات مساحات واسعة من مناطق المحيط من خلال الرخص والامتيازات المرتبطة بالدولة والتي تسّلم فعلياً إدارة الأنظمة البيئة البحرية للقطاع الخاص.

يبدو أن صناع السياسات استنتجوا أن الشركات سيكون لها مصلحة مالية في تبني ممارسات تجارية مسؤولة من أجل الحفاظ على الموارد التي كانت تجني منها كل هذه القيمة ولكن الذي حصل ان عمليات التنقيب عن النفط والغاز على نطاق واسع، والصيد الصناعي، والتجارة البحرية المحمومة قد تسببت كما أشار مبعوث الأمم المتحدة الخاص للمحيطات بيتر تومسون مؤخرًا في “تدهور صحة المحيط”.

لقد وصل التحمض البحري والسخونة إلى مستويات قياسية العام الماضي. ان حوالي 13٪ من المحيطات فقط مؤهلة الآن لإن يتم اعتبارها على أنها “برية بحرية” (مساحات بحرية بيولوجية وبيئية سليمة وخالية في الغالب من الاضطرابات البشرية). ان أكثر من ثلث الثدييات البحرية وما يقرب من ثلث الشعاب المرجانية المكونة للحيد البحري مهددة الآن بالانقراض.

وفي هذا السياق تم عقد مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات من أجل “وقف تدمير” النظم البيئية للمحيطات، ولكن وعلى الرغم من تلك الخطابات الرنانة، فإن كل ما تمخض عنها كان عبارة عن تصريحات غامضة: لقد أعادت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة التأكيد على تعهدها بتعزيز الحوكمة البحرية من خلال إجراءات من بينها تعزيز جمع البيانات وتشجيع التمويل للحلول القائمة على أساس الطبيعة.

في واقع الأمر باستثناء الخطط التي أعلنتها كولومبيا مؤخرا لإنشاء أربع محميات بحرية جديدة، لم يتم القيام بأي تعهدات ملزمة ومن الأمور التي تعبّر عن ذلك الطريق المسدود الذي لم يتم التغلب عليه فيما يتعلق بالتعدين في أعماق البحار، وبينما العديد من الاقتصادات المتقدمة بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية تدعم هذه الممارسة المثيرة للجدل، طالبت دول المحيط الهادئ مثل بالاو وفيجي بتعليق تلك الممارسة على مستوى القطاع وذلك بسبب نقص البيانات البيئية.

ان النتيجة الرئيسية للمؤتمر هي ان الأمم المتحدة ما تزال ملتزمة بالتغيير التدريجي مع بقاء السيطرة التامة للقطاع الخاص حيث ينعكس ذلك في التركيز على حلول “رأس المال الطبيعي”، والتي تتضمن وضع سعر على الطبيعة من أجل إنقاذها. لقد خضعت صناعة السياسات الليبرالية الجديدة والتي تسببت بالأزمة الحالية لتغيير أيديولوجي فبعد فشل رأسمالية المساهمين في ضمان التنظيم الذاتي من قبل الملاك من القطاع الخاص، فإن من المفترض أن تنجح “رأسمالية أصحاب المصلحة” لأن الشركات ستوازن بين المصالح المتنافسة للمستثمرين والعمال والمجتمعات والبيئة.

ليس من الصعب معرفة سبب جاذبية رأسمالية أصحاب المصلحة: إنها تعطي الانطباع بأنك تستطيع تحقيق كافة الأمور المتناقضة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمحيط فإن الوضع قد أصبح متأخراً فنظرًا للقيود التكنولوجية الحالية، فإن حماية المحيطات من المزيد من التدهور يحول دون القيام بأي تصنيع بحري إضافي.

لماذا تعتقد الأمم المتحدة أو أي جهة أخرى أن الشركات الخاصة سوف تتحمل مسؤولياتها في رعاية كوكب الأرض؟ ان التدهور السريع للنظم الإيكولوجية البحرية ليس جديداً ومع ذلك فقد زادت الشركات من أنشطتها الضارة، ومن الناحية الواقعية لن تؤدي رأسمالية أصحاب المصلحة سوى إلى ترك القرارات الصعبة للأجيال القادمة بشأن موضوع تحقيق أكبر قدر من الأرباح في عالم يقيده المناخ.

الآن، لدى العالم فرصة لتبني نهج واعد أكثر من أجل حماية المحيط: المؤتمر الحكومي الدولي المعني بالتنوع البيولوجي البحري للمناطق خارج نطاق الولاية الوطنية حيث من المتوقع أن تؤدي الاجتماعات التي تُستأنف في نيويورك هذا الأسبوع الى التوصل لإطار قانوني يحكم جميع المناطق البحرية خارج المناطق الاقتصادية الخالصة للدول الساحلية.

تشكل أعالي البحار 64٪ من مساحة سطح المحيط وتستضيف أكبر خزانات التنوع البيولوجي على الأرض. ان عدد الأنواع البحرية التي تعتمد على تلك المساحة كبير جداً مع توقع اكتشاف المزيد منها. ان تلك الأنواع قد أصبحت أكثر انشغالاً وأكثر عرضةً للتهديد مع مرور الزمن.

لقد كان يشرف على حماية أعالي البحار ولفترة طويلة مجموعة غير متناسقة من الوكالات العالمية ونتيجة لذلك فإن 1،2% فقط من هذا النظام البيئي الهش محمي حالياً من النشاط التجاري القائم على الاستغلال.

وكما أخبرني مؤخراً جاي ستاندينج وهو أستاذ باحث مشارك في جامعة لندن فإنه لا يوجد أي سبب يدعونا للاعتقاد بأن المؤتمر سوف ينجح في “التصدي لقوة شركات احتكار القلة” في المياه غير الإقليمية. وبدلاً من ذلك سيتضح أن المؤتمر ليس الا مجرد فرصة أخرى للأمم المتحدة من أجل الترويج للطرح بأن دافع الربح، المسؤول إلى حد كبير عن تدمير المحيط، يمكن أن يحفّز الإجراءات اللازمة لإنقاذه.

وكما أشار ستاندينج فلو أردنا انقاذ المحيطات، سيتوجب علينا انهاء عملية التخصيص المتعلقة بها وهذا يعني الضغط من أجل تعهدات ملزمة وأحكام تنظيمية فعالة وتنفيذ فعّال والأهم من ذلك كله فإن هذا يعني الإقرار بأن القيمة الحقيقية للمحيط لا يمكن أن تقدّر بثمن.



*باحث في شبكة Third World Network

المصدر: بروجيكت سنديكيت

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا